مؤسسة علي يعته تناقش في مائدة مستديرة الذكاء الاصطناعي ومستقبل الأحزاب السياسية في المغرب

أجمع خبراء ومختصون إلى جانب فاعلين سياسيين، على التوفيق بين الاستفادة من الابتكارات التكنولوجية، التي يتيحها الذكاء الاصطناعي، وضمان نزاهة الممارسة الديمقراطية، وذلك في ظل التحولات العميقة التي تعيد تشكيل العلاقة بين السياسة والتكنولوجيا.
وأكد المتدخلون خلال المائدة المستديرة التي نظمتها مؤسسة علي يعته، حول موضوع: “استعمال الذكاء الاصطناعي في العمل السياسي: الفرص والتحديات”، مساء يوم الخميس الماضي، بالمقر الوطني لحزب التقدم والاشتراكية بالرباط، (أكدوا) على أن العالم يشهد تطورا غير مسبوق في تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي باتت تؤثر في مختلف مجالات الحياة، بما في ذلك المجال السياسي، وأنه مع اقتراب أي استحقاقات انتخابية سواء على المستوى العالمي، أو على المستوى الوطني، تبرز تساؤلات جوهرية حول تأثير الذكاء الاصطناعي على العملية الديمقراطية، ومدى قدرته على تعزيز الممارسة السياسية أو تهديدها.
وفي هذا السياق، أوضح رشيد روكبان رئيس مؤسسة على يعته في كلمة له بالمناسبة، أنه بينما تسعى الأحزاب السياسية إلى توظيف هذه التقنية لتحديث آليات عملها وتحليل البيانات واستقطاب الناخبين، يطرح في المقابل مخاوف بشأن إمكانية استخدامها في نشر المعلومات المضللة والتأثير على الرأي العام بطرق غير أخلاقية.
وأضاف روكبان خلال هذه الندوة التي أدارتها فاطمة الزهراء برصات عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، أن الاعتماد المتزايد على هذه التقنيات يطرح إشكاليات تتعلق بالمصداقية والتمييز بين المعلومات الصحيحة والمغلوطة، مشددًا على ضرورة وضع أطر قانونية وأخلاقية تحكم استخدامها في المجال السياسي، لضمان عدم استغلالها في التضليل أو التأثير غير المشروع على الناخبين، مؤكدا على أهمية استيعاب التطورات التكنولوجية الحديثة، وتوظيفها بشكل إيجابي في المشهد السياسي والحزبي المغربي، مشيرا إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح أداة لا يمكن تجاهلها في صياغة الخطاب السياسي، واستطلاع الرأي العام، وتعزيز الشفافية والديمقراطية.
وبحسب رشيد روكبان أن اختيار مؤسسة علي يعته لموضوع هذه المائدة المستديرة، نظرا لراهنيته وأهميته، ولكن أيضا، يقول المتحدث “بالنظر إلى خطورته، لأن الأمر يتعلق بفرص وبإمكانيات يمكن أن تكون متاحة، بشكل إيجابي، ولكن أيضاً متعلق بتحديات وبمخاطر وبأسئلة ذات بعد أخلاقي وذات بعد أمني، وذات بعد استراتيجي”.
تحديات قانونية وأخلاقية
بدوره قال الخبير في مجال الذكاء الاصطناعي حاتم بمهاود “إن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة كبيرة للعمل السياسي، لكنه في الوقت ذاته يطرح تحديات قانونية وأخلاقية تتطلب استراتيجيات واضحة لضبط استخدامه وحماية المجتمعات من مخاطره المحتملة”.
وأوضح حاتم بامهاود أن الأمر الأكثر خطورة هو إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير تقنيات خطيرة، مثل تصنيع أسلحة محظورة أو تعزيز القدرات السيبرانية في الهجمات الإلكترونية. ولهذا، وجب في نظره، التعامل مع هذه التكنولوجيا بحذر ووضع ضوابط قانونية وأخلاقية لضمان استخدامها في سياقات إيجابية تخدم المجتمع بدلا من تهديده.
