شوق
هناك قرب دكان الحي أشير بأصبعي للسائق، متحرشا بدندناته المسترسلة، لافتا انتباهه ليرسو إلى جانب الرصيف، حيث ألفت التوقف كلما ٱستقليت سيارة الأجرة .
أناوله دراهم التسعيرة، متمنيا له بقية يوم سعيد، رغم أن السعادة غيبها عنه صديق حرفته، والذي كاد يدهسه في لحظة تهور.
إلى الطابور المصطف أمام الدكان أنضم منتظرا دوري لاقتناء الخبز، وبعض الأغراض التي كانت أم معاذ قد طلبتها.
غافلا في لحظة انتظار انصرام عقد الصف ترجني المرأة التي اتخذت من قدام المتجر فضاء لامتهان شحاذتها .
بعبارة “خبيزة الله يقضي غراضك” لخصت طلبها.
غريب أمر التاريخ، وغريبة هي مزابله التي غدت مكانا للمسحوقين.. فمن عام البون إلى شهداء كوميرة، إلى محمد شكري، ظل الخبز يشكل هاجسا للمغاربة، ليبقيهم أسرى لقدر سيزيفي مبتذل.
مشيا على الأقدام أقطع المسافة المتبقية إلى المنزل.. يسبقني الشوق إلى معانقة ابني الرضيع وملاعبته.
كيف لا وهو الوحيد القادر أن ينسيني ضجر المهدي وهموم الحياة.
موجات صرخاته تلتقطها أذناي وأنا أهيم بالدخول إلى المنزل وكأنه يستشعر قدومي.
على جناح السرعة أرحل إلى حيث يمتد صغيري كملاك تحفه الرحمة وهو بين أركان مهده..
إطلالتي عليه كانت كافية لكتم بكائه الأشبه بالضحك، بين ذراعي أحمله، كتلة من البراءة، لا تعرف للخبث سبيلا.. والبراءة، من قلتها، تدخل حكم العدم، في زمن الرذيلة والمكر والخداع.
بقلم: هشام زهدالي