يثير فينا استمرار، بل تفاقم، انتشار وباء كورونا الانتباهَ والفضولَ لتتبع الأرقام التي تعلنها الوزارة الوصية حول تطور عدد المصابين الجدد، والعدد الإجمالي للمصابين، في يوم معين وساعة محددة، وكذا حول عدد الوفيات والمتعافين.
على أساس تلك المعطيات العددية، يصير بإمكاننا رسم مِبيانات ومنحنيات تعطي فكرة أوضح حول المنحى العام لتطور انتشار بالوباء. ومن دون شك، سوف نستعمل بعد تخطي هذه الأزمة، عبارة “منحنى كورونا” التي ستتحول تدريجيا إلى نظرية عامة تساهم في إثراء المعرفة في هذا المجال.
ففي مجال العلوم الاقتصادية لدينا عدة منحنيات معروفة، من بينها: “منحنى العرض والطلب”، وهو الأكثر تداولا، وكذا المنحنى الذي يتخذ شكل الحرف U ويعبر عن تطور تكاليف الإنتاج التي تنتقل من مرحلة التكاليف التناقصية إلى التكاليف التزايدية، فضلا عن المنحنى الذي يتخذ شكل حرف U معكوسا، ويعبر عن تطور المردودات، كما نجد كذلك “منحنى “Laffer”، على اسم عالِم اقتصاد ليبرالي، وهو يتعلق بمردودية الضريبة بدلالة سعر التضريب المطبق، ومفاده أن “كثيرا من الضرائب يقتل الضرائب”.
لنعد الآن إلى منحنى كورونا لمعرفة الشكل الذي يتطور به (على الأقل إلى حدود الآن)، واستقراء السيناريوهات المثلى بالنسبة للمستقبل، وذلك بالاعتماد على المعطيات التي تنشرها بانتظام جامعة جونس هوبكينس: Johns Hopkins University الأمريكية، والتي تهم معظم البلدان المعنية بالإصابة بهذا الوباء.
نلاحظ أن المنحنى الذي يهم المغرب لا يختلف كثيرا عن باقي المنحنيات المتعلقة بباقي البلدان التي تسجل أقل من 100 إصابة جديدة في اليوم (على الأقل إلى غاية 30 مارس 2020 )، حيث كان المغرب قبلها وإلى غاية 23 مارس 2020 في وضعيةِ تسجيلِ أقل من 20 إصابة جديدة باليوم الواحد، ثم دخلنا بعدها في مرحلة الزيادة التزايدية (والتي نحن بصددها حتى يومنا هذا 30 مارس 2020)، أما المرحلة المقبلة فستتميز باستقرار عدد الإصابات في حدود معينة، ويكون منحنى كورونا بالتالي في هذه المرحلة مسطحا courbe aplatie، ليبدأ الأمل مباشرة بعد الدخول في مرحلة الزيادة التناقصية، وتعني أنه على الرغم من استمرار الزيادة في عدد المصابين إلا أن ذلك سيكون بوتيرة أقل فأقل مما كان عليه الأمر في المرحلة الأولى. ومن المحبذ أن نصل إلى نهايةٍ لهذه المرحلة الأخيرة، أي دون تسجيل أي إصابة جديدة، قبل حلول 20 أبريل 2020 تاريخ نهاية الحجر الصحي بالمغرب.
إلى ذلك الحين، لا خيار أمامنا سوى تشديد هذا الحجر الصحي، مع احترام قواعد الانضباط والوقاية والنظافة، حيث كل واحد منا مطالب باتباعٍ دقيق للإرشادات التي تقدمها وزارة الصحة وباقي الأوساط المسؤولة ذات الصلة، إنها مسؤوليتنا جميعا، وأي تهاون أو تقاعس ضد هذا الاتجاه سنؤدي ثمنه غاليا.
إن بلداناً، مثل إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية، والتي اختارت الاعتماد على مقاربة “المناعة الجماعية” وجدت نفسها في آخر المطاف مضطرةً، تحت تهديد الخطر الصحي المحدق بها، للعودة إلى إقرار الحجر الصحي.
ينبغي أيضا القيام بمزيد من الجهد على مستوى التحسيس والتفسير بغاية تفنيد الأطروحات والادعاءات التي تعج بها الشبكات الاجتماعية كل يوم، حيث صرنا نجد بها كل شيء وأي شيء: فهناك مثلا الأطروحات المستندة إلى نظرية المؤامرة، والتي تقوم على فرضية وجود حرب وبائية تتجسد رهاناتها في سعيِ طرفٍ نحو إضعاف خصمه من أجل بسط السيطرة على العالم، ويرى البعض أن هذه “المؤامرة” هي من صُنع بلاد العم سام، في حين يرى البعض الآخر أنها مِنْ نَــسْجِ الصين. وحتى لوبي صناعة الأدوية والمختبرات الخاصة لم يسلموا من هذه الادعاءات. ولتخويف الناس أكثر وزرع الرعب في نفوس أوسع الشرائح التي تشعر بالضعف إزاء ما يحدث، يتم إلصاق أحاديث ونَـــسْــبُ تصريحات لمفكرين ومسؤولين وهميين، بما يُفيد بأن البشرية تسير نحو الهاوية وأن ثلث ساكنة العالم مآله الهلاك !!!، إن هؤلاء يفكرون وكأننا في القرون الوسطى!!
من جانب آخر، على وزارة الصحة أن تكون أكثر حضورا في مجال إعطاء المعلومات الضرورية بخصوص تطور هذه الجائحة، فالأرقام التي يتم تقديمها بشكل خام لا تفي بالغرض، حيث ينبغي استجلاء وتحليل تلك الأرقام حتى تكون واضحة ودالة ومعبرة بشكل أكبر، وإن اقتضى الحال: لِــمَ لا الاستعانةُ بمديرية الإحصاء التابعة للمندوبية السامية للتخطيط؟ فهذه ستكون أفضل طريقة لمحاربة الانهزامية والتشاؤم واستعادة المزيد من الثقة والأمل.
إن الترجمة الصينية لعبارة “أزمة” ( وي جي ) تتكون من رمزين يعنيان، على التوالي: “خطر” و”فرصة”، ومن هنا يتعين أن نستلهم من ذلك من أجل تحويل الأزمة إلى فرصة، ونتجه بخطوات واثقة صوب المستقبل، مع التفكير طبعا في أسرنا وجيراننا وكل الذين يوجدون في أَمَسِّ الحاجة إلى المساعدة، فالتضامن هو إسمنت الأمة ولُحمتها، وبعد مرور هذه الأزمة سيصبح الناس أكثر ارتباطا وأشد تمسكا ببعض القيم الإنسانية، من قبيل الحرية، بجميع أشكالها، والتضامن، والعدالة الاجتماعية، والعيش المشترك في المجتمع، واقتصاد التقاسم، ونبذ كل ما هو زائد عن المنفعة الأساسية، والتحلي بالتواضع،،، أما أن نتساءل منذ الآن عن معالم الغد، فأعتقد أن الأمر سابق لأوانه، ولا يمكن بتاتا في الظروف الراهنة التكهن بأي شيء في هذا الصدد.
بقلم: د. عبد السلام الصديقي