وسلط حاتم بامهاود الضوء على دور الذكاء الاصطناعي في الحملات الانتخابية، حيث يستطيع تحليل كميات ضخمة من البيانات لاستهداف الناخبين برسائل مخصصة، مما يعزز فعالية الحملات الانتخابية، لكنه، يضيف المتدخل، يطرح في المقابل تساؤلات أخلاقية حول التلاعب بالرأي العام، مشيرا أنه، يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي تقديم تحليلات متقدمة للبيانات، مما يمنح الأحزاب السياسية معلومات دقيقة حول توجهات الناخبين وآرائهم، من خلال تحليل أنشطة وسائل التواصل الاجتماعي ونتائج الاستطلاعات، إلى جانب تحديد القضايا الرئيسية التي تشغل الرأي العام.
ومع كل ذلك، يرى حاتم بامهاود وجود تحد آخر، يتمثل في انتشار الأخبار المضللة والمعلومات الزائفة، مبرزا في هذا السياق، كيف ظهرت حالات توضح كيف يمكن للذكاء الاصطناعي المساهمة في خلق معلومات مغلوطة، مستدلا على ذلك بمقاطع فيديو، توضح مثلا كيف يتم الترويج لـ “أسطورة الميجالودون” أو “أسطورة القرش العملاق”، على أنها حقيقة، بينما يمكن للمشاهد المدقق ملاحظة تناقضات واضحة في الصورة والمحتوى، فالذكاء الاصطناعي، يضيف بامهاود يعتمد على البيانات التي تم تدريبه عليها، وإذا كانت هذه البيانات قديمة أو غير دقيقة، فقد ينتج عنها معلومات خاطئة.
بالإضافة إلى ذلك، لفت بامهاود إلى أن هناك مشكلة أخرى تعرف بـ “التحايل على الذكاء الاصطناعي”، على سبيل المثال، إذا حاول شخص الحصول على نص محمي بحقوق الملكية الفكرية، فإن “شات جي بي تي” يرفض ذلك، ولكن بعض المستخدمين قد يجدون طرقا للتحايل على هذه الأنظمة للحصول على المعلومات المطلوبة. وهذا يفتح الباب أمام تحديات قانونية وأخلاقية تتعلق باستخدام الذكاء الاصطناعي.
وفي الوقت الذي أكد فيه حاتم بامهاود أن الذكاء الاصطناعي يوفر مزايا عديدة، مثل تخصيص الرسائل والتواصل الفعال، فإنه يطرح في المقابل تحديات قانونية وأخلاقية، مشيرا إلى أن منصات التواصل الاجتماعي شهدت حالات مثيرة للجدل، مثل نشر صور تم التلاعب بها بوسائل الذكاء الاصطناعي، مما يطرح، بحسبه تساؤلات حول المسؤولية القانونية: هل يحاسب المطورون، أم المستخدمون الذين يشاركون المحتوى، أم الخوارزميات ذاتها؟
وأوضح، بامهاود غياب قانون صريح ينظم هذه المسائل، ما يدفع إلى الاعتماد على تشريعات أخرى، مثل القانون الجنائي وقانون الصحافة، لحماية الأفراد من التضليل المعلوماتي وانتهاك المعطيات الشخصية. واستشهد بامهاود بحالات استخدم فيها الذكاء الاصطناعي للتلاعب بالمعلومات خلال الحملات الانتخابية، مثل ما حدث في الانتخابات الأمريكية، حيث استُخدم في نشر معلومات مضللة حول تصويت المشاهير لصالح المرشح دونالد ترامب وهو ما يُعرف بـ”التضليل العميق”.
