حزب التقدم والاشتراكية يدعو لتسيير وتدبير ديمقراطيين للعاصمة الاقتصادية

قال عبد الواحد سهيل، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، إن مجموعة من المدن المغربية تعرف عدة إشكالات جمة، خصوصا وأن 65 في المائة من المغاربة، متمركزين في المجال الحضري، وهو التوجه الذي لا زال مستمرا إلى اليوم، أمام الحركة الديمغرافية التي يسير فيها الكون ككل، على اعتبار المدن ترتبط كثيرا بالشغل، ووجود فرص عمل، بفعل الحركة الاقتصادية التي تشهدها هذه التجمعات البشرية، حيث ينتظر أن يصل عدد ساكنة المدن الحضرية خلال سنة 2025، إلى 70 في المائة.
هذا التطور المفاجئ، وفق عبد الواحد سهيل، الذي تحدث في افتتاح ندوة “إشكالية تدبير المدن الكبرى الدار البيضاء نموذجا”، المنظمة من طرف لجنة تتبع الشأن المحلي للدار البيضاء الكبرى لحزب التقدم والاشتراكية، مرتبط بالنمو الديمغرافي، والنمط الاقتصادي الذي انتقل من نموذج اقتصادي فلاحي رعوي، إلى اقتصاد صناعي عصري، الأمر الذي دفع العديد من سكان القرى إلى الهجرة نحو المدن الكبرى، من أجل البحث عن عمل قار، يضمن قوتهم اليومي، خصوصا وأن المغرب شهد خلال إحدى الفترات جفافا أثر سلبا على الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمواطن المغربي بالبادية.
الذهاب للبحث في المدن عن وسائل عيش جديدة، ونمط جديد وعصري، من طرف القرويين، ضاعف، حسب سهيل، من حجم عدد السكان، بثلاثة مرات، ومن المرتقب أن تصبح البلاد، خلال الثلاثين سنة القادمة، كلها مدنية، نظرا لتطور هذه الأخيرة اقتصاديا، واجتماعيا، وكذا بحثها عن نموذج ثقافي خاص بها أيضا.
المدينة في مخيلة الناس، مرتبطة بالشغل، ومحاربة الفقر، وتغيير الوضع الاجتماعي، والبحث عن حياة مستقرة تستجيب لشروط الحياة الحضرية، فالمدينة، وفق سهيل تخلق 250 ألف منصب شغل في السنة، مما يجعل منها مكانا للأمل، حيث بالإمكان، تحسين الوضع الاجتماعي، والاقتصادي، غير أن المدينة لا ترتبط فقط بما هو ربحي، لأنه ثمة أيضا هامش كبير من الانكسارات والاخفاقات، في حالة عدم إيجاد فرصة شغل، حيث يصبح الشارع الحضن الوحيد لهذه الفئة، التي تجد نفسها بين عشية وضحاها بجانب المنحرفين، وبائعي المخدرات واللصوص والمتسكعين..
وأبرز عبد الواحد سهيل، في هذه الندوة التي أدارها أحمد بوكيوض، عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية، أن المدن المغربية جميعها، ارتفعت منذ سنة 1982 إلى سنة 2004 بـ 50 في المائة، حيث أصبحت 75 في المائة من المدن تضم ما يفوق 100.000 نسمة، مسجلا أن النمو كان فوضيا، ولم يواكبه تخطيط عميق، حيث تأخر الحديث عن سياسة المدينة إلى السنوات الأخيرة، وبالضبط سنة 2012.
عدم وجود أرضية مهيكلة للمدن في المغرب، جعلها تعيش دون تجهيزات أساسية لمدة طويلة، كالطرق، والماء، والكهرباء، وقنوات الصرف الصحي، وخطوط النقل، والمساحات الخضراء.. لتجد المدن المغربية نفسها، وفق المتحدث نفسه، تعاني مباشرة بعد حصول المغرب على الاستقلال، مقدما نموذج مدينة الدار البيضاء التي أصبحت مدينة تعاني منتفشي الأحياء الصفيحية، والمهمشة، التي لا تستجيب لشروط الحياة اليومية، ويرجع السبب في هذا، إلى انعدام التخطيط.
وقال سهيل إن المدن الكبرى يجب أن تتوفر على مخطط وبرنامج عمل، واستراتيجية بعيدة الأمد، من شأنها أن تساعد مسيري المدينة على النجاح في تحسين خدمات وصورة المدينة، تجنبا لبعض المشاكل التي يقع فيها المجلس، والتي من بينها إشكالية الوعاء العقاري، سواء تعلق الأمر بوجود تجهيزات سكنية، أو الغلاء الحارق في أثمان الأمتار المربعة للشقق السكنية، ومرد هذا “إلى الزحف الاسمنتي الذي تشهده هوامش مدينة الدار البيضاء، التي اختنقت بكثرة المعامل، والأوراش الصناعية، وكذا البنايات السكنية، التي لم يتم العمل معها بمنطق الأقطاب؛ القطب الصناعي، والسكني، الجامعي..”.
