موسم “اللهطة” على الوظائف والمناصب

ألا ترون أن المملكة المغربية التي فرضت استقلالها سنة 1956 برجالاتها ونساءها، تستحق أن تحظى بحكومة في مستوى النموذج التنموي الجديد؟. ألا تروا أن تجربة 31 حكومة و19 قائد (وزير أول أو رئيس للحكومة)، تعاقبت على تسيير البلاد لم تفلح في تطهير العبث والفساد والاستبداد، لا لسبب سوى لأن تلك الأحزاب التي شاركت وتشارك في الحكومات، انشغلت وتنشغل بالمطالب الشخصية لساستها. والذين يرون في أن ثقة الشعب فيهم ومنحهم مقاعد برلمانية، يعني أن لديهم الحق في التفاوض من أجل الاستوزار أو إقحام أبنائهم وبناتهم وحاشياتهم. وإلحاق الآلاف حاشياتهم في وظائف بدواوين الوزراء ومقراتهم، أو بباقي المرافق العمومية التابعة لهم بالمملكة.

ألا ترون وأنتم في طريقكم إلى الحكومة رقم 32، أنكم لازلتم غير قادرين على اقتراح أسماء وازنة في عالمها التخصصي والسياسي على الملك من أجل استوزارها؟. تقدمون للملك لوائح يندى لها الجبين. هذا يقدم أقاربه وهذا يقدم من حملوه إلى الأمانة العامة أو من ضمنوا له مقاعد برلمانية. حتى أنكم لففتم وجوهكم في التراب والتبن، وقبلتم باستوزار أسماء لم تشارك المغاربة أي نضال حزبي أو مستقل، وقبلتم باستوزار أسماء أخرى من خارج أحزابكم. بالطبع لأنكم مقتنعون بأنكم غير مؤهلين لتغطية كل المناصب الوزارية. حقيقة أخجل من نفسي وأنا أسمع مسؤول حزبيا يطالب بأن تمنح كل الحقائب الوزارية للأحزاب، علما أنه يعلم علم الأكيد أن روادهم المتحزبين والدائرين في فلكهم لن يسدوا الطلب. وأنه وإن توفرت لديهم بعض الكوادر القادرة على حمل بعض الحقائب الوزارية، فإن هناك حقائب أخرى لن يقدروا على حملها. وفي حال منحت لهم، سيضطرون إلى اقتراح أسماء جديدة في عالم السياسة أو خارج لائحة مناضليهم. وبالطبع عند قبول اقتراحهم سيمنحونهم الأفضلية داخل الحزب، وسيقلدون المهام المهمة داخل هياكل الحزب.

مع اقتراب كل استحقاقات برلمانية، لا يفتأ لسان حال بعض ساستنا وروادهم ترديد طلب المشاركة في الحكومة، والظفر بمناصب وزارية أو سامية. و”رش” مناضليهم الصغار بمناصب داخل دواوين تلك الوزارات، ومرافقها الإدارية المركزية والجهوية والإقليمية. ولعل المتتبع لحملة التعيينات والتنقيلات والتغييرات التي تعرفها مرافقنا العمومية مباشرة بعد كل عملية استوزار أو تغيير حكومي، يقف على أن الاهتمام بالمناصب والوظائف يكون أكبر هاجس لدى  حاملي حقائب كل حكومة جديدة. ويعرف أن الصراعات التي تنشب داخل كل حزب ليست من أجل البحث عن التموقع الجيد داخل الأغلبية أو المعارضة، وليس من أجل فرض برامجه ومشاريعه على حلفائه داخل المعارضة أو الأغلبية، ولكن من أجل البحث عن “إسكات الموالين له”، بتوفير مناصب شغل وفرص لتوسيع عمليات الاستفادة من كعكة ولوج حزبهم إلى الحكومة، أو فرض رقابته الغامضة من أجل ضمان “وقار” مناضليه وعدم المساس بمصالحهم. الصراع الخفي الذي يكشف عن حقيقة مطالب تلك الأحزاب، يجري في الكواليس، حيث التفاوض والنقاشات البعيدة عن أهداف تلك الأحزاب، المفروض فيها أن تستقطب كفاءات في مختلف المجالات تغذيها سياسيا لتكون قادرة على حمل حقائب سياسية، وضبط مهامها. لا أن تنشغل بإرضاء مناضليها، وتمكين بعضهم بحقائب ثقيلة عنهم. فالحزب يكافئ مناضلين وينسى رواده أنهم أخلفوا وعودهم مع الشعب الذي وعدوه بالتنمية. وعوض أن يبادروا إلى فرض الرجل المناسب في المكان المناسب، تجدهم يتفاوضون من أجل إرضاء حاشياتهم، وتقسيم المناصب دون احترام للتخصصات والكفاءات.

الكل يريد الظفر بمناصب سامية أو وظائف كبرى أو صغرى… وزيرا أو سفيرا أو مستشارا أو نائبا أو مديرا أو حارسا أو…لأن الحكومة التي من المفروض أنها حكومة الشعب كاملا. هي في نظر هؤلاء فرصة لتنمية أرصدتهم المالية وتمتين علاقاتهم وتوسيع نطاقها.

شخصيا لا أعرف كيف لوزير من خارج قطاع وزارته، أن يكون قادرا على تسيير ذلك القطاع وتنقية أجواءه وتطويره. ولا أعرف كيف يستطيع وزيرا ما (ونحن نعلم أنه منصب سياسي ليس إلا)، أن يقود سفينة تلك الوزارة مباشرة بعد تنصيبه. ولا أظنه يستطيع ذلك حتى بعد شهر أو شهرين. كم يحتاج الوزير المطالب بالتوقيع في اليوم الثاني من تنصيبه على ملفات كبرى وصغرى، من يوم للتعرف على مرافق ودواليب وزارته وحدها، وفهم ملفات الوزارة وقانونها الداخلي والخارجي. وكم سيتطلبه من الوقت للتعرف على باقي المرافق الإدارية الجهوية والإقليمية والمحلية التابعة له، وعلى الشراكات والالتزامات و… يجب على الوزير أن يكون ابن القطاع وعالما بكل هياكله ومهامه. كيف يعتبر البعض أن وظيفة سفير هي بمثابة هدية تقاعد مريح، ويسعون بكل طاقاتهم من أجل الظفر بها. علما أن سفير المملكة المغربية، هو ممثل الملك أولا والحكومة ثانيا داخل تلك الدولة، وهو الوصي على المغاربة المقيمين بها أو الوافدين إليها من أجل السياحة أو التدريس أو تقديم أو الحصول على خدمات. وهو الركيزة الأساسية التي تحدد مستوى العلاقة بين المغرب وتلك الدولة، والوسيط المكلف بتتبع سير كل ما يربط البلدين، إضافة إلى أنه المعني بحماية العلاقات بين البلدين، والبحث عن علاقات جديدة من خلال تدبيره اليومي وتتبعه للشأن المحلي للدولة، ومستوى اندماج المغاربة المهاجرين، والدفاع عن ثوابت المملكة ووحدتها الترابية… فلماذ معظم سفراءنا يقضون أيامهم في السفر والتجوال والاكتفاء بحضور الحفلات والظهور بالأزياء التقليدية؟. بل إن بعضهم وبعد سنوات من تقلدهم تلك المناصب، ينسون حتى تقاليد وعادات بلدهم المغرب، ويعودون إلى المملكة السعيدة وكأنهم مجنسون بجنسيات تلك البلدان، غير قادرين على الاندماج الفكري والثقافي والاجتماعي مع أشقائهم المغاربة.

بقلم : بوشعيب حمراوي

Related posts

Top