شكل موضوع “إصلاح العدالة بالمغرب. الفاعلون، الرهانات والحصيلة”، محور ندوة دولية، نظمت يوم السبت الماضي بالرباط، بمشاركة خبراء مغاربة وأجانب وفعاليات مؤسساتية ومدنية وباحثين في مجال القانون.
وفي كلمة بالمناسبة، أكد الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، محمد الصبار، أن موضوع إصلاح العدالة بالمغرب يكتسي أهمية خاصة وراهنية مستحقة، بالنظر إلى مكانة منظومة العدالة بين المنظومات القانونية والدستورية والمؤسساتية والدور المتوخى منها في إطار ترسيخ دولة القانون وحماية الحقوق والحريات وصون الديمقراطية وتحصينها. وأضاف أن ما يعزز هذه المكانة ويؤكد هذا الارتباط ما تم تخصيصه للعدالة من مقتضيات ومواد في دستور 2011 وضعت الأسس لاستقلال السلطة القضائية وشروط نزاهتها وتحصينها ضد كل تدخل، وضمنت حقوق المتقاضين والقواعد الأساسية للمحاكمة العادلة، فضلا عن التغييرات الجوهرية التي أدخلها الدستور على القضاء الدستوري وإقراره للحق في الدفع استثناء بعدم دستورية القوانين.
وأشار الصبار إلى أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يضع العدالة ومسألة إصلاحها في قلب اهتماماته وانشغالاته ويتابع باهتمام بالغ كل ما ينتجه مسار إصلاح العدالة من قبيل مخرجات ندوة دجنبر 2004 حول السياسة الجنائية ومجمل أشغال هيئة الإنصاف والمصالحة وتوصياتها، مضيفا أن المجلس كان فاعلا أساسيا في الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة الذي تم تنظيمه خلال سنتي 2011 و2012. وخلص إلى أن استكمال المسار الإصلاحي لمنظومة العدالة بالمغرب يتطلب تضافر العديد من الجهود وتلاقي الإرادات بين الدولة وشتى قطاعاتها والمجتمع بمختلف تكويناته وتعبيراته.
من جانبها، أكدت السيدة جميلة السيوري، رئيسة جمعية (عدالة)، أن الجمعية انخرطت بشكل فعال في الورش المتعلق بإصلاح منظومة العدالة عبر مواكبة العملية الاقتراحية، حيث أعدت، في هذا الإطار، مذكرة تقدمت بها إلى الهيئة العليا للحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة تضم ثلاثة نقاط تتمثل في ملاءمة القوانين المغربية مع منظومة حقوق الإنسان، والأمن القضائي وجودة الأحكام والحق في الولوج إلى العدالة ومعايير المحاكمة العادلة.
وأضافت أنه تم إنجاز دراسات في هذا المجال انصبت على استقلال السلطة القضائية بالمغرب، وشروط وضمانات المحاكمة العادلة، وآليات رقابة المحاكم المالية على المال العام بالمغرب، مبرزة أن هذه الدراسات العلمية مكنت من بلورة صورة أكثر وضوحا حول منظومة العدالة بالمملكة.
وأشارت إلى أنه تم كذلك تنظيم مجموعة من الأيام الدراسية والندوات والمناظرات، التي عرفت مشاركة عدد من المحامين والقضاة والجامعيين وأطر المنظمات الحقوقية وصحفيين، تناولت بالدرس والتحليل نتائج الدراسات التي تم إنجازها في تفاعل تام مع مستجد التقديم الرسمي لميثاق إصلاح منظومة العدالة.
وشددت السيوري، من جانب آخر، على ضرورة التفكير في بلورة مضامين ذات الصلة بآليات وإجراءات تسريع تنفيذ مخرجات الحوار الوطني للإصلاح العميق والشامل للعدالة، بغية بناء مرتكزات قوية للسير بمنظومة العدالة نحو الاستقلالية والفعالية والنجاعة وتكريس حماية القضاء لحقوق المواطنين والمواطنات.
وبدوره، أبرز ميشيل توبيانا، رئيس الشبكة الأورو متوسطية للحقوق، أن المغرب باشر، منذ سنوات، عملية إصلاح مجال العدالة حيث تمت المصادقة على مجموعة من القوانين ذات الصلة، مشددا على أهمية استكمال الورش المتعلق بإصلاح المنظومة الجنائية والتفكير في المسار المستقبلي للإصلاح.