من جهة أخرى، لفت الخبير في مجال الذكاء الاصطناعي، الانتباه إلى تحيز الخوارزميات، مستشهدا بتجربة عملية تظهر كيف تكرس أدوات الذكاء الاصطناعي الصور النمطية، حيث عند البحث عن “رجل عصابات أمريكي”، تظهر صورة لرجل ببشرة سوداء، في حين أن البحث عن “ممرضة” يعطي نتائج لصورة امرأة ببشرة بيضاء. وأكد أن هذه التحيزات تشكل تحديا كبيرا في مجال حقوق الإنسان، كما أشارت إلى ذلك المندوبية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
وحذر بامهاود من مخاطر الهجمات الإلكترونية، خاصة في المجال السياسي، حيث يمكن اختراق الهويات الرقمية للأحزاب، مما يعرضها لتلاعب خارجي، مشددا على أن العامل البشري يظل الحلقة الأضعف في حماية المعطيات الشخصية، مؤكدا على ضرورة امتلاك الأحزاب السياسية لبنية تحتية رقمية، وعلى أن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون مصحوبا بتدريب الأعضاء على استخدامه لضمان استدامته واستمراريته.
الذكاء الاصطناعي والممارسة السياسية
من جانبه، تناول الباحث في علم الاجتماع، عمر بنعياش، العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والممارسة السياسية، مشيرًا إلى أن تنظيم هذه الندوة يشكل تنبيها للفاعلين السياسيين الذين ما زالوا يعتمدون الطرق التقليدية في العمل السياسي.
وأكد عمر بنعياش على أن الانتخابات المقبلة قد لا تتم بالطرق التقليدية المعتادة، إذ يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحدث طفرة نوعية أو أن يتم تجاهله، بحسب التطورات. كما شدد على أهمية الذكاء الاصطناعي في التواصل السياسي والتعبئة والاستقطاب، مشيرًا إلى تجارب عالمية، مثل التدخل الرقمي في الانتخابات الأمريكية.
وأشار الباحث في علم الاجتماع إلى أن المغرب سبق أن عرف تجارب مثل “الذباب الإلكتروني”، التي تمثل نموذجا أوليا لهندسة الرأي العام عبر التأثير على اللاوعي الجمعي. وأكد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يستخدم لأغراض إيجابية، مثل تحسين التنظيم السياسي، أو سلبية، مثل التشويه الإعلامي عبر فبركة الصور والفيديوهات.
ولفت عمر بنعياش الانتباه، إلى القدرة المحتملة للذكاء الاصطناعي على لعب دور أساسي في هندسة الجمهور، سواء في الحملات الانتخابية أو في الحياة السياسية اليومية. ولن يتردد المتنافسون في استخدام هذه التقنيات، سواء بطرق أخلاقية وقانونية، أو عبر وسائل غير أخلاقية مثل فبركة الصور والفيديوهات لتشويه الخصوم. فالتأثير البصري، كما هو معلوم، أقوى من الكلمات في التأثير على الرأي العام.
ودعا عمر بنعياش الأحزاب السياسية إلى تطوير أطر حزبية تقنية متخصصة في الذكاء الاصطناعي، ودمجها في الهياكل التنظيمية للحزب، إضافة إلى ضرورة سن قوانين لحماية المشهد السياسي من التجاوزات المحتملة، مشيرا إلى أن التحول الرقمي لم يعد خيارا ترفيهيا للفاعل السياسي، بل أصبح ضرورة للبقاء في المنافسة وتحقيق الأهداف السياسية بفعالية.
كما أكد المتدخل على أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يستخدم لأغراض إيجابية كما يمكن أن يُستخدم لأغراض سلبية. لذلك، يجب التعامل معه بحذر، خاصة في المجال السياسي، مشددا على أهمية اتخاذ الاحتياطات عند استخدامه في العمل الحزبي، مما يستدعي في نظره، وجود ذكاء بشري يقظ يُواكب تطورات الذكاء الاصطناعي.
