أنتم الحياة…

هي الحياة كما أردتموها أن تكون ستكون. بعزائمكم وقواكم وتضامنكم ترسمون مساراتها الأفقية والعمودية. تنسجون بخيوط الحب والتماسك الحريرية كل الطرق والمسالك. بإمكانكم صنع أبسطة وسفن شراعية للتحليق بكم في سماء التطور والنماء والإبحار في محيطاتها. بنقاهة عقولكم وصفاء قلوبكم وطهارة أرواحكم العفيفة. تصنعون الحدث وتمنعون الأذى والحادث. تؤثثون لدولة  تعترف بكل أبنائها وبناتها. تقدرهم، تحترمهم، تحميهم وتغذيهم بدنيا وفكريا. تفرشون أرض تسع كل المغاربة فقرائهم وأغنيائهم. ضعفائهم وأقويائهم، مرضاهم وأصحائهم. تحضن الأمي والمغفل والمضطرب نفسيا وكل ذوي الاحتياجات الخاصة الذهنية والجسدية.

بجدية وبراءة اقتراحاتكم ومطالبكم وتوجهاتكم تعيدون بناء أسوار وجدران المغرب الحديث. تؤمنون الأرض والعرض وتطلقون العنان للإبداع المغربي الخالص بكل ألوانه التربوية والثقافية والفنية والعلمية والسياسية والدينية و… توفرون الفضاءات والموارد البشرية والمادية اللازمة لضمان حسن الاستفادة وجودة العطاء والتدبير.

نحن المغرب. والمغرب نحن. وغيرتنا على أعراضنا ورغبتنا في الرقي ببلادنا. يجب أن يبقى دائما سلاحنا القوي والمتين، والضامن لأمن واستقرار بلدنا الحبيب المغرب.         قلت يوما في خاطري قبل حوالي عشرين سنة: لو أن كل مغربية ومغربي (فقيرا كان أو غنيا، كبيرا أو صغيرا)، ساهم بدرهم واحد كل شهر. وبما أن عددنا يفوق 30 مليون نسمة، فإننا سنحصل شهريا على أكثر من 30 مليون درهم، أي ما يفوق ثلاثة ملايير سنتيم شهريا..).  لكم أن تتخيلوا ما يمكن أن نفعله بهذا المبلغ المالي الضخم من استثمارات، وتوفير آلاف فرص الشغل. وما يمكن أن نجنيه من وراء هذا التكافل والتضامن من سلوك وأخلاق افتقدناها. لكم أن تدركوا بأن الشعب قادر على زرع الحياة أو الموت داخل جسده. وأننا كلنا أعضاء مكونة لهذا الجسد. إن تألم عضو منكم أو تعطل فإن المرض لابد أن يطال كل الجسد. وستتداعى له كل الأعضاء إن عاجلا أو آجلا.

قد يقول قائل إن هناك فساد في تدبير ثروات. فأقول أليس من يبددها هو مغربي خرج من رحمنا. وأن علينا أن ندرك الآن أهمية التخصيب الأخلاقي والثقافي والمهني قبل الانكباب على التفريخ والتناسل بدون أدنى مسؤولية. وأقول أن ما اقترحته هو أولا وأخيرا مفتاح لترسيخ الود والوئام والتكافل والتلاحم. وأن الإصلاح يأتي أولا وأخيرا من إصلاح ذواتنا وذرياتنا. لأن طفل اليوم أو قائد المستقبل. ويافع اليوم هو المعول عليه لتسلم مفاتيح الغد..      

 لكم أن تعرفوا أن بتكتلنا وتضاعف أعدادنا، نخفف الأعباء عن بعضنا البعض، ونشكل بينانا مرصودا يزيد من تماسك أسوارنا وجدراننا، ونبرز مدى حرصنا على بعضنا البعض واستعدادنا لحماية جسدنا (الوطن) من كل ريح عاتية أو عاصفة.

قلت في خاطري لو أن ناهبي أموال البلاد، الذين تم ضبطهم متلبسين بسرقة وتهريب أموال المغاربة إلى البنوك الأجنبية، والذين تم اعتقالهم وانطلق منذ سنوات التحقيق معهم. لو أنه فرض عليهم بالقانون استرجاع تلك الأموال أولا قبل استئناف التحقيق معهم، تحقيق يطول ويزيد طوله في إحباطنا.  لو أنه تم الحجز على ممتلكاتهم وممتلكات أزواجهم وأبنائهم وبناتهم التي كتبت بأسمائهم. لانتفع المغرب والمغاربة، وتم الاستثمار في تلك الأموال، عوض انتظار مراحل ومساطر طويلة ومعقدة وناذرا ما تنتهي بتحقيق مطالب الشعب.    قلت في خاطري لو أنه تم وضع سقف مالي محدد للغناء بالمغرب، مراعاة لآلاف المغاربة الفقراء والمشردين، ولو تم وضع نسبة متفاوتة للضرائب المستخلصة، على أن ترتفع قيمتها وفق معدل الغناء الثراء، لزادت أموال خزينة الدولة، وأصبح لديها أمولا توظفها في مشاريع للفقراء.    

قلت في خاطري لو أن الدولة ألغت شركات المناولة والوسطاء الذين يستفيدون هم وحدهم من أموال مشاريع وتجارات واستثمارات، كان بالإمكان أن تضاف إلى جيوب المواطنين والعمال. إذ كيف يعقل أن تصل البضاعة إلى أسواق التقسيط لكي يقتنيها المواطن، بعد شراءها وإعادة بيعها ثلاث مرات أو أكثر. والحديث هنا عن سلع وبضائع أساسية (الخضر، الفواكه، السكر، الزيت، الدقيق،…) ؟. وكيف يعقل أن يتقاضى منظف أو حارس مدرسة أو مستشفى أو مقاطعة أو مكتب بريدي أو بنكي… فتات المال (ما بين 500 و1200 درهم) شهريا أو قد يزيد عنه، دون الحصول على الحد الأدنى للأجور ولا عن حقوقه التي تضمنها له مدونة الشغل. مقابل عمل بالنهار أو الليل لمدة 12 ساعة تابع لشركة المناولة، عوض أن يوظف مباشرة من طرف أصحاب المرفق الذي يحرسه أو ينظفه، وأن يخصص له أجرا شهريا كما نقول نحن المغاربة (أجر محترم).

قلت في خاطري لماذا نحن المغاربة نحاول أن نصنع لنا قانونا خاصا لتدبير أمورنا الشخصية أو المهنية…نسلك طريق (العرف) أو (دير كيدار صاحبك). ونفرضه على كل من في محيطها الشخصي أو المهني أو الخدماتي. فوجدت أن المغاربة وبسبب ما وقفوا عليه من ظلم ولا مبالاة وما عاشوه من فساد واستبداد، فقدوا ثقتهم بمن تعاقبوا على تدبير أمورهم.  وفضلوا تأثيث محيطهم بقوانين خاصة لا تتطلب فصولا من الدستور ولا محاضر أمنية ولا جلسات قضائية.

خلاصة القول: أنتم الحياة.

بقلم : بوشعيب حمراوي

Related posts

Top