وأوضح أن المحاور التي تدارستها الندوة تركز في مجملها على إصلاح القانون الجنائي والتفكير في المرافعات التي يتعين القيام بها من أجل إصلاح منظومة العدالة ومواصلة الحوار حول الإصلاحات الجارية بالمغرب وتقييم السياسة الحكومية في هذا المجال بغية بناء عدالة قوية ومستقلة تحظى بثقة المواطنين.
ومن جهته، انتقد النقيب عبد الرحيم الجامعي التأخّر الحاصل على مستوى إصلاح منظومة العدالة بالمغرب، رغم مضيّ ثلاث سنوات على مباشرة الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة الذي أطلقته وزارة العدل والحريّات، وأشرفت عليه هيئة عُليا نصّبها الملك شهر مايو سنة 2012، وانتهى عملها بميثاق وطني لإصلاح منظومة العدالة، ظلّت مضامينه “جامدة” إلى حدود اليوم، كما يقول منتقدوه.
وأضاف النقيب الجامعي، إنّ وضعية منظومة العدالة في المملكة “تقترب من السكتة القلبية”، وأضاف: “أخشى أن يؤدّي استمرار التماطل في إصلاح هذا القطاع الهامّ إلى حدوث هذه السكتة قريبا”. واعتبر الجامعي أنّ التأخر في إصلاح منظومة العدالة يكلّف المغربَ الشيء الكثير على جميع المستويات، موضحا “مرت، إلى حد الآن، ثلاث سنوات على إطلاق الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، ونحن ما زلنا ننتظر، ونرى خسارات كبرى تقع؛ حيث نضيع مجهوداتنا لترسيخ قيم حقوق الإنسان وتفعيل مقتضيات الدستور”.
النقيب الجامعي، الذي تناول في معرض مداخلته التوجهات الكبرى للسياسة الجنائية في المغرب، انتقد استمرار كثير من الممارسات المخلة بالقانون التي تُهدِر حقوق المواطنين، مشيرا في هذا الإطار إلى الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون في إطار الحراسة النظرية، التي وصفها بـ”بيت من ظلام، ومجال للتزوير والنصب”.
واستطرد المتحدث ذاته أنّ “لا أحد يعرف كيف تُوقَّع المحاضر من طرف الموضوعين في الحراسة النظرية، وهناك أشخاص لا يتحدثون إلا لغتهم الأم (الأمازيغية)، أو الأجانب الذين لا يعرفون العربية”، مشيرا إلى أنَّ هذا التعتيم “يسائل مدى مصداقية المحاضر وشفافية الظروف التي تُوَقّع فيها”، مضيفا: “هذا المحور الأساسي ضمْن مسار المحاكمة نسجّل فيه فشلا ذريعا”.
الجامعي حثّ الهيئات المدنية على التأسيس لتعاقد جديد، للدفع بإصلاح منظومة العدالة إلى الأمام، وقال في هذا السياق إنّ الهيئات المدنية لا يجب أن تتذرّعَ بأنها مقصية من النقاش الدائر حول هذا الموضوع، بل عليها أن تبادر إلى المرافعة أمام الفاعلين السياسيين، “للمطالبة بمنظومة عدالة تُساير المعايير الدولية”، على حدّ تعبيره.
وقد انصبت المداخلات خلال هذه الندوة على دراسة الترسانة القانونية والقضائية ومستجداتها ومسلسل تفعيل المقتضيات الدستورية والتزامات المغرب بالاتفاقيات الدولية في مجال العدالة منذ سنة 2011، كما قدمت نظرة تقييمية للنصوص القانونية الرئيسية المتعلقة بالتشريع الجنائي وباستقلال السلطة القضائية ومحاربة العنف ضد النساء.
وتناول هذا اللقاء أيضا، المنظم من طرف جمعية عدالة من أجل الحق في محاكمة عادلة بشراكة مع الشبكة الأورو متوسطية للحقوق والجمعية المغربية لنساء المغرب وبدعم من المؤسسة الأوربية للديمقراطية، مسألة ملاءمة النصوص القانونية والتشريعية مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، وكذا تفعيل توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة، ومساهمات الجمعيات وإطارات المجتمع المدني الحقوقية في النقاشات حول إصلاح النصوص القانونية.
يذكر أن ميثاق إصلاح منظومة العدالة، المنبثق عن الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، يتوخى تحقيق ستة أهداف استراتيجية كبرى تشمل، توطيد استقلال السلطة القضائية، وتخليق منظومة العدالة، وتعزيز حماية القضاء للحقوق والحريات، والارتقاء بفعالية القضاء ونجاعته، وإنماء القدرات المؤسسية لمنظومة العدالة، وتحديث الإدارة القضائية وتعزيز حكامتها، فضلا عن الأهداف الفرعية ذات الصلة.
بيان24