ولم تفت عبد الواحد سهيل الفرصة للحديث عن الفوارق الاجتماعية التي تكرسها المدن الكبرى، خالقة الأجواء المشحونة والمكهربة بين ساكنة نفس المدينة، وهي العلاقات المتضاربة التي تفرزها البنية الهيكلية للمدن الكبرى، الأمر الذي يبين الحاجة إلى العيش المشترك، من خلال اعتماد مخطط هندسي يراعي الجانب الاجتماعي.
واقترح سهيل جملة من الحلول والمقترحات البديلة للخروج من قوقعة كل هذه المشاكل التي تعاني منها المدن المغربية الكبرى، وذلك من خلال اعتماد حكومات مصغرة لتدبيرها في استقلالية عن باقي السلطات الأخرى، “التي لها ارتباط بالداخلية أو بالبيروقراطيين الذين ليست لهم علاقة مباشرة بالمواطن الذي من شأنه أن يحاسبهم، إذا ما أخفقوا في تسيير وتدبير المدينة، والدار البيضاء من بين المدن التي تعاقبت على تسييرها سلطات الداخلية، وبالتحديد من سنة 1977 إلى 2007، والتي كانت حصيلتها “صفر على صفر”، نظرا للمشاكل التي لا زالت تتخبط فيها إلى اليوم”.
وختم سهيل حديثه في الأخير، بالقول إن الدار البيضاء في حاجة إلى جيلين آخرين من أجل إعادة ضبطها من جديد، نظرا للفوضى التي تعيشها اليوم، ولن يتم هذا بحسبه إلا باعتماد الديمقراطية كأساس في التسيير والتدبير، موضحا أن المواطن لا يبحث عن المستحيل، بقدر ما يشغل باله، تعليم جيد، وخدمات صحية مناسبة، وإدارة مواطنة، وهي الرؤية التي يتبناها حزب التقدم والاشتراكية في برنامجه النضالي.
من جهتها، قالت دليلة الأوديي، أستاذة جامعية وعضوة اللجنة المركزية، “إن مدينة الدار البيضاء تعاني من عدة مشاكل، من بينها مشكل البيئة، الذي يبقى من بين المواضيع التي تشغل الساكنة في الظرفية الحالية، وكذا العالم بأسره”، موضحة أن مجلس المدينة، يعتمد برنامج عمل بتشاور مع مختلف الهيئات، من أجل تحسين جودة المحيط البيئي للعاصمة الاقتصادية.
وأبرزت الأوديي أن مدينة الدار البيضاء تعاني من كثرة الأحياء الهامشية، التي لا تستجيب لشروط الحياة والسكن اللائق، وكذا غياب التعايش بين ساكنتها، نظرا للفواق الاجتماعية الصارخة بين الفقراء والأغنياء المنعزلين في أحياء خاصة بهم عن الطبقة الفقيرة والهشة اجتماعيا.
ومن بين المشاكل التي تعاني منها الأحياء الهامشية أيضا، وفق المتحدثة ذاتها، انعدام المرافق العمومية، والمساحات الخضراء، وكذا البنيات التحتية التي من شأنها أن تحمي المدينة من الفيضانات، دون الحديث عن مشكل الماء، الذي من المرتقب أن تعاني منه ساكنة البيضاء، على اعتبارأن العاصمة الاقتصادية لا تتوفر على مصادر مائية، يمكن الاعتماد عليها خلال السنين القادمة.
ودعت الأوديي القائمين على مجلس المدينة، إلى العمل على إعادة تدبير المياه العادمة، كمدينة فاس التي نجحت في هذا المشروع، وهي المحطة التي لا تتوفر عليها مدينة الدار البيضاء، التي تذهب مياهها بشكل كلي إلى البحر، دون الاستفادة منها، حيث تشتري شركة “ليديك” الماء من المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، وحوض أم الربيع.
ويعد مشكل النفايات من بين أكبر الإشكالات التي تتخبط فيها، الدار البيضاء، على اعتبار أن المدينة تحتاج كل سنة إلى مساحات كبيرة لدفن نفاياتها، التي من المفترض أن تجمع وتعالج، وتوظيفها كمصدر للطاقة كما هو الحال في مدينة فاس التي أصبحت تنتج بها ضوء شوارع المدن.
وعرفت الندوة مشاركة، عبد الإله الشيكر، مستشار بمجلس مدينة الدار البيضاء، ونائب العمدة، عن حزب التقدم والاشتراكية، الذي قدم حصيلة لجنة التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي يترأسها، موضحا في مداخلته أن مجلس العاصمة الاقتصادية، عمل على مساعدة الساكنة في وضعية هشاشة مؤقتة أو دائمة، بالإضافة إلى تشجيع النسيج الجمعوي من خلال دعم الجمعيات الحاملة للمشاريع ذات الوقع الإيجابي، فضلا عن تعزيز التضامن لفائدة الأشخاص المعوزين وذوي الاحتياجات الخاصة.