نحو تحسين الاستراتيجيات الانتخابية
بدوره أكد الخبير في مجال الذكاء الاصطناعي محمد السنوسي، أن العمل السياسي والحزبي في المغرب يواجه تحديات كبيرة، بسبب التطورات التكنولوجية العميقة التي يعد الذكاء الاصطناعي أبرزها، لكنها في المقابل يضيف السنوسي تمتلك فرصا لتحديث هياكلها، وتعزيز تواصلها مع المواطنين، وتحسين استراتيجياتها الانتخابية.
ويرى محمد السنوسي أن التطورات الكبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي، لم تعد تقتصر على المجالات الاقتصادية والصناعية، بل امتدت لتشمل الحقل السياسي، مؤثرة بشكل جذري على عمل الأحزاب السياسية في مختلف دول العالم، مشيرا إلى أن هذه التكنولوجية الجديدة أصبحت أداة قوية لتشكيل الرأي العام، وتحليل توجهات الناخبين، وتصميم الحملات الانتخابية، وهو ما يطرح، بحسبه سؤال مستقبل العمل الحزبي في ظل هذه التحولات التكنولوجية.
وأضاف محمد السنوسي، أن الذكاء الاصطناعي، أصبح يلعب دورا محوريا في صنع القرار داخل الأحزاب، حيث يمكنه تحليل البيانات السياسية والاقتصادية لتقديم اقتراحات مدروسة حول السياسات الواجب تبنيها. ومن الأمثلة على ذلك، تطوير منصات رقمية داخل الأحزاب المغربية لتحليل مشاكل المواطنين واقتراح حلول مستندة إلى بيانات دقيقة.
وعلى الرغم من الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، فإنه يطرح، وفق السنوسي، تحديات جدية أمام الأحزاب السياسية، أبرزها انتشار الأخبار المزيفة والتلاعب بالرأي العام، مشيرا في هذا السياق إلى تقنيات الفيديوهات المزيفة (Deepfake) التي باتت تستعمل كأداة قوية للتأثير على توجهات الناخبين، مثل ما وقع في الانتخابات الرئاسية البرازيلية سنة 2018، وهو ما يستدعي، يضيف المتحدث، تطوير آليات لمكافحة هذه الظواهر.
وأشار صاحب كتاب ” لذكاء الاصطناعي برؤية استشرافية.. رحلة من أجل الإنسان” إلى أن التحولات الرقمية أدت إلى تغيير آليات المشاركة السياسية، حيث أصبحت المنصات الإلكترونية بديلاً عن الاجتماعات التقليدية، وهو ما يحتم، في نظره، على الأحزاب المغربية تحديث طرق تفاعلها مع المواطنين، بتبني استراتيجيات رقمية متكاملة، وتعزيز الشفافية باستخدام التكنولوجيا، وضمان التوازن بين الابتكار التقني وأخلاقيات العمل السياسي، مؤكدا على أن استخدام الذكاء الاصطناعي يستدعي وضع ضوابط قانونية وأخلاقية تحمي خصوصية الأفراد وتمنع إساءة استغلال معلوماتهم.
وبحسب محمد السنوني فإن الدمج المدروس لتقنيات الذكاء الاصطناعي في العمل الحزبي، يعد فرصة، وصفها بـ “الذهبية” لتحديث المشهد السياسي المغربي، من خلال تطوير استراتيجيات رقمية، وتعزيز الشفافية باستخدام التكنولوجيا، والالتزام بالأخلاقيات المهنية، مما سيتيح إمكانية للأحزاب السياسية لبناء نموذج حزبي مستقبلي يتماشى مع تطلعات المواطنين ويعزز من المشاركة الديمقراطية في البلاد.
ولتحقيق الاستفادة القصوى من الذكاء الاصطناعي، دعا محمد السنوسي الأحزاب السياسية المغربية إلى تبني استراتيجيات رقمية متكاملة، تشمل إنشاء فرق متخصصة في التكنولوجيا والابتكار داخل الهياكل الحزبية، مع وضع إطار لأخلاقية استخدام الذكاء الاصطناعي، عبر تبني مدونة سلوك تضمن الاستخدام المسؤول لهذه التقنيات، كما تضمن عدم استغلال المعلومات الشخصية بطرق غير أخلاقية، مشيرا إلى أن من شأن هذا التوجه أن يعزز من مصداقية الحزب السياسي ويؤكد التزامه بالقيم الديمقراطية والأخلاقية في عصر التحول الرقمي.
