متى يتم إنصاف المستهلك؟

يستمر مسلسل العبث بصحة ومال وكرامة المستهلك، من طرف لوبي اقتصادي فاسد تغلغل بدواليب عدة قطاعات عمومية وخاصة، أمام صمت الحكومة بكل مرافقها وقطاعاتها. مسلسل الاستنزاف أنهك الاقتصاد الوطني، وتسبب في إفلاس عدة شركات ومقاولات، بسبب طينة فاسدين من منتخبين وممثلين للسلطات والقطاعات العمومية المعنية والأمن والقضاء الذين وجبت تنحيتهم. معاناة المستهلك بين أسواق الظلم والتدليس والتدنيس المفتوحة في وجهه بدون أدنى مراقبة، وبين أبواق الوهم والتحسيس المناسباتية التي تنهجها القطاعات المعنية (جمعيات، وزارات، مجالس منتخبة)، فقط من أجل رفع اللوم عليها. تصرف الأموال من أجل تنظيم ندوات ذات مواضيع عامة ورتيبة، فارغة من أي نقذ ذاتي، ولا لشركائهم المطالبين بحماية المستهلك.عوض استغلال تلك الندوات واللقاءات للاستماع إلى مطالب المستهلك المشروعة، في مقدمتها توفير الجودة في الإنتاج، ومراعاة مداخيله المالية. وعوض تقديم تشخيصات حقيقية وتقارير سنوية للمشاكل والإكراهات التي تضر بصحة وسلامة المستهلك وجيبه، وعوض تقديم الإرشادات والبدائل. نجدها تواظب على جعل المستهلك مذنبا أو متهما.. أو تلميذا في حاجة إلى التعلم والتوعية والتثقيف والتحذير.. أو قاصرا في حاجة إلى الوصاية والحجر. أدمغة ممثلي الوزارات المعنية، ودكاكينها الجهوية والإقليمية. ومعها كل الأكشاك المفتوحة يوميا على الصعيد المحلي والإقليمي والجهوي (مكاتب الصحة وحفظ الصحة والمراقبة .. )، التابعة للجماعات والغرف الترابية ووزارات (الداخلية، الصناعة والتجارة، الفلاحة والصيد البحري، المالية…).. لا تعرف معنى الإنصات لنبض الشارع المغربي الذي يغلي بفعل التعفن الغذائي والبيئي والتلاعب في أسعار المواد الاستهلاكية. لا تعير اهتماما لحالات التسمم والتلوث الأرضي والبحري والجوي والأوبئة المتنوعة التي تتسبب فيها معامل لا تحترم دفاتر التحملات، ومنتجات صناعية لا تخضع للمراقبة، ولا تصنع بالمعايير والشروط اللازمة للإنتاج. ومنتجات يتم إنتاجها بدون تراخيص وباستعمال مواد أولية فاسدة أو ممنوعة، داخل مستودعات سرية وأقباء (caves)، وضيعات فلاحية. بالإضافة إلى عمليات تسويق مواد استهلاكية منتهية الصلاحية، سواء للتغذية أو التجميل أو التداوي أو للتخدير كخمور (الماحيا…) والمخدرات، وحبوب الهلوسة المعروفة اختصارا بـ «القرقوبي» والتي تعتبر الشيء الوحيد الذي يدخل من الجزائر إلى المغرب بأمان وأمن وسلام.. ومنتجات أخرى غير صالحة أصلا للاستهلاك البشري ( ذبائح الكلاب والحمير…). أو تلك التي لا يحل استهلاكها لاعتبارات عقائدية ودينية ونجدها من المكونات الأساسية أو الداعمة لعدة مواد غذائية…
لقد تفشى الفساد والعفن في الإنتاج المحلي، وخصوصا المهيأ للتسويق الوطني. كما تفشت عمليات تقليد بعض المنتجات الوطنية والدولية ذات الجودة، وإغراق الأسواق المغربية بمنتجات شبيهة بلا جودة ولا ضمانات لصحة وسلامة المستهلك، وبمنتجات (مضروبة) أو أشرفت مدة صلاحيتها على نهايتها.. تعرض بأثمنة جد محفزة، وعمليات جذب واستمالة. وذلك بإيهام المستهلك أنه أمام (هميزة) أو (فرصة تخفيض استثنائية). وتنطبق عليه مقولة «القانون لا يحمي المستهلكين». والمفروض أنه تحت حماية الدولة والدستور وقوانينه الإجرائية.. تلك القوانين التي لم تعد أوتارها تطرب المستهلك.
لوبي الفساد الذي عبث بأسعار المحروقات، وجعلها في قبضة من لا يرحموا المستهلك، لا يضرب فقط المنتجات الاستهلاكية الخاصة بالأفراد من مواد غذائية وخدماتية وعلاجية وتجميلية و… ولكنه أصاب ويصيب حتى المنتجات الاستهلاكية الخدماتية الخاصة بالمجموعات. حيث الغش والتلاعب بأموال المشاريع الخاصة بالسكن والبنية التحتية للمدن والقرى، من طرق وقناطر وشوارع وصرف صحي وشبكات للتزود بالماء والكهرباء والهاتف ومرافق عمومية ومساحات خضراء. مما يؤدي إلى انهيار المنازل والقناطر وتدهور الطرق والشوارع وقصور الخدمات الصحية والتعليمية والرياضية …، وإتلاف المساحات الخضراء.. تلكم مواد استهلاكية مشتركة ذات مصلحة عامة، وممولة من جيوب المواطنين. لكن أموالهم تستنزف يوميا أمام أعينهم، بسبب ضعف جودتها ومدد استهلاكها القصيرة…
فحتى جمعيات حماية المستهلك المفروض أن تكون منتشرة بالمدن والقرى. نجد أن معظمها تعمل تحت وصاية وزارة الصناعة والتجارة. وأن أعضاء بعض مكاتبها المركزية تتجنب تأسيس فروع مهيكلة بكل المدن والقرى، إما خوفا على مقاعدها. أو تجنبا للدخول في صراعات مع جهات تدعمها ماليا. ما هو إذن دور مكاتب حفظ الصحة التابعة للبلديات والمقاطعات ومندوبيات ومديريات الصحة والفلاحة ؟، وما هو دور مصالح التغذية وحماية المستهلك والمنتج بكل الوزارات المعنية ؟؟… وما هو دور مثلها من المصالح داخل الأجهزة الأمنية ؟؟؟ .. إن لم تبادر إلى وضع برامج شهرية ودورية وسنوية من أجل ضمان سلامة وصحة المنتوج والضرب من حديد على أيادي الفاسدين. وكيف للمستهلك أن يطمئن لتلك الجهات الحامية لمواده الاستهلاكية، إن لم تبادر تلك الجهات إلى الاستجابة لنبض الشارع، الذي يئن تحت رحمة تلك التجاوزات؟.

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top