القرار الإسرائيلي 

أفاد بلاغ الديوان الملكي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أبلغ جلالة الملك قرار تل أبيب الاعتراف بمغربية الصحراء، وإبلاغ  جميع الدول والمنظمات الدولية والإقليمية بذلك. من المؤكد أن الكثيرين كانوا يتوقعون هذه الخطوة، بالنظر إلى عدد من المؤشرات الملحوظة في العلاقات بين البلدين في الفترة الأخيرة، ولكن قراءة ذلك يجب أن تستحضر أساسا الدينامية الديبلوماسية التي تحيط بملف الوحدة الترابية للمملكة، وما حققته الديبلوماسية المغربية من نجاحات على هذا المستوى، ومن ثم ليس الأمر مقايضة بين طرفين، ولكنه من تجليات ما تراكم من مكتسبات  للديبلوماسية المغربية بتوجيهات من جلالة الملك، وأيضا من ضمن ما صار يميز العالم اليوم من تبدلات وتعقيدات وتموقعات واصطفافات. لقد صار واضحا اليوم في زمن ما بعد الجائحة، وفي غمرة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وتغير الأسس والمحددات، أن العالم دخل مرحلة مختلفة، وهي التي فرضت جعل المصالح الإستراتيجية المشتركة بين الدول أساسا يحكم العلاقات الثنائية، ويمكن هنا استعراض العديد من الأمثلة من القارات المختلفة، وبالتالي كل بلد بات يبحث عن تحقيق مصالحه الوطنية والإستراتيجية، ويعمل لحماية وجوده وأهدافه، وهو ما يجب على المغرب، بدوره، الانخراط فيه والعمل به، والسعي لحماية ثوابته وحقوقه. من جهة ثانية، لقد سبق لجلالة الملك في خطاب له بمناسبة الذكرى الـ 69 لثورة الملك والشعب أن شدد على أن «ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات  ونجاعة الشراكات». وانطلاقا من هذا الإصرار المبدئي المغربي في تحديد علاقاته مع كل الدول، يمكن أن نفهم القرار الإسرائيلي الحالي، وأيضا الخطوة التاريخية التي كانت قد أقدمت عليها الحكومة الإسبانية من قبل، ثم تطور الموقف الألماني، ومواقف عدد من البلدان الأوروبية الأخيرة. ويمكن أن نقرأ الخطوة الإسرائيلية كذلك عبر القياس والتقابل مع الوضعية الحالية للموقف الفرنسي، ومن خلال الإصرار المغربي تجاه باريس على ضرورة تطوير موقفها والخروج من التردد والتكلس والالتباس و… النفاق تجاه ملف الوحدة الترابية المغربية. يعني ما سبق، أن قرار إسرائيل يندرج، بالذات، ضمن تنامي قناعة دولية واسعة بمشروعية الحق المغربي ومصداقية المقترح المغربي حول الحكم الذاتي لأقاليمه الجنوبية، وينسجم مع الدعم العالمي والإقليمي الواضح لعدالة الموقف المغربي، وهو يكرس ما حققته الديبلوماسية المغربية، على هذا المستوى، من نجاحات، بقيادة جلالة الملك. الموقف الإسرائيلي المعترف بمغربية الصحراء هو إذن التحاق بتوجه دولي عام يقر بأن هذا هو الحل الحقيقي لنزاع مفتعل طيلة عقود، وليس عملية مقايضة ثنائية. هذه الخطوة الإسرائيلية لن تؤثر على الموقف الوطني المغربي من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وقد أكد جلالة الملك هذا أكثر من مرة، كما أن جلالته، باعتباره رئيس لجنة القدس، ما فتئ يقدم الدليل على الدعم المغربي المتواصل والثابت  للشعب الفلسطيني، وذلك بشكل عملي وملموس وبلا مزايدات أو مساومات. وحتى عندما يتيه بعض المسؤولين الفلسطينيين في شطحات غريبة وشاردة تستهدف الوحدة الترابية المغربية، كما فعل جبريل الرجوب منذ أيام، فإن المغرب لا يقف عندها كثيرا ولا يقيس بها وفاءه لقضية الشعب الفلسطيني، ولهذا فالمملكة تؤسس مواقفها الثابتة على قاعدة المبادئ والقيم، وهي تعتبر القضية الفلسطينية قضية وطنية عند كل المغاربة، كما أنها، في الآن نفسه، تنصت لتبدلات محيطها الدولي والإقليمي والإستراتيجي، وتسعى أن تعزز حضورها، وأن تحفظ مصالحها  وحقوقها، وأن تطور شراكاتها لتحقيق مصالح شعبها، تماما كما تفعل باقي الدول عبر العالم.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top