كما دعا السنونسي الأحزاب السياسية المغربية إلى تعزيز البنية التحتية الرقمية، من خلال الاستثمار في تطوير شبكات الاتصال وتوفير الموارد التقنية اللازمة لاستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي بفعالية، وبناء القدرات البشرية، من خلال تنظيم دورات تدريبية للأطر الحزبية حول كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في صنع القرار وتحليل البيانات، وكذا تعزيز الشفافية والمشاركة، بإنشاء منصات إلكترونية تفاعلية تسمح للمواطنين بالمشاركة في صياغة السياسات وتقديم مقترحاتهم، مما يعزز من ثقة الجمهور في الأحزاب السياسية.
وخلص محمد السنوسي، إلى القول بأن “الذكاء الاصطناعي يشكل فرصة غير مسبوقة للأحزاب السياسية المغربية لتحديث طرق عملها وتعزيز تواصلها مع المواطنين، لكنه في الوقت نفسه يفرض تحديات تتعلق بالأخلاقيات والخصوصية والاستقطاب السياسي”، مشيرا إلى ضرورة تبني استراتيجيات استباقية تمكن الأحزاب السياسية من الاستفادة من هذه التكنولوجيا مع ضمان استخدامها بطرق شفافة ونزيهة، تحفظ التعددية السياسية وتدعم مسار الديمقراطية.

نبيل بنعبد الله ينتقد “الذكاء القفي” في زمن الذكاء الاصطناعي

انتقد محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، بشدة، ما يقوم به حزب رئيس الحكومة عزيز أخنوش من خلال مؤسسة “جود” التابعة له، والتي تقوم بتوزيع ملايين القفف باستغلال الشاحنات التابعة للجماعات المحلية على امتداد التراب الوطني.
وقال محمد نبيل بنعبد الله الذي كان يتحدث في المائدة المستديرة التي نظمتها مؤسسة علي يعته حول موضوع “استعمال الذكاء الاصطناعي في العمل السياسي”: “نحن ننقاش الذكاء الاصطناعي وهو يناقش الذكاء القفي”، في إشارة إلى رئيس الحكومة ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش الذي يستغل كل إمكانيات الدولة في توزيع قفاف المساعدات، في استغلال سياسي بشع للواقع الذي يعيشه المواطن المغربي جراء ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة.
إلى ذلك دعا محمد نبيل بنعبد الله إلى ضرورة الوعي بالتحديات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، خاصة التحديات الأمنية، التي تعد أولوية بالنسبة للمغرب، لكن دون أن يكون ذلك على حساب الديمقراطية، مؤكدا على ضرورة وضع تصور متوازن يحمي المصالح الوطنية، وفي الوقت نفسه، يدعم التنمية الديمقراطية.
وعبر الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية عن الرغبة الحقيقية لحزبه، في استثمار مخرجات هذه المائدة المستديرة، وما أسفرت عنه من توصيات ومعطيات مهمة، مشيرا إلى أن الفاعل السياسي والحزبي يوجد أمام تحد كبير، لكنه في الوقت ذاته أما فرص محفزة، وهو ما يفرض، بحسبه، النظر إلى مسألة الذكاء الاصطناعي، بإيجابية، بعيدا عن الخطابات التي تثير المخاوف، مشيرا إلى أنه على الفاعل السياسي أن يكون جزءا من هذا التحول، لا أن يبقى خارجه.
