مقاطعة الانتخابات.. خيار الشباب في العراق

كان يفترض أن يكون العاشر من أكتوبر 2021 التاريخ الذي يدلي فيه أنس أحمد البالغ 21 عاما، بصوته للمرة الأولى، لكنه قرر عدم المشاركة في الانتخابات المبكرة في العراق على غرار الكثير من الشباب الذين شاركوا في تظاهرات “تشرين” في 2019.
ويقول أحمد من الناصرية في جنوب العراق، مبررا قرار المقاطعة، “الانتخابات في العراق تتم تحت وطأة السلاح والمال السياسي”.
في المدينة ذات الغالبية الشيعية التي تقع على بعد 350 كيلومتراعن بغداد، الفقر الشديد وتدهور البنى التحتية ظاهران. اختفت صور المرشحين وارتفعت مكانها صور شباب قتلوا خلال قمع الاحتجاجات التي اندلعت في أكتوبر 2019 مطالبة بإصلاح الاقتصاد ووضع حد للفساد وبحلول للأزمة المعيشية. كذلك خطف عدد من ناشطي الناصرية، ولم يعرف مصير كثيرين.
بعد عامين على الاحتجاجات غير المسبوقة في العراق التي شكلت فئة الشباب الغالبية الساحقة فيها، وكانت مدينة الناصرية البالغ عدد سكانها نصف مليون نسمة، قلبها، يرى الكثير من الشباب أن الانتخابات المبكرة لا تلبي طموحهم. ويقول كثيرون إنهم يخشون اختطاف أصواتهم بسبب السلاح المتفلت والفساد والتبعية للخارج كما يؤكدون، بينما قرر البعض مقاطعة الاستحقاق الذي اتخذت حكومة مصطفى الكاظمي قرارا بإجرائه في وقت مبكر عن موعده لامتصاص غضب الشارع.
من مقهى الأدباء في وسط المدينة، يروي أحمد الذي تخر ج هذا العام من كلية الاقتصاد والإدارة، ويملك أملا ضئيلا بإيجاد عمل في بلد تطال فيه البطالة شابين من كل خمسة، “لا أستطيع أن أنتخب والكاتم (المسدس) فوق رأسي وأن أعبر عن رأيي والكاتم فوق رأسي”.
كانت الاحتجاجات محطة مفصلية في حياته، لكنه يعتبر أن “الانتخابات غير مجدية في العراق أصلا. فهنا لا عملية ديموقراطية طبيعية في ظل سلاح متفلت ومال حزبي متفلت”.
قبل انتفاضة “تشرين”، لم يكن أحمد يأبه بالسياسية. اليوم، ينتمي إلى حزب البيت الوطني العراقي الذي يقدم نفسه على أنه منبثق من الاحتجاجات، وقد اختار الحزب عدم تقديم مرشحين الى الانتخابات المبكرة.
ويروي الشاب لوكالة فرانس برس “كنت شخصا عاديا، أذهب إلى الكلية، أعود إلى البيت، أراسل صديقتي، أدرس، وهكذا. لكن بعد ثورة تشرين، شعرت أنه باتت لدي مسؤولية”.
ويضيف “شعرت أن لي مكانتي في المجتمع وثقلي في المجتمع، بات لي صوت”.
ويتهم الكثير من الناشطين فصائل منضوية في الحشد الشعبي وموالية لإيران بالمسؤولية عن اغتيال وخطف أكثر من سبعين ناشطا بينهم سجاد العراقي الذي لا تزال صوره مرفوعة حتى اليوم في ساحة الحبوبي في الناصرية، ولم يعرف شيء عن مصيره.
واكتفى المرشحون في محافظة ذي قار، ومركزها الناصرية، بخوض حملتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
من قهوة الأدباء، يقول حيدر جعفر البالغ من العمر 23 عاما وهو صديق أنس، لوكالة فرانس برس إنه من “الصعب لأي مرشح أن يرفع صوره في الناصرية لا سيما بعد تشرين والمجازر التي وقعت فيها. قد يعتبر البعض أي مرشح شريكا في قتل أصدقائهم”.
ويتذكر جعفر يوم 28 نونبر 2019 قائلا “كنا قبل ذلك بليلة نضحك ونتسامر مع أصدقائنا. فجرا، حصل ما حصل ووصلنا خبر استشهادهم. لا ينبغي لأحد بعمرنا أن يرى أصدقاءه مغطين بالدماء وموتى. صحيح، نحن تظاهرنا بإرادتنا لكن ذلك لا يبرر قتلنا ونحن بمقتبل العمر”.
رغم أن جعفر خريج كلية التمريض، لكنه يعمل بتوزيع المنتجات التجميلية على المتاجر في انتظار تعيينه في وظيفة حكومية. أدلى بصوته في العام 2018، لكن الأحداث التي تلت في البلاد أوصلته إلى نتيجة المقاطعة هذا العام.
ووعدت الحكومة التي وصلت الى السلطة في ماي 2020 على أساس أنها ممثلة لصوت المحتجين “بمحاسبة المسؤولين عن قتل المتظاهرين خلال ستة أشهر، لكننا لم نر شيئا”، وفق حيدر.
ويقول المصور الفوتوغرافي حيدر كاظم الذي ينوي مقاطعة الانتخابات أيضا، “كل الأحزاب تابعة للخارج، منها ما هو تابع لإيران أو للولايات المتحدة وليس لها ولاء للعراق. يقدمون مصلحة البلاد الأخرى على بلدهم”.
وشكلت الانتخابات النيابية المبكرة مطلبا لبعض المحتجين في العام 2019. ويقول حسين “كنا نعتقد حينها أن الطريق الوحيد للتغيير هو الانتخابات، لكن كيف تجري انتخابات والسلاح موجود والأحزاب كلها لا تزال تملك نفوذا وتملك مالا سياسيا؟”.
لكن هذا لن يمنع منتظر، صديقه الذي يدرس هندسة طبية في أذربيجان، من أن يتخذ موقفا مؤيدا للتصويت.
فرغم أن الشاب لا يرى أملا كبيرا بالعودة إلى بلده، لكنه مؤمن بأن “مستقلا واحدا أو عشرة مستقلين، لو فازوا في الانتخابات، قد ينجحون في أن يكونوا أداة ضغط وأن يؤسسوا لذرة معارضة حقيقية”.
لكن في بلد يتغلغل فيه الفساد بكل مفاصل الدولة وهو في المرتبة الـ21 على سلم الفساد بحسب منظمة الشفافية الدولية، يرد حيدر “لا تستطيع الحكومة أن تضمن لنا نزاهة الانتخابات”.

< أ.ف.ب

Related posts

Top