نساء في مراكز القرار

الحلقة الرابعة

حكايات عديدة نسجت في كل مراحل التاريخ عن طبيعة المرأة الفيزيولوجية والبيولوجية واعتبار هذه «الطبيعة» محددا لتدني مكانتها في المجتمع قياسا بموقع الرجل فيه. وقد كان حيفا كبيرا في العديد من مراحل التاريخ البشري أن يُزج بالمرأة، فقط لأنها امرأة، في الدرك الأسفل من المجتمع. لقد كانت المرأة وما تزال ضحية الذهنية الذكورية التي تجعل منها كائنا لا يستقيم إلا بتبعيتها للرجل وموالاتها له، ولهذا، فالأدوار الأساسية والمناصب ذات الحساسية في أي مجتمع كانت وما تزال تسند، في عمومها، إلى الرجل ولا يُلتفت إلى المرأة حتى ولو كانت كفاءتها وأهليتها العلمية تؤهلها لتحمل المسؤولية والوصول إلى مراكز القرار السياسي إسوة بالرجل. من قلب هذه المعاناة التاريخية للمرأة، جراء إقصائها الظالم، يظهر بين الحين والآخر الاستثناء الذي معه تتبوأ المرأة مناصب عليا قد تكون بالغة الحساسية في بعض الأحيان، كما تبرهن على ندّيتها للرجل، وتدحض بذلك كل «الحجج» أو الادعاءات التي تتدرع بها عقلية الذكورة من أجل تثبيت دونيتها. وإنصافا للمرأة من ظلم التاريخ، نورد في ما يلي نماذج من هؤلاء اللواتي كسرن ادعاءات الرجل بشأنهن، بوصولهن لمناصب النخبة والقرارات السياسية في بلدانهن.

أنديرا غاندي أكثر الكارهين للتعصب الديني والطائفي

الميلاد والنشأة

ولدت إنديرا بريادار شيني نهرو في 19 نوفمبر1917 بمدينة الله آباد في عائلة لها باع طويل بالعمل السياسي حيث كان جدها ووالدها من رموز العمل الوطني ومثّلا مع ألمهاتما غاندي ثالوثا أسماه الهنود “الثالوث المقدس” كان له فضل كبير في مساعي الهند للحصول على استقلالها من بريطانيا. وشغل والدها جواهر لال نهرو منصب أول رئيس وزراء للهند عقب استقلالها عام 1947.

الدراسة والزواج

درست إنديرا في معهد “سانتينيكيتان” وأكملت دراستها في العلوم السياسية بسويسرا ثم في كلية سومر وجامعة إكسفورد ببريطانيا، وهناك تزوجت عام 1942 فيروز غاندي أحد ناشطي الحركة الوطنية الهندية ورزقت منه بولدين هما سنجاي وراجيف.

تاريخها السياسي

اشتغلت إنديرا بالعمل السياسي منذ وقت مبكر من حياتها، وتمرست على تقلبات الحياة السياسية، ففي عام 1942 (أي في العام الذي تزوجت فيه) اعتقلت هي وزوجها بتهمتي التخريب ومناهضة السياسة الاستعمارية فقضى الاثنان في السجن 13 شهرا. كانت إنديرا من أكثر الكارهين للتعصب الديني والطائفي حتى إنها سقطت صريعة بسبب وفائها لهذا المبدأ كما سيأتي عند الحديث عن اغتيالها.
وقد كرست إنديرا معظم حياتها لوحدة الهند الوطنية وإخراجها من التقاليد البالية والانقسامات الاجتماعية المولدة للعنف، كما عرفت كيف تحافظ على استقلال الهند في عالم يتميز بهيمنة الكبار على كل تفاصيل العلاقات الدولية.
انتخبت في عام 1959 بعد وفاة زوجها رئيسة لحزب المؤتمر لمدة عام واحد، وعلى الرغم من قصر تلك المدة فإن جهودها أسفرت عن تطهير الحزب من قياداته البيرقراطية وإدخال دماء جديدة إلى صفوفه ونجحت في إضعاف الحزب الشيوعي الهندي في أهم حصونه داخل ولاية “كيرلا” وذلك بفوز حزب المؤتمر هناك عام 1957.
كلفت إنديرا الإشراف على استراتيجية الدفاع الوطني عام 1962 عندما تصاعدت حدة الخلافات من جديد بين الهند وباكستان على كشمير.
مثلت إنديرا بلادها في منظمتي اليونسكو واليونيسيف في باريس عام 1964 لكنها سرعان ما استدعيت إلى الهند مرة أخرى بسبب تدهور الحالة الصحية لوالدها ومارست مهام رئاسة الوزراء بالوكالة.
طلب رئيس الوزراء الجديد لال بهادور شاستري الذي خلف نهرو عام 1946 من إنديرا تولي حقيبة وزارة الخارجية لكنها رفضت مفضلة وزارة الإعلام، وزادت من نشاطها في مجلس ممثلي الولايات الهندية الذي يعتبر المركز الحقيقي للسلطة في البلاد، وكان من أهم إنجازاتها في وزارة الإعلام تمكين المعارضة من عرض وجهات نظرهم في الإذاعة والتلفزيون.
جاءت الوفاة المفاجئة لرئيس وزراء الهند شاستري في يناير1966 في العاصمة الأوزبكية طشقند أثناء حضوره مؤتمرا للنزاع على كشمير برعاية الاتحاد السوفياتي لتمهد الطريق أمام تولي إنديرا رئاسة الوزراء، واختيرت إنديرا غاندي لتولي منصب رئيس الوزراء، وفي عام 1967 قرر الحزب إعادة ترشيحها.