وقال محمد نبيل بنعبد الله: “إن الذكاء الاصطناعي، أصبح اليوم، جزءا أساسيا من حياتنا، ويستدعي منا أن نكون حاضرين بقوة في هذا المجال”، مشيرا إلى أن حزب التقدم والاشتراكية، أنشأ مجموعة عمل داخل هياكله تعنى بقضايا الذكاء الاصطناعي، وفق مسارين، الأول يرتبط ببلورة تصور سياسي شامل حول هذه التقنية الجديدة، معربا عن أسفه للتأخر الواضح لدى الأحزاب السياسية، بما فيها حزب التقدم والاشتراكية، في مواكبة هذه التحولات، وقال في هذا الصدد: “إن هناك فراغ قاتل في هذا المجال”.
المسار الثاني الذي يشتغل عليه حزب التقدم والاشتراكية، وفق الأمين العام، يرتبط بتطوير آليات عمل الحزب باستخدام الذكاء الاصطناعي، ليجسد حضوره في هذا المجال ليس فقط على مستوى السياسات العامة، بل أيضا في استغلال هذه الأدوات في العمل السياسي والتواصلي، بهدف مواكبة العصر، خاصة في ما يتعلق بالتواصل مع الشباب الذين يعيشون في عالم رقمي منفصل عن الساحة السياسية التقليدية.
كما عبر نبيل بنعبد الله عن تخوفه من التطورات التي تعرفها الولايات المتحدة الأمريكية من خلال نظامها السياسي، الذي يسعى إلى استعمال الذكاء الاصطناعي للتحكم في كل شيء، مشيرا إلى أن هناك نزعة يمينية متطرفة قد تكون قاتلة لممارسة الديموقراطية، لذلك يؤكد بنعبد الله، على ضرورة التوفر على تصور شامل لسياسات عمومية مطورة لمقاربة الدولة بالنسبة للذكاء الاصطناعي.
تطوير منظومة ذكاء اصطناعي وطنية
من جهته دعا المهندس حسين لكنيدي الإطار بوزارة التربية الوطنية والأستاذ في جامعة محمد الخامس، إلى تطوير خوارزميات مغربية خاصة، يتم العمل عليها داخل البلاد بمشاركة خبراء محليين ودوليين. فبدلاً من الاكتفاء بالاستهلاك التقني، ينبغي، في نظره، أن يسعى المغرب إلى أن يصبح مبتكرا في هذا المجال، عبر استقطاب الكفاءات المغربية العاملة بالخارج وإشراكها في تطوير منظومة ذكاء اصطناعي وطنية.
كما أكد حسين لكنيدي، على ضرورة وضع خارطة طريق واضحة، تشمل إنشاء بنية تحتية رقمية آمنة، ووضع تشريعات واضحة تحدد كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي ومعالجة البيانات الحساسة. فكما أن القوانين الحالية تمنع تخزين المعطيات الحساسة خارج البلاد، فإن أي استخدام للذكاء الاصطناعي يجب أن يكون محكومًا بإطار قانوني يضمن السيادة الرقمية للمملكة المغربية.
وتساءل لكنيدي وهو واحد من مؤسسي منظومة مسار بوزارة التربية الوطنية والمشرفين على حمايتها، حول قدرة الأحزاب السياسية على الحفاظ على أمنها المعلوماتي وحماية معطياتها ذات الطابع الحساس في ظل الذكاء الاصطناعي، مشيرا في هذا السياق إلى ضعف التأطير القانوني في مجال الذكاء الاصطناعي، داعيا إلى ضرورة التفكير في بنية قانونية من شأنها تأطير مجال استعمال الذكاء الاصطناعي في المغرب، وتساهم في حماية البنيات التحتية الرقمية.
وفي نظر حسين لكنيدي فإن الذكاء الاصطناعي يعتبر سلاحا ذو حدين يمكن أن يكون لاستعماله إيجابيات كبيرة، كما يمكن أن يكون لذلك سلبيات كبيرة أيضا، مبرزا أن هناك العديد من القوانين في المغرب والتي تحول دون استعمال الذكاء الاصطناعي، كالقانون المتعلق بالأمن السيبراني والذي تشرف عليه إدارة الدفاع الوطني، بالإضافة إلى القانون المتعلق بالإستراتيجية الوطنية للأمن المعلوماتي.