وكشف الشيكر أنه تم دعم 27 جمعية اجتماعية بمبلغ 1.214.000 درهم برسم سنة 2016، و160 جمعية على مستوى جماعة الدار البيضاء برسم سنة 2017 بمبلغ 4.486.000 درهم، علاوة على دعم المشاريع المتعلقة بالمرأة والطفل في وضعية صعبة والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وتكوين الشباب قصد الإدماج في سوق الشغل.
وإلى جانب ذلك ساهم مجلس مدينة الدار البيضاء في دعم بعض المؤسسات الكبرى ذات الطابع الوطني أو الجهوي اعتمادا على اتفاقيات شراكة مبرمة على مدى 3 سنوات قابلة للتجديد وذلك في مجالات؛ محاربة داء السرطان، ومساعدة مرضى القصور الكلوي المزمن، إلى جانب دعم الجمعيات الحاملة للمشاريع والمؤسسات الاجتماعية الكبرى.
وقدم مستشار مجلس مدينة الدار البيضاء، ونائب العمدة، عن حزب التقدم والاشتراكية، في ورقته أيضا، أهم المشاريع المزمع إنجازها بتراب جماعة الدار البيضاء، خلال الفترة الممتدة بين سنة 2018 و2022، والتي تهم توسيع شبكة خطوط الترامواي، ومشروع تهيئة المسارات المهيكلة العقد أ- ملتقى العمالات وملتقى عزبان، ومشروع بناء جسر معلق مدار سيدي معروف، ثم مشروع بناء خمس ممرات تحت أرضية، وكذلك مشروع بناء المسرح الكبير، ناهيك عن مشروع بناء وتهيئة وتجهيز مراكز ذات طبيعة اجتماعية.
وشهدت الندوة، مشاركة بعض المتدخلين، في كلمات مقتضبة، من قبيل؛ تدخل أحمد زكي، عضو المكتب السياسي، الذي ألح على ضرورة أن يكون برنامج الحزب حاضرا في تدبير مجلس مدينة الدار البيضاء، خصوصا في الشق المتعلق منه بالجانب الإيكولوجي، إلى غيرها من القضايا المجتمعية المهمة في هذا الشأن.
ودعا أحمد زكي إلى الضغط على المجلس من خلال التنبيه إلى عدم خوصصة كل الخدمات المقدمة لفائدة المواطن البيضاوي، الذي أصبحت شؤونه مسيرة من طرف القطاع الخاص، الذي لا يبحث إلا على هامش الربح، مقدما نموذج شركة “ليديك” التي تجري وراء الأرباح الخيالية، متاجرة في المواطن البيضاوي.
مصطفى منظور، عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية، الذي تدخل في هذا الإطار، قال إن “تجربة مجلس مدينة الدار البيضاء الحالية، دون المستوى، وتجربة سلبية بجميع المقاييس “في ظل وجود مافيا للعقار، والتصاميم العمرانية، التي تشجع على دور الصفيح، عوض احتواء هذه الظاهرة التي بدأت تكثر في الأحياء الهامشية”.
وأوضح منظور أن الأحياء الهامشية لمدينة الدار البيضاء، تعاني من مشاكل عدة، كغياب الأمن، والمساحات الخضراء، ووسائل نقل مريحة، وكثرة الإجرام وبيع المخدرات، إلى غيرها من المظاهر السلبية التي تسيء إلى صورة المدينة.
وشهد اللقاء العديد من المداخلات التي طرحت مشكل حدود مدينة الدار البيضاء، “أين تبدأ وأين تنتهي؟، ثم مشكل إشراف وزارة الداخلية شخيصا على تسييرها، معتبرة المجلس الحالي صوري لا غير، يقوم بتنفيذ الإملاءات الخارجية عليه”، مستشهدة بحل مشكل الدور الآيلة للسقوط، بالمدينة القديمة، وكذا درب السلطان، معرجا كذلك، على إشكالية تدبير مطرح مديونة.
كما شددت المداخلات على مدينة الدار البيضاء توجد فوق بركان يغلي، على مستوى جميع الجوانب، متسائلة، عن القوانين التي تسير بها، والبرنامج والخطط التي يشتغل بها المجلس، خصوصا في تدبيره لإشكالية نزوح أعداد كبيرة من الأشخاص للعمل بهذه المدينة، التي تغيرت ملامحها بين الأمس واليوم، وأصبحت مكتظة بالسكان، وأصابها زحف إسمنتي أثر على طريقة الحياة بداخلها.

> يوسف الخيدر
تصوير: عقيل مكاو

Related posts

Top