اطردوا إنديرا

رفض البرلمان الهندي إدخال تعديل على الدستور يسمح بإلغاء الامتيازات والنفقات التي تدفعها الحكومة للأمراء، وقد تجاوزات إنديرا هذا الرفض فاستصدرت مرسوما رئاسيا يسمح بإصدار مثل هذا القانون، وعندما أعلنت المحكمة الدستورية العليا عدم دستورية هذا القانون رفعت المعارضة شعار “اطردوا إنديرا” فردت عليهم بشعار “اطردوا الفقر” مما أكسبها تأييد الجماهير الشعبية التي صوتت بكثافة لمرشحي حزب المؤتمر (جناح إنديرا)، ونجح مؤيدوها بـ350 نائبا من أصل 515 مما سمح لها بتنفيذ العديد من الإصلاحات الاجتماعية والدستورية والاقتصادية التي كانت تخطط لها لتحديث الهند.

علاقاتها بالاتحاد السوفياتي

كانت إنديرا غاندي تعتبر علاقتها بالاتحاد السوفياتي علاقة إستراتيجية تكللت في 9 غشت 1971 بتوقيع معاهدة للصداقة والتعاون تمهيدا للدخول في الحرب الثالثة مع باكستان التي كانت تربطها بالولايات المتحدة علاقات مميزة.
قادت إنديرا الهند في حربها مع باكستان عام 1971 وذلك بعد أن أعطت أوامرها إلى الجيش الهندي بدخول باكستان الشرقية لدعم الانفصاليين هناك، وقد حقق الجيش الهندي انتصارا كبيرا على نظيره الباكستاني وكان من أهم نتائج هذه الحرب انفصال باكستان الشرقية عن الغربية وإنشاء كيان سياسي جديد موال للهند هو بنغلاديش. وقد رفع هذا الانتصار شعبية إنديرا وجعلها من زعماء الهند التاريخيين.
أعلنت إنديرا غاندي حالة الطوارئ في 26 يونيو 1975 مبررة ذلك بضرورة تنفيذ برنامج طموح من الإصلاحات الجذرية. وبموجب حالة الطوارئ هذا زجت حكومة إنديرا بأبرز زعماء المعارضة البرلمانية في السجن وفرضت الرقابة على الصحف وعلقت الحريات الدستورية. ونتيجة لكل ذلك كان من الطبيعي أن تتهاوى شعبيتها ويخسر حزبها في انتخابات أكتوبر 1977 أمام تكتل المعارضة “جناتا بارتي” وتخسر هي نفسها مقعدها في البرلمان.

عودتها إلى السلطة

عادت إنديرا إلى السلطة مرة أخرى مستغلة سلسلة من الأخطاء السياسية ارتكبها تكتل المعارضة.

اغتيالها

احتج بعض زعماء السيخ المتشددين على بعض سياسات إنديرا واعتصموا في أحد معابدهم المقدسة (معبد الشمس) وطالبوا باستقالتها، ولما امتنعوا عن الاستجابة لمناشدتها بفض الاعتصام وعدم إثارة الرأي العام أو النعرات الطائفية أعطت أوامرها للجيش باقتحام المعبد والقضاء على المعتصمين وعلى رأسهم سانت بيندرانوال مما أثار حفيظة بقية السيخ. رفضت إنديرا تغيير حرسها الشخصي المكون من الضباط السيخ معتبرة أنه يجب أن لا يؤخذ الأبرياء بجريرة المذنبين على حد وصفها، لكنها لم تكن موفقة في هذا الرأي فقد تغلب التعصب الطائفي على الواجب القومي فسقطت إنديرا صريعة برصاصات قاتلة أطلقها عليها حرسها الشخصي صبيحة يوم 31 أكتوبر 1984 فودعت الحياة السياسية عن عمر يناهز 67 عاما.

 إعداد: سعيد أيت اومزيد

Related posts

Top