في الوقت الذي أصبح فيه الذكاء الاصطناعي جزءا أساسيا من التحول الرقمي، يقول لكنيدي “يبرز التساؤل حول الإطار القانوني والأمني لاستخدام السحابة الافتراضية في المغرب”، مشيرا إلى أن السحابة الافتراضية تعد إحدى التقنيات الحديثة التي تتيح تخزين البيانات وإدارتها عبر الإنترنت، وهي مستخدمة على نطاق واسع في خدمات مثل “GMAIL” و”HOTMAIL”، مؤكدا على أن الإدارات العمومية المغربية لا يسمح لها قانونيا اعتماد البريد الإليكتروني لتخزين معطياتها الرسمية، نظرا إلى ضرورة تخزين المعطيات داخل التراب الوطني، وهو ما يطرح بحسبه، صعوبة توظيف الذكاء الاصطناعي في ظل هذه القيود، خاصة عند التعامل مع معطيات حساسة تخص المواطنين المغاربة.
وأوضح حسين لكنيدي أن الإدارة العامة للأمن الوطني والهيئات المختصة بالأمن المعلوماتي في المغرب تولي أهمية كبيرة لهذا الموضوع، حيث تعمل على الدفع في اتجاه بلورة تشريعات قانونية تحمي البيانات الوطنية. ومن بين هذه الهيئات، التي ذكرها المتدخل، المديرية العامة للأمن المعلوماتي واللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية.
ولفت حسين لكنيدي الانتباه إلى التحديات الكبيرة التي تواجه الأمن السيبراني في المغرب، خاصة مع تزايد الهجمات الإلكترونية من جهات خارجية، هذه الهجمات، في نظر لكنيدي قد تؤثر على نزاهة الانتخابات والسيادة الرقمية للبلاد، مما يستوجب وضع استراتيجيات واضحة لحماية المعطيات الوطنية.
التفاعل مع الناخبين والإجابة عن استفساراتهم
بدوره، اعتبر كريم حميدوش رئيس شعبة الشؤون القانونية والشراكة بالأمانة العامة للجنة الوطنية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) تنظيم مؤسسة علي يعته لهذه المائدة المستديرة حول الذكاء الاصطناعي، (اعتبرها) سابقة مهمة في مجال الاهتمام بالذكاء الاصطناعي وتأثيرات على المشهد الحزبي والسياسي.
وأشار كريم حميدوش إلى أن الذكاء الاصطناعي يمثل تحولا كبيرا ويتطلب من الجميع فهم جذوره وتطوره عبر التاريخ، بدأ بسنة 1950، حيث وضع عالم الرياضيات البريطاني “آلان تورينغ” الأسس الأولى لهذا المجال، قبل أن يظهر المصطلح بشكل رسمي سنة 1956، على يد العالم الأمريكي جون مكارثي، الذي ساهم بشكل كبير في إرساء مفهوم الذكاء الاصطناعي كما نعرفه اليوم.
