يوميات نادل… -الحلقة 11-

الجوع كافر.. هل أنا كافر إذن؟

عجولا، ودونما انتظام أغسل أطرافي، وكأني سأقيم الصلاة التي قاطعتها منذ زمن بعيد ليس جحودا لها أو استخفافا واستهزءا بشأنها.

أهو الكفر؟ أم الصدأ الذي غطى قلبي؟ أم أنني بحاجة إلى من يجدد إيماني ويربط صلتي بالبارئ؟

هكذا أناجي نفسي كلما تذكرت هذه الضريبة التي امتنعت عن أدائها.

أشعر أحيانا أنني بوثقة للتناقض الصارخ، خصوصا وأنني ذاك الشخص الذي يجتمع فيه الكفر والإيمان، وقليل من الشرك ووفرة من التوحيد، وكميات من  التقوى ونتف من الفجور، ونفحة من النفاق وأطنان من الصدق.

إن هكذا مفارقة تريحني، ولا تزرع اليأس في دواخلي، حين أيقنت أن هكذا حال يبقى من أعظم أصول أهل السنة، الذين رأوا أن هذه الأشياء قد تجتمع في الرجل الواحد، الأمر الذي زكاه القرآن في سورة يوسف قائلا: “وَمَا يؤمن أَكْثَرهم بِاللَهِ إِلا وَهم مشركونَ”، فهذه الآية تدل على أنه قد يجتمع الإيمان مع الشرك في الذات الواحدة.

إلى مائدة الطعام تدعوني زوجتي، وبسرعة ألبي النداء، تاركا هذا السجال الديني للأوصياء عليه، غير راغب في المزيد من الخوض في ثناياه.. 

أحضر حيث حضر العدس وسمك السردين، تلك الوجبة التي تحيلني كلما كانت حاضرة على سنوات الجامعة، وأجواء مطعم حيها، حين كنا ننتظر وبشوق ذاك اليوم الذي تتكرم علينا فيه قائمة الطعام بذاك الغذاء الشعبي.

لا يهمني حديد العدس، ولا بروتين السمك، ولا نشا الخبز، ولا فائدة البصل، ولا أحماض الطماطم، بقدر ما يعنيني محاصرة الجوع الذي يحاصرني، وكلي إيمان أن السغب يرضي الأسود بالجيف.

كسرب جراد جائع أغزو المائدة، معينا شهيتي بالفلفل الحار، والذي يعينني على تعبئة معدتي حد التخمة، لأوقف موسيقى أمعائي التي أطربتني بنوتاتها، التي لا يستسيغها إلا من ذاق لسعات الجوع القاتلة.

“الجوع كافر”، هكذا كان يقال لنا، وبهذه العبارة التي تحمل بين طياتها الكثير أطرونا.

بقلم: هشام زهدالي

كاتب وإعلامي

Related posts

Top