يخلد الشعب المغربي، يومه الاثنين وغدا الثلاثاء، الذكرى الـ 65 لثورة الملك والشعب “20 غشت”، التي جسدت أروع صور التلاحم في مسيرة الكفاح الوطني الذي خاضه العرش والشعب المغربي، وعيد الشباب “21 غشت”، الذي يعبر عن حرص ملكي دائم على تأهيل الشباب الذي يجسد طموح الشعب حتى يضطلع بدوره كاملا في بناء مستقبل المغرب.
فقد شكلت ثورة الملك والشعب “20 غشت 1953” محطة تاريخية بارزة وحاسمة في مسيرة النضال الذي خاضه المغاربة عبر عقود وأجيال لدحر قوات الاحتلال، فقدموا نماذج رائعة وفريدة في تاريخ تحرير الشعوب من براثن الاستعمار.
كما أعطى المغاربة، عبر هذه المحطة، المثال على قوة الترابط بين مكونات الشعب المغربي وتوحده قمة وقاعدة، واسترخاصه لكل غال ونفيس دفاعا عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية والهوية المغربية. وتكتسي هذه الملحمة في قلب كل مغربي مكانة سامية لما ترمز إليه من قيم حب الوطن والاعتزاز بالانتماء الوطني، والتضحية والالتزام والوفاء بالعهد، وانتصار إرادة العرش والشعب.
وإذا كان الجيل الحالي من الشعب المغربي لم يعاصر هذه الثورة ضد الاستعمار، فإنه يعيش ثورة جديدة هدفها بلوغ المواطنة الكريمة، بنفس روح الوطنية الصادقة، والتلاحم الوثيق بين العرش والشعب الذي يزداد رسوخا بمناسبة الاحتفاء بعيد الشباب.
ثورة الملك والشعب وعيد الشباب لا تشكلان إذن محطة تنتهي عندها الطريق، ولا هما مجرد مناسبة لاستعادة صور خالدة تعاد قراءتها كل سنة. بل تشكلان وقفة لاستخلاص الدروس وجرد الحصيلة ومساءلة الصحوة الديمقراطية النموذجية التي سمت بالمغرب والمغاربة بعيدا فوق العديد من الدول التي زلت بفعل تداعيات ما سمي بالربيع العربي أو تلك التي تخشى الانزلاق إلى أتون الاضطرابات الداخلية.
مغاربة اليوم، وهم يقفون في محطة المناسبتين الوطنيتين، ثورة الملك والشعب وعيد الشباب، يواصلون، بطبيعة الحال، المسير نحو استكمال مسلسلهم الديمقراطي، استنادا إلى الخيارات الأساسية التي كرسها الدستور الجديد وإلى مصالحتهم مع أنفسهم ومع تاريخهم. لكنهم، في الوقت ذاته، يتطلعون إلى تحسين وضعهم المعيشي، ويتساءلون حول مآل أوراش الإصلاحات الاقتصادية العميقة ومدى استجابتها لانتظاراتهم واهتماماتهم. ولعل ذلك هو السؤال المحوري الذي ركز عليه خطاب العرش لهذه السنة والذي نلمس فيه تفاعلا ملفتا مع نبض الشعب، حيث حمل توجيهات مباشرة للنهوض بالقطاعات الاجتماعية والحفاظ على السلم الاجتماعي.
ذكرى ثورة الملك والشعب وذكرى عيد الشباب يجب أن تشكلا إذن مناسبتين لإقرار خارطة طريق لا تزيح عن السكة التي وضعها الخطاب الملكي الأخير بالنظر لحجم المطالب والانتظارات. فالحكومة مطالبة، أكثر من أي وقت مضى، باتخاذ الإجراءات الحاسمة للحفاظ على السلم الاجتماعي من خلال صون القدرة الشرائية للمواطنين ودعم المقاولة وإصلاح أعطاب الإدارة، والأخذ بعين الاعتبار أن التحديات البارزة التي تواجه المغرب اليوم هي بصفة خاصة تحديات مرتبطة بالشق الاجتماعي الذي يجب أن يكون ضمن أولويات الفاعلين السياسيين لأنها هي المحرك للاحتجاجات وللحراكات الاجتماعية.
فلنجعل إذن دخولنا السياسي والاجتماعي المقبل مثقلا بهم الانكباب على التدابير المستعجلة والتي من بينها إطلاق المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بتعزيز مكاسبها، وإعادة توجيه برامجها للنهوض بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة، ودعم الفئات في وضعية صعبة، وإطلاق جيل جديد من المبادرات المدرة للدخل ولفرص الشغل، بالإضافة إلى تصحيح الاختلالات التي يعرفها تنفيذ برنامج التغطية الصحية “راميد” والإسراع بإنجاح الحوار الاجتماعي. كل ذلك، مع استشعار التحدي الحقيقي الذي يكمن في الحرص على ضمان الوقع المباشر والإيجابي لمختلف هذه السياسات الاجتماعية على المعيش اليومي للمواطن المغربي على النحو الذي يضمن توزيعا عادلا ومجزيا لخيرات البلاد، ويساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال مختلف المشاريع، والبرامج العمومية، التي يتوجب إخراجها إلى حيز الوجود في آجالها المعقولة عبر التطبيق الصارم لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
> مصطفى السالكي