تفاقم تناسل الأقاويل المضللة في الأسابيع الأخيرة، وباتت تحيط بأخبار وضعنا الوبائي الكثير من الإشاعات والأخبار الكاذبة والمفبركة، ويجري تناقل ذلك وسط شعبنا، وفئات عديدة تسلم بصحة ما يصلها وتعتبره حقيقة، وهذا ينعكس على النفسية العامة للمواطنات والمواطنين، وينتج عنه ضعف التعبئة المجتمعية وانتشار التراخي، والاستهتار بالتقيد بالإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية.
آخر هذه الأخبار المفبركة، انتشار”بلاغ” يزعم عقد مجلس الحكومة لاجتماع أول أمس الأحد خصص أشغاله للمصادقة على إعادة الحجر الصحي الشامل بكافة ربوع المملكة لمواجهة وباء كورونا، وهو ما نفى رئيس الحكومة صحته، وأصدر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط بشأنه بلاغا، كلّف بموجبه الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء بفتح بحث حول ظروف وملابسات صدور وتداول هذا البلاغ الكاذب، وترتيب الآثار القانونية على ضوء نتائج البحث.
ولقد سبق أن نبهنا، كما نبه غيرنا، منذ مدة، إلى أن ضعف التواصل الحكومي والمؤسساتي مع شعبنا في هذه الظروف الصحية والمجتمعية الصعبة، وغياب الحضور السياسي والإعلامي للحكومة، من شأنهما توسيع دوائر الفراغ، والتسبب في شيوع الأخبار الكاذبة وأفكار الدجل والخرافة والإحباط، وهو ما يحدث اليوم حوالينا وفِي عديد مجالس حديث بمختلف المدن والأوساط.
اليوم حالتنا الوبائية تسجل مؤشرات مخيفة، وحتى رئيس الحكومة نفسه لم يتردد أول أمس في وصفها بـ “المقلقة”، مبرزا أن سلوكنا الجماعي هو الذي يمكن أن يتحكم في هذا الوباء مستقبلا.
وحيث إنه لا يمكننا سوى أن نتفق مع السيد رئيس الحكومة بهذا الخصوص، فإننا نلفت إلى كون هذا بالذات ما يفرض على الحكومة تمتين تواصلها مع الشعب، وتقوية حضورها السياسي والإعلامي والميداني، واستثمار كل ما يتوفر لديها من إمكانيات ودعامات لتفعيل “تواصل الأزمة”، والسعي إلى الاستثمار بالضبط في هذا “السلوك الجماعي”، ومحاربة الأخبار الكاذبة على مدار الساعة، وذلك بنشر المعلومة الصحيحة والتعاون مع وسائل الإعلام الوطنية المهنية، ومساندة هذا القطاع المنكوب لتقوية حضوره وتعبئته، وليؤدي أدواره المطلوبة، وأيضا أن تخرج الحكومة والسلطات من دائرة الكسل التواصلي والانغلاق السياسي، لملئ الساحة.
من المؤكد أن تطور تقنيات التواصل وتكنولوجيا المعلومات وسهولة الولوج ويسر التحريف والفبركة، كل هذا تعاني منه مختلف الدول، ولكن من الضروري، بالنسبة لبلادنا، أن نستحضر أيضا هذا الجانب المتصل بتعبئة المجتمع وتنوير الناس وتوعيتهم، للانخراط في برامج وإجراءات مواجهة الوباء والتصدي له.
لقد فضح زمن كورونا هشاشة نسيجنا الاقتصادي الوطني، وعرى عن كثير معضلات يعاني منها شعبنا بمختلف الأقاليم والجهات، كما كشف عن ضعف الخدمات العمومية في التعليم والصحة العموميين، وعن حجم الفقر والعوز الذي ينتشر حوالينا، وغياب العدالة الاجتماعية والمجالية بشكل صارخ، وحتى تبعات وآثار الحجر الصحي السابق لا زالت واضحة في الواقع، وملموسة في أوضاع عديد فئات من شعبنا، وهذا ما دفع المندوبية السامية للتخطيط ذاتها إلى التحذير من أي حجر صحي شامل آخر لمدة طويلة، وكثير من المراقبين اعتبروا أن الاقتصاد الوطني لن يتحمل ذلك.
إن هذا الواقع وسبل إنقاذ بلادنا ودعم الفئات الفقيرة والمتوسطة لتحسين أوضاعها المعيشية والاجتماعية، وإعادة الانتعاش للاقتصاد الوطني، ومساندة مختلف القطاعات المتضررة لاستعادة عافيتها وديناميتها، هي الرهانات الحقيقية المطروحة علينا اليوم، علاوة على التحدي الصحي والعلاجي وتأمين السير العادي المنتظم للمؤسسات التعليمية والمرافق الإدارية، والاستقرار العام للمجتمع، وهنا يجب أن تتحقق التعبئة الوطنية الشاملة، ويبرز الجهد الحكومي الميداني والسياسي والتواصلي، وأيضا الذكاء التدبيري والتخطيطي لإبداع الحلول وسيناريوهات المواكبة للقطاعات المختلفة.
ومع الأسف، لم ينجح مشروع قانون المالية المعروض أمام البرلمان كي يجسد الوعي الحكومي المطلوب تجاه تحديات اللحظة.
وضمن مختلف هذه التحديات المطروحة، هناك أيضا ضرورة التعبئة العامة لمواجهة الأخبار الكاذبة والمفبركة، خصوصا في غياب التربية على الإعلام، وأمام انتشار الأمية وضعف التعاطي والتحقق من صحة الأخبار الرائجة، ولن يتحقق كل ذلك من دون ملئ الساحة بالأخبار الصحيحة والتعاون مع الصحافة الوطنية الجادة والمهنية، وتمتين الحكومة لحضورها السياسي والتواصلي بشكل مستمر، وانخراط الإعلام السمعي البصري العمومي في نقاش سياسي ومجتمعي عميق ورصين يساهم في تثقيف الناس وتنويرهم.
ولا نغفل كذلك أهمية حرص كل المواطنات والمواطنين في سلوكهم اليومي على الالتزام بالإجراءات الاحترازية والوقائية والتقيد بها، حماية لأنفسهم ولذويهم.
<محتات الرقاص