قال المحامي محمد الصبار، منسق هيئة دفاع ” الطفلة المغتصبة بتيفلت”، أن الحكم الابتدائي الجنائي الصادر في حق المتهمين الثلاثة “كان مخففا ويميل إلى البراءة”، بعد أن تعرضت الطفلة لاغتصاب متكرر نتج عنه حمل، دون أن يكون عمرها قد تجاوز 11 ربيعا، لكن العقوبة لم تتجاوز الحبس عامين لأحدهم و18 شهرا للآخرين.
وأضاف الصبار، أول أمس الأربعاء، خلال ندوة صحفية بالدار البيضاء، نظمتها الجمعية المغربية للتضامن مع النساء في وضعية صعبة “إنصاف”، أن الحكم المذكور“غير مقبول لا قانونيا ولا أخلاقيا، حكم نتجت عنه مأساة، وهو أقرب إلى البراءة من الإدانة”، مؤكدا، أن هذا الضجة الإعلامية التي أثارها، وهي الضجة التي قال عنها بأنها “فاقت الضجة التي جرت أثناء انتحار الشابة الفيلالي”، قبل حوالي عشر سنوات، وأفضت إلى إعادة النظر في الفصل المتعلق بزواج الضحية من مغتصبها، على حد تعبيره.
وأشار أيضا إلى “وجود أحكام قضائية متفاوتة من نفس الفصول المؤطرة لنازلة معينة، من عشر سنوات إلى سبع سنوات”، معتبرا هذا “التفاوت مقبولا حسب الظروف والملابسات للفعل الجرمي”، قبل أن يستدرك أن ” السلطة التقديرية للقاضي لا تخضع للرقابة، والقضاء يطبق القانون والتشريع ليس من اختصاصه، وهنا يجب أن يكون القانون عادلا حتى يمكن إنصاف الضحايا”، لافتا إلى أن “القاضي له استقلالية ولا يجب أن يخضع لأي تأثير”.
واعتبر الصبار، أن السرعة التي أدرج بها الملف في المرحلة الاستئنافية، “بينما ثمة ملفات مضت ستة أو ثمانية أشهر على الحكم الابتدائي عليها، ومازال أصحابها لم يمتثلوا أمام الاستئناف، تبرز بأن الملف غير عادي، وأن هناك فرصة للتدارك”. وقال الصبار أيضا إنها ستكون “مناسبة لتمرير رسائل من أجل تشجيع الفاعل السياسي ببلادنا من أجل تغيير القوانين ذات الصلة بحماية الأطفال والقاصرين وخاصة الفتيات”.
ومن جهتهم، عبر أعضاء جمعية ” إنصاف”، التي تهتم بدعم وإدماج الأمهات العازبات، خلال هذه الندوة الصحافية، عن صدمتهم من الحكم الصادر في حق المتهمين الثلاثة، آملين تصحيح هذا الحكم خلال المرحلة الاستنئنافية. وأوضحوا بالمناسبة، أن عائلة الطفلة سناء تعيش مجموعة من الضغوطات بسبب الإشاعات التي يتم إطلاقها، ومن بينها تفاوض الأب لتزويج الطفلة لأحد المغتصبين، نافية صحة هذه الأخبار.
ومن جهتها، كشفت الحقوقية سهام الديش أنها زارت منزل الطفلة سناء المتواجد ضواحي مدينة تيفلت، مؤكدة أن جمعية “إنصاف” تكفلت بإرسال مساعدات غذائية شهرية لعائلة الطفلة، قبل أن يتم استقبال سناء من طرف أخصائية نفسية وطبيبة النساء وكذا طبيب الأطفال للكشف عن الرضيع، كما تم استقبالها المرة الثانية لمدة أربعة أيام للمواكبة النفسية.
واضافت أن جمعية “إنصاف”، تكفلت بإدخال الطفلة سناء لأول مرة إلى المدرسة تزامنا مع الدخول المدرسي، مشيرة إلى أن هذه الطفلة كانت معزولة عن العالم وليست لديها أدنى معارف ذلك أنها لم تعرف مكان قضاء حاجتها بالمرحاض، مشيرة إلى أنها لم تعرف حتى كيف تفتح صنبور الماء، موضحة أن هذه الأمور كانت مؤلمة.
