حظي الخروج الإعلامي لشاعرة مغربية واعدة بردود فعل متباينة، كان أغلب هذه الردود يحمل نبرة سلبية، لكن ما هي جريمة هذه الشاعرة؟
لقد عبرت عن طموحها في أن تنال جائزة نوبل للآداب، كما أنها لم تغفل التذكير بأنها سبق لها أن تم توشيحها بوسام ملكي، هاتان المعلومتان كانتا كافيتين لكي تجعل هذه الشاعرة محط انتقاد عدد وافر من المتتبعين، منهم من لم يطلع على أي شيء من كتاباتها، ولا كان له علم بالسياق الذي تم فيه منحها ذلك الوسام الشرفي.
هل بهذه الطريق يتم مواجهة شخص في بداية السير على درب الإبداع الشعري؟ سيما وأن البداية لا تخلو من عثرات، مما يتطلب العمل على مساندة هذا الشخص بمختلف أشكال المساندة: تشجيعه، توجيهه، نشر إنتاجه، استدعاؤه للمشاركة في ملتقيات أدبية.. إلى غير ذلك من أشكال الدعم والمساندة.
عوض القيام بهذه المبادرات، تم العمل على التشهير بالسائر على درب الإبداع، هناك من نشر صورة تلك الشاعرة الشابة على نطاق واسع عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وأرفقها بتعليقات تهكمية:
الشاعرة الأولى في المغرب الموشحة بالوسام الملكي، تكتب 25 قصيدة في الشهر الواحد..
شاعرة كوكوت مينوت..شاعرة الشن الطن..شاعرة عصر السرعة والصواريخ..شاعرة سويرتي مولانا تربح على رأس كل دقيقة قصيدة، وسام أو ماكانا…
إلى غير ذلك من ردود الفعل السلبية التي من شأنها أن تصيب الإنسان في مقتل، سيما وأن الأمر يتعلق بشابة في مقتبل العمر، لها طموح مثل غيرها من الشباب الذين في سنها، بأن يكون لها موقع ضمن الساحة الثقافية، ليس فقط على الصعيد الوطني، بل دوليا كذلك، وهو طموح مشروع، ولا شك أن الإنتاج الأدبي هو الحاسم في هذه المسألة.
وعوض التريث والبحث عن إنتاج الشاعرة الآنفة الذكر -سيما وأنها أعلنت عن أنها تكتب بغزارة، أكثر من عشرين قصيدة في شهر واحد- والقيام بقراءة نقدية متأنية وموضوعية لهذا الإنتاج، عوض ذلك تم الإصرار على تحطيم صاحبته بشكل جماعي، بواسطة السب والقذف والتشهير والتهكم.. وكل أشكال العنف. ما الفرق بين هؤلاء إذن وبين التنظيمات الإرهابية التي تقطع رؤوس الأبرياء؟
إن العنف ضد المرأة، خصوصا إذا كانت هذه المرأة شاعرة ورقيقة الأحاسيس، لهو أشبه بتوبيخ وردة، وهل يعقل أن نوبخ الورد الذي تفوح منه الروائح العطرة ويبهج النظر؟
بصراحة، هناك أشخاص يعتقدون أنهم وحدهم يمتلكون المعرفة الشعرية، وأنهم وحدهم مؤهلون لتنصيب الفلان الفلاني شاعرا.. وأن من يخالفهم الرأي؛ فهو ملعون ألف مرة.
وأتذكر بالمناسبة كيف انتفض مجموعة من الحاضرين في أمسية شعرية، حين تناول الكلمة أحد الوزراء وأراد أن يتلو شعرا، حيث منعوه من ذلك، اعتبارا لأنه وزير ولم يسبق له أن أصدر ديوانا شعريا، و لا كان عضوا في بيت الشعر أو اتحاد كتاب المغرب.. وحين دافعت شخصيا عن هذا الإنسان وغيره بصرف النظر عن موقعه، من منطلق الحق في التعبير، هاجمني الكثيرون وعابوا علي ذلك، وما زلت أحمل هذه الجراح في باطني.
مرة أخرى يتكرر الأسلوب نفسه، وهذه المرة، يا للحسرة، مع شابة في مقتبل العمر، بحاجة إلى من يسند خطواتها، ذنبها أنها أعلنت عن شاعريتها وعبرت عن طموحها البريء إلى فرض ذاتها.
وأفضل ما أختم بهذه الافتتاحية، هو تلك القولة المشهورة: لندع مائة زهرة تتفتح.
عبد العالي بركات