وعلى مدار العقود الماضية، يقول كريم حميدوش “شهد العالم العديد من المحطات الفارقة، بدءاً من سنة 1997 حين تمكن الحاسوب المتخصص في لعبة الشطرنج “ديب بلو” من هزيمة بطل العالم في اللعبة الشطرنج، “غاري كاسباروف” في إشارة واضحة إلى بدء تفوق الذكاء الاصطناعي على القدرات البشرية في مجالات محددة”، ثم جاءت سنة 2002 التي شهدت، يضيف حميدوش، انطلاق سلاسل من الروبوتات الذكية القادرة على التعلم والتكيف داخل المنازل. وبعدها، بين سنتي 2011 و2014، ظهرت المساعدات الذكية مثل “سيري” و”أليكسا” و”كورتانا”، و”بيكسبي”، التي غيرت مفهوم التفاعل البشري مع الآلات، إلى أن تم إطلاق “GPT-3” سنة 2020، وهو نموذج متقدم لمعالجة اللغات الطبيعية، قبل أن يتم فتح “GPT-4” للجمهور في 2022، مما شكل ثورة حقيقية في الذكاء الاصطناعي التوليدي، ثم حدوث تطورات متسارعة مع عمل شركة “أوبن إيه آي” على”GPT-5″، الذي يقدم مستويات غير مسبوقة من التحليل والمعالجة، ومع مطلع 2025، عرفت ظهور برمجيات ذكاء اصطناعي مفتوحة المصدر، مثل “DeepSeek”، التي تقدم إمكانيات متقدمة بتكلفة منخفضة مقارنة بالبدائل المتاحة مثل “Gemini” من غوغل أو “ChatGPT” من أوبن إيه آي.
وبخصوص موضوع الذكاء الاصطناعي في المجال السياسي، أوضح كريم حميدوش أنه في سنة 2018، أثبت الذكاء الاصطناعي قدرته على التأثير في الانتخابات، كما حدث في بريطانيا خلال استفتاء “بريكست”، حيث ساهمت تقنيات تحليل البيانات ووسائل التواصل الاجتماعي في فوز حزب المحافظين بقيادة “بوريس جونسون” مشيرا إلى أنه أصبح اليوم من الممكن استغلال الذكاء الاصطناعي في الحملات الانتخابية، وتحليل البيانات الضخمة، وصياغة الخطابات السياسية، وإدارة منصات التواصل الاجتماعي بفعالية كبيرة.
وأضاف رئيس شعبة الشؤون القانونية والشراكة بالأمانة العامة للجنة الوطنية بالإيسيسكو، أن العديد من الأحزاب السياسية بدأت في استخدام روبوتات الدردشة (Chatbots) للتفاعل مع الناخبين والإجابة عن استفساراتهم، مما يسهم في تحسين التواصل السياسي وتوفير الوقت والجهد. إضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي، بحسبه، الكشف عن الأخبار الزائفة والتصدي للمعلومات المضللة التي قد تؤثر على العمليات الانتخابية.
وبالرغم من فوائده الكثيرة، يطرح الذكاء الاصطناعي، وفق ما ساقه حميدوش، تحديات أخلاقية، خاصة فيما يتعلق بالخصوصية والشفافية وتحيز الخوارزميات، على سبيل المثال، قد تؤدي بعض الخوارزميات إلى إقصاء مجموعات معينة من الوظائف أو اتخاذ قرارات متحيزة بناء على البيانات التاريخية غير المتوازنة.
وفي هذا السياق، يضيف كريم حميدوش، تشير التقارير إلى أن الأحزاب السياسية الأوروبية، رغم اهتمامها المتزايد بالذكاء الاصطناعي، لم تقدم بعد حلولاً عملية لكيفية توظيفه بشكل مسؤول وأخلاقي، مشيرا إلى أن سنة 2022، شهدنا تأسيس أول حزب سياسي في الدنمارك يعتمد بالكامل على الذكاء الاصطناعي، ما يفتح نقاشاً واسعاً حول مستقبل الديمقراطية في ظل هذه التقنيات.
وخلص كريم حميدوش إلى ضرورة تملك الدولة لسيادتها في مجال الذكاء الاصطناعي، لأن الاعتماد الكلي على الحلول المقدمة من الغرب، سواء من الشركات الأمريكية أو الصينية، قد يضعها في موقف تبعية تكنولوجية، مؤكدا على أن المستقبل يتطلب تطوير استراتيجيات وطنية واضحة لاستغلال الذكاء الاصطناعي بما يخدم المصالح الوطنية، مع مراعاة الأخلاقيات وحماية الديمقراطية.
محمد حجيوي
تصوير: رضوان موسى
Top