وأشارت إلى أن هذه الطفلة انقلبت حياتها رأسا على عقب بهذه الأحداث لأنها تفاجأت بوجود رضيع في حياتها، متسائلة كيف سيتم شرح هذه الأحداث للطفلة مستقبلا، مؤكدة أنها لم تتمكن من إرضاع رضيعها لإنها غير ناضحة فيزيولوجيا لذلك.
واعتبر المتدخلون، أن صدور أحكام مخففة في هذا النوع من القضايا، يمس بمبدأ حماية الطفولة والنساء، وأن مرتكبي هذه الجرائم، مهما كانت الأسباب والمبررات، لايمكن أن يتم تمتيعهم بظروف التخفيف، خصوصا وأن هذه الجريمة ارتكبت بالعنف، وتحت التهديد والابتزاز ثم بالتنسيق بين المغتصبين على مدى ثمانية أشهر من الاعتداءات على مرأى ومسمع الشاهدة. وهنا يتعلق الأمر بفتاة صغيرة من نفس (الدوار) استغلها المغتصبون وجعلوا منها منسقة وحارسة ومتفرجة في هذه
وغاب عن هذه الندوة الصحافية، والد الطفلة بسبب اضطراره إلى استقبال الزيارات المكثفة التي يقوم بها حقوقيون وإعلاميون ومبعوثون من طرف الوزارة ومواطنون إلى منزل سناء لمواكبة الملف. ومن جانبها أكدت الحقوقية سمية نعمان جسوس على أن العمل القادم بعد فضح هذه الجريمة هو التوعية وتغيير العقليات التي تتعاطف مع المغتصبين ضد الضحايا.
وأوردت الحقوقية نفسها أنه لا يمكن أن يتم الحديث عن وجود شبهة رشوة في إصدار الأحكام المخففة في هذه القضية لأنه من الصعب إثبات ذلك بدون حجة، مؤكدة بالمقابل أن ما يخيف أكثر من شبهة الرشوة هو العقلية، مضيفة أن القضاة تعاطفوا مع الرجال المغتصبين أكثر من تعاطفهم مع الضحية المغتصبة.
تجدر الإشارة، إلى أن غرفة الجنايات الابتدائية بالرباط، قضت يوم 20 مارس الماضي، بإدانة المتهمين الثلاثة، من أجل ما نسب إليهم و معاقبة كل من 1 و 2 بسنتين 02 حبسا نافذا في حدود 18 شهرا وموقوفا في الباقي ومعاقبة 3 بسنتين 02 حبسا نافذا مع تحميلهم الصائر تضامنا و الإجبار في الأدنى، في الدعوى المدنية: بأداء كل واحد من المتهمين 1 و 2 لفائدة الطرف المدني تعويضا قدره 20000 درهم بأداء المتهم 3 للطرف المدني تعويضا قدره 30000 درهم مع تحميلهم الصائر تضامنا.
وكان المشتبه بهم الثلاثة قد توبعوا بتهم التدليس لإغراء قاصر دون 18 سنة، وهتك عرض قاصر بالعنف، حيث تعود تفاصيل هذه القضية إلى أزيد من سنة، عندما تعرضت الطفلة سناء (11 سنة آنذاك)، إلى اعتداء من قبل ثلاث أشخاص، تتراوح أعمارهم بين 25 و 32 و 37 عامًا، بدوار غزوانة ضواحي تيفلت.
وكشفت نسخة الحكم أن الخبرة الطبية أكدت أن مولود الطفلة سناء يعود لأحد المتهمين بنسبة %99,99، مؤكدة أن “إنكاره لأية ممارسة جنسية على القاصر قد ضحد بدليل علمي، فتعين بالتالي إدانته بالتغرير بقاصر بالعنف وهتك عرضها بالتعنف الناتج عنه افتضاض وعقابه فصل الفصول 471 و485 و488 من مجموعة القانون الجنائي”.
وكان الحكم المذكور، قد أثار جدلا واسعا، حيث اعتبرت العديد من الجمعيات الحقوقية والمهتمة بالطفولة، أن هذا الحكم جاء مخففا ولا يعكس طبيعة الجرم الذي تنص فصول القانون الجنائي، على أن العقوبة المحددة له تتراوح مابين 5 سنوات و 20 سنة سجنا.
هذا، وتنظر المحكمة الإستئنافية بالرباط، حاليا، في الملف.
حسن عربي
تصوير: طه ياسين الشامي