من مسار نوال المتوكل

 تعد نوال المتوكل واحدة من النماذج الناجحة للرياضيات اللواتي تمكن من المحافظة على مسار ناجح بعد نهاية المشوار الرياضي، مقدمة نموذجا للتحول الإيجابي للإنسان الرياضي.
   فقد جعلت نوال من الاعتزال بداية لا نهاية، ومرحلة لإعادة بناء شخصية الرياضي، من ممارسة لا تعرف إلا المضمار أو القاعة والملعب، إلى إطار من مستوى عال تساهم في التدبير والتسيير على أعلى مستوى.
  نموذج فريد وغير قابل للتكرار في سماء البطلات المغربيات، فهي بطلة أولمبية في ألعاب القوى، تجاوزت كل الحواجز، لتبرز كرياضية قادمة من عالم محكوم بكثير من التقاليد والأحكام المسبقة، وهي الآن تتقلد مناصب عليا داخل دواليب التسيير بالمؤسسات الرياضية على الصعيد الدولي، بفضل الكاريزما التي جعلتها رافضة للاستسلام والخضوع والتخلي والتراجع والقبول بالأمر الواقع.
  خلال فضاء رمضان السنة الماضية، قدمنا حلقات الجزء الأول من مسار نوال المتوكل، والتي خصصت للوقوف على تفاصيل مرحلة الممارسة كعداءة، انطلاقا من ملعب لاكازابلانكيز، مرورا بانتمائها للمنتخب الوطني، وصولا إلى انتقالها للولايات المتحدة الأمريكية للدراسة والتدريب، وفق أساليب وطرق متطورة تختلف كليا عما سبق، لتتوج ذلك بميدالية ذهبية في سباق 400م حواجز بأولمبياد لوس أنجلوس.
   خلال رمضان هذه السنة نعود لتقديم تفاصيل مرحلة ما بعد الاعتزال، والتي شهدت الانتقال من مرحلة الممارسة إلى التحول لكسب مكان داخل الأجهزة المشرفة على الرياضة الدولية، وبصفة خاصة الاتحاد الدولي لألعاب القوى واللجنة الأولمبية الدولية، وهذه المرحلة تحفل بالكثير من التفاصيل والمعطيات المثيرة، وهو ما نعمل على تقديمه تباعا عبر حلقات طيلة هذا الشهر الفضيل…       

بعد اعتزال الممارسة طرح الاختيار بين التدريب والتسيير

أربع سنوات بعد مؤتمر برشلونة أي سنة 1999، انعقد المؤتمر الموالي واحتضنته مدينة تنتمي لنفس الدولة، وكانت  إشبيلية، ثم انعقد مؤتمرا 2001 بكندا، ثم مؤتمرا سنة   2003 بباريس، وعملنا على تغيير  القوانين كل سنتين، وموازاة مع ذلك أخبرني رئيس اللجنة الأولمبية الدولية آنذاك خوان أنطونيو سمارانس بأنه في حاجة إلي بجانبه، وطلب مني أن أجهز نفسي خلال السنوات القادمة لعضوية خاصة وليس فقط عضوة بلجان متعددة، كما كان بالفعل، وهو ما حصل فعلا وأصبحت عضو كاملة العضوية داخل اللجنة الأولمبية الدولية، بعد أن وقفوا على طريقة تعاملي على المستوى الدولي وتحركاتي داخل الأجهزة الدولية. أتذكر أنه في سنة 1997 هاتفني سمارانس قائلا إنه عاين قيمة العمل الذي قمت به بعد انضمامي سنة 1995 للاتحاد الدولي لألعاب القوى، وشكرني وهنأني على جهودي، وأخبرني بأنني سأنضم للجنة الأولمبية الدولية.
تمكنت من الانضمام للجنة الأولمبية. وكان ذلك سنة 1998 وتحديدا بناغانو التي استضافت الألعاب الأولمبية الشتوية، اذ طلب  مني سمارانس تجهيز نفسي لحضور أشغال اللجنة الأولمبية. وشرف الانتماء لهذا المستوى يعتبر  أقصى ما أطمح إليه أي رياضي.
صراحة لم أكن أحلم بأن أصبح عضو داخل اللجنة الأولمبية، وأن ألتحق بمكتبها التنفيذي وأغدو نائبة الرئيس الأول. الأسباب التي ساعدتني للوصول لهذا المستوى هي أولا إيماني بالله ثم الثقة بالنفس وثالثا الاجتهاد. وفي هذه النقطة كان لدي اهتمام قوي بالاجتهاد والعمل الدؤوب.
كان بإمكاني الجلوس بالمنزل دون فعل أي شيء، ما دمت قد فزت بميدالية أولمبية والقول (الله يجعل البركة). ولا داعي للمزيد، و من الأفضل أن أعتني بأبنائي وبيتي ولا أطمح لأي شيء آخر . لكن كان على العكس، والشعور بأن بلدي المغرب استثمر من الناحية الرياضية، حيث تكلف بي المرحوم الحسن الثاني شخصيا على دراستي العليا، وكثيرا ما كلمني هاتفيا وبصفة مباشرة، سواء قبل أو بعد السباقات التي فزت بها، بالإضافة إلى حب الناس وتعاطفهم، والترحتب الذي كنت احس به بالشارع المغربي، كل عوامل ايجابية شجعتني على الاستمرار والمثابرة  والاجتهاد.  
تعود الجميع على أن أي بطل ينهي مساره الرياضي يبتعد عن المجال الرياضي. وفي أحسن الأحوال يتحول إلى مدرب، وقد يتوجه إلى العمل في التجارة لتصريف أمور حياتية. وهنا تابعت أبطالا على الصعيد الدولي والأولمبي ونجوما عالميين، اختار كل واحد منهم مساره الخاص. فالرياضة أصلا بحر عميق، وهنا يمكن للرياضي اتخاذ قرار الدخول لعالم من عوالم التدريب أو الإذاعة أو التسيير أو الإشهار. لان هناك الكثير من المجالات التي يمكن للرياضي المعتزل أن يشتغل فيها.
آنذاك كان مثلي  الأعلى هو بيليه الذي انطلق من عالم الرياضة إلى عدة مجالات حتى أصبح وزير للشباب والرياضة ببلده. نفس الشيء بالنسبة لميشيل بلاتيني الذي هو أيضا مثلا أقتدي به. وهناك كذلك كيد غوت. كما ان هناك أسماء متعددة لأبطال تحولوا إلى عالم التسيير بطريقة إيجابية. وعلى هذا الأساس تساءلت في قرارة نفسي عن أسباب عدم توجه امرأة في نفس هذا المسار الناجح.

 إنجاز: محمد الروحلي

Related posts

Top