مقدسات ومحرمات وحروب.. ألغاز الثقافة -الحلقة 20-

يتناول كتاب «مقدسات ومحرمات وحروب: ألغاز ثقافية» لـمؤلفه «مارفين هاريس» بعض من الأعراف المحيرة بين الشعوب الأمية أو البدائية، والتي تبدو ألغازا عصية على الحل، بل وتحيل على الجهل والخوف والتناقض كعناصر أساسية تشكل الوعي اليومي.
امتناع الهندوس عن أكل لحم الأبقار، أو كره اليهود، والمسلمين، أو لماذا يؤمن بعض الناس بالمخلصين بينما يؤمن آخرون بالساحرات، هي صورة في ما لا يعد ولا يحصى من أوهام مكتسبة واسعة، تعزز قناعتنا الأعمق بالكيفية التي يتحتم من خلالها أن يتصرف وفقها أناس بعقلياتهم الشرقية المبهمة.
بيان اليوم تقدم لقرائها بعض من هذا الإصدار الممتع ضمن حلقات رمضانية.

عصي المكانس ومجمع السحرة

طرد جميع الكاثوليك والبروتستانت

بسبب اقتناعه بأن انتفاضة الفلاحين كانت بداية المملكة الجديدة، تولى مونتزر قيادة جيش الفلاحين، وقارن دوره بدور جدعون في معركته مع المديانيين وعشية مواجهته للعدو، روى لأتباعه من الفلاحين غير المؤهلين وغير المدرّبين أن الرب تكلم إليه ووعده بالنصر. وقال إنه هو نفسه سيحميهم باصطياد كرات المدافع بأكمامه، لأن الرب لن يسمح أبدا لشعبه المختار بالهلاك. ومع أول الهجمات المدفعية، تشتت شمل الفلاحين وذبح خمسة آلاف منهم بينما كانوا يفرون بعيدًا. حتى أن مونتزر نفسه تعرض للتعذيب ثم دقت عنقه في وقت لاحق.

استمر الجناح المتطرف من الإصلاح بكل زخمه طوال القرن السادس عشر والجزء الأول من القرن السابع عشر. أما ما عرف بحركة تجديد المعمودية، فنشأ منها 40 طائفة مختلفة في الأقل وعشرات الانتفاضات الحربية – الخلاصية كتقليد طابوري ومونتزري، واعتبرت على نطاق واسع، سواء من الحكام الكاثوليك أم من الحكام البروتستانت مؤامرة هرطوقية واسعة الانتشار لتخريب علاقات الملكية كلها وإعادة توزيع ثروة الكنيسة والدولة بين الفقراء. على سبيل المثال، أعلن هانس هوت أحد أتباع مونتزر أن المسيح سوف يعود في عام 1528 لتدشين مملكة الرب بالحب مطلق السراح ومشاعية السلع. سيحاكم أنصار تجديد المعمودية الكهنة والقساوسة المزيفين وسيقيدون ملوك الأرض ونبلاءها وعظماءها بالسلاسل وتنبأ ملشوار هوفمان، وهو تابع آخر لمونتزر، بأن العالم سينتهي في عام 1533 نجح هوفمان من خلال خباز يدعى جان مائيس من مدينة هارلم الذي بشر أن الصالح ينبغي أن يسلّ السيف ويستعد بعزم لتمهيد الطريق للمسيح من أجل تنظيف الأرض من الأشرار. وفي عام 1534 أصبحت كل من مونستر وويستفاليا مركز حركة تجديد المعمودية. طرد جميع الكاثوليك والبروتستانت وألغيت الملكية الخاصة. واستولى جون، من مدينة ليدن على القيادة وادعى أنه تابع لداوود، وطلب التشريف الملكي والطاعة المطلقة في ما دعاه مجددو المعمودية «أورشليمهم الجديدة».

في القرن السابع عشر، حرّكت دوافع مسيحية متطرفة مشابهة الطبقات الدنيا في إنكلترا، شاحنة المزيد من الطاقة في الحرب الأهلية الإنكليزية. وضمّ النموذج الحربي الجديد لأوليفر كرومويل آلاف المتطوعين الذين آمنوا أن مملكة «القديسين» سوف تُقام على التراب الإنكليزي، وأن المسيح سوف ينزل ليحكمهم. وفي عام 1649 تلقى جيرارد وينستانلي في رؤياه أمرا بالاستعداد لنهاية العالم من خلال إنشاء مجتمع «الحفارين»، حيث لا وجود للملكية الخاصة فيه ولا للتمييز الطبقي ولا لأي شكل آخر من أشكال الإكراه. وفي عام 1656 أعلن داعمو كرومويل السابقون، رجالُ الملكية الخامسة، أنه عدو المسيح، وحاولوا إنشاء مملكة من القديسين بقوة السلاح الملكية الخامسة في إشارة إلى الألفية، حيث سيحكم المسيح لمدة 1000 عام).

ما علاقة كل ذلك بالسحر؟ كما أشرت في بداية هذا الفصل، ثمة علاقة زمنية قريبة بين بداية جنون السحر وتطور النزعة الخلاصية الأوروبية. حظي نظام صيد الساحرات لإنستيتر وسبرنجر على موافقة إنوسنت الثامن في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تغلي حتى الحافة بأنبياء العصر الثالث والحركات المسيحية. وبلغ هوس السحر أوجه في أعقاب الإصلاح – كان كل من لوثر وكالفن مقتنعين متحمسين بأخطار السحر – وكذلك فعلت الحركات الاحتجاجية المتطرفة والعنفية المستندة إلى المذاهب الخلاصية الثورية للعصر الثالث.

هل ثمة تفسير عملي لتلازم تطور الاحتجاج الخلاصي الاجتماعي وجنون السحر ؟ لعل إحدى وجهات النظر التقليدية هي أن السحر نفسه كان شكلًا من أشكال الاحتجاج الاجتماعي. مثلا، ووفقا لجيفري بورتون راسيل – وهو خبير بتاريخ المعارضة في القرون الوسطى – إنّ السحر والتصوف وجلادي أنفسهم والهرطقة الشعبية، كلها تنتمي إلى الفئة ذاتها. كانت ، باختلاف درجاتها، رفضًا للبنية المؤسساتية الضعيفة».

من جهتي لا أتفق مع هذا الطرح. فلتفسير جنون السحر كونه احتجاجا اجتماعيا، عليكم الإيغال عميقا جدا نحو اعتماد وجهة النظر «الواقعية» المذكورة في كتاب مطرقة الساحرات. كما يتعين عليكم تصديق واقع أن أوروبا كانت تحفل بعدد كبير من الناس الذين هددوا الوضع القائم بسبب تجمعهم لعبادة الشيطان.

< إعداد: ايت اومزيد سعيد

Related posts

Top