هل من مبرر لعدم استغلال الخزانات المدرسية؟

يمكن أن يتصور المرء الدور الذي تلعبه الخزانات المدرسية في تطوير وإنماء قدرات التلاميذ وإذكاء شغف القراءة والغوص في أحشاء هاته المكتبات لجني الدرر وقطف البديع من العبارات والصور والأفكار وكسب المعارف الأدبية، بدل انشغالهم بمغازلة الهواتف الذكية في ساحة المؤسسات أو خارج أسوارها أثناء تغيب أستاذاتهم وأساتذتهم عن العمل.
وفي أول تعيين لي بمؤسسة تعليمية وأنا أسائل نفسي وأطرح عدة تساؤلات حول الدور الذي قد تلعبه الخزانات المدرسية التي تخصص لها وزارة التربية الوطنية بناية في كل مؤسسة تربوية وترصد لها مبالغ مهمة لتزويدها بشتى الكتب والمعاجم بغية استفادة التلاميذ منها واستغلالها على الوجه الأصح، لكنها، وللأسف تظل مغلقة خلال أعوام كثيرة ينال منها الغبار وتزورها القوارض ليلا لتأكل من أوراقها، دون استغلالها في الغرض الذي أعدت من أجله.
وها أنذا اليوم مقبل على التقاعد لحد السن، ولازلت نفس الأسئلة التي طرحتها من قبل تراودني وتؤرق مضجعي حتى أضحى هذا الموضوع بداية تهمة علي مع سبق مع الإصرار والترصد من شدة إثارته، سواء بمناسبة أو بغير مناسبة، لأن ما لا أفهمه حقيقة هو، لماذا تظل هاته الخزانات المدرسية عديمة النفع ولا تؤدي دورها الذي من أجله أحدثت مع العلم أنها فعلا تؤثث للفضاء المدرسي الذي هي جزء لا يتجزأ منه، وقد سبق لي أن قمت بورشات القراءة للجميع لفائدة التلميذات والتلاميذ من داخل إحدى هذه الخزانات المدرسية واضطلعت ميدانيا على ما تزخر به من كتب مهمة سواء باللغة العربية أو الفرنسية، لكنها وللحسرة البالغة، تظل حبيسة الرفوف لا تفتح في وجه الأساتذة والتلاميذ إلا من يزورها ليلا من عناكب وقوارض تؤنس وحدتها وتكسر عنها ملل انتظار «الفتح المبين».
أحيانا نتكلم بإسهاب عن ظاهرة العزوف المدرسي التي لا تزال محط اهتمام الوزارة الوصية على قطاع التعليم، وأحيانا أخرى بالمبالغة الشديدة في التحليل لكن لا نضع في مرمى أعيننا الهدر الحقيقي الذي يعاني منه التلميذ، ألا وهو الفراغ الممل الذي يخلفه عدم الاهتمام بالقراءة، وعدم الاكتراث بتخصيص سويعات ضمن استعمال زمن التلميذ لحثه على القراءة وزرع حب المطالعة في نفسه وملء أوقات فراغه بما يفيده بدل هدر وقته بإخراجه من المؤسسة وعدم تأمين زمن التعلمات أثناء غياب المدرسين.
فحري بكل القائمين على الشأن التربوي، إذن، أن يفكروا مليا في الأمر ويبعثوا نفسا جديدا في هاته المكتبات المدرسية لتلعب الدور المنوط بها، وتشكل اندماجا فعليا للتلميذ داخل محيطه التربوي الذي يتفاعل معه، وينفعل به من أجل إدماجه غدا في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للبلاد كمواطن صالح يساهم في التنمية المستدامة وفي الرفع من مستوى الوعي الثقافي والمجتمعي وجعله العنصر البشري الأهم من أجل إصلاح شامل لمنظومتنا التعليمية والذي تعتبره الدولة من الأولويات المعول عليها في سن كل السياسات العمومية .

< عبد الصادق أغرابي 

Related posts

Top