المغرب وفلسطين -الحلقة 11-

تاريخ مشترك وتضامن ضارب في عمق العلاقات

في ظل الأوضاع التي تعرفها فلسطين، سواء بالضفة الغربية أو قطاع غزة من عدوان شامل للاحتلال ومحاولة لإبادة جماعية لشعب فلسطين الأبي، كان للمغرب دائما حضور وازن، لا من حيث التضامن الشعبي أو الرسمي من خلال المساعدات الإنسانية وغيرها أو من خلال دعم جهود الإعمار، وكذا دعم خاص للقدس الشريف.
ومنذ 7 أكتوبر 2023 الذي أطلق فيه الاحتلال الإسرائيلي حربه المدمرة على قطاع غزة واستمراره في مسلسل الاستيطان خاض المغاربة من شمال المغرب إلى جنوبه، ومن غربه إلى شرقه سلسلة من الاحتجاجات والأشكال التضامنية مع القضية الفلسطينية.
ووفق التقديرات فإن المغاربة خاضوا أزيد من 6000 مظاهرة وأزيد من 730 مسيرة شعبية، في أكثر من 60 مدينة مغربية، إضافة إلى وقفات مركزية عديدة وبشكل دوري أمام البرلمان، بالإضافة إلى ما يزيد عن 25 موكبا تضامنيا للسيارات والدراجات، وما يفوق 120 ندوة ومحاضرة لتنوير الرأي العام وتوعيته في ما يهم معركة “طوفان الأقصى” والقضية الفلسطينية وتطوراتها.
هذا الغنى في التضامن مع القضية الفلسطينية يجعل المغرب في مقدمة الدول الأكثر تضامنا مع القضية الفلسطينية بالشارع العربي والمغربي، وهو ما يدفعنا في هذه السلسلة الرمضانية إلى العودة إلى تاريخ العلاقات المغربية – الفلسطينية، وكيف تضامن المغاربة مع القضية الفلسطينية وجعلوها قضية أولى إلى جانب قضية الصحراء المغربية.
وتستند هذه الحلقات إلى قراءة في كتاب “المغرب والقضية الفلسطينية من عهد صلاح الدين إلى إعلان الدولة الفلسطينية” للراحل أبو بكر القادري الذي شغل أول رئيس للجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، وأيضا كتاب “فلسطين قضية وطنية” للكاتب عبد الصمد بلكبير، وأيضا إلى مراجع وكتب أخرى تناولت القضية

مجزرة صبرا وشاتيلا.. جرح مفتوح في ذاكرة المغاربة والعرب

وسط نضالات المغرب المتواصلة من أجل القضية الفلسطينية، كانت دائما تأتي لحظات خفوت في الشارع، الذي ومع أول تصعيد من الكيان الصهيوني يعود من جديد للغليان والاحتجاج والترافع عن القضية الفلسطينية التي يعتبرها المغاربة قضيتهم الوطنية الأولى إلى جانب قضية الوحدة الترابية للمملكة.

وما تزال الذاكرة المغربية والعربية تحتفظ بواحدة من أكثر الذكريات دموية وحسرة في القضية الفلسطينية، وهي مجزرة صبرا وشاتيلا، والتي شغلت الجميع وتركت حسرة في النفوس.

وتعود تفاصيل هذه الفاجعة الإنسانية إلى 16 شتنبر 1982، حيث شهد مخيمان للاجئين الفلسطينيين في بيروت، وهما صبرا وشاتيلا، واحدة من أبشع المجازر التي هزت ضمير العالم.

في تلك الفترة، كانت قوات الاحتلال الإسرائيلية تحت قيادة رئيس الوزراء مناحيم بيغن ووزير الدفاع أرييل شارون قد اجتاحت لبنان في عملية أطلقت عليها “سلام الجليل” العسكرية، بهدف القضاء على المقاومة الفلسطينية في لبنان بعد الاجتياح الفلسطيني لإسرائيل في 1978.

وبعد حصار بيروت الغربية، حيث كانت المخيمات الفلسطينية تقع، وبعد مقاومة باسلة، جرى التوصل إلى اتفاق يقضي بوقف الحرب مقابل انسحاب مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية ومغادرة المدينة تحت مراقبة دولية مع حماية اللاجئين الفلسطينيين وإرسال بعثات أممية من أجل ذلك.

إلا أن الخيانة ونقض العهد كانت دائما السمة البارزة في الاحتلال الإسرائيلي الذي وبعدما خرج مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية تآمر مع ميلشيات تابعة للجيش اللبناني من أجل ارتكاب جرائم بشعة.

مهد الاحتلال الإسرائيلي الطريق لبشير الجميل الذي كان يقود مليشيات الكتائب اللبنانية، المكونة من المسيحيين، ليكون رئيسا للبنان، وبالفعل تم الأمر بعد توقيع اتفاقيات الهدنة، وهو ما اعتبرته إسرائيل حينها نصرا ساحقا خصوصا أنها كانت تعتقد أنها سيطرت سياسيا على لبنان.

بعد ظهر 14 شتنبر 1982، دوى انفجار ضخم هز أركان بيروت، ليتبين أنه استهدف قائد مليشيا الكتائب اللبنانية بشير الجميل عندما كان يخطب في زملائه أعضاء الحزب، حيث قتل بشير و26 آخرون من أعضاء الحزب.

وتذكر بعض المصادر أن عملاء من الموساد كان يبحثون في الأنقاض كالمجانين بحثنا عن بشير الجميل لإنقاذه، ليتسلم السلطة ويصبح رئيسا فعليا للبنان، لكنه كان قد قضى في تلك العملية التي اختلفت المصادر عن القائمين وراءها، مع ترجيح كافة المخابرات السورية التي رفضت تسليم لبنان على طبق من ذهب لإسرائيل بسبب انتخاب بشير الجميل رئيسا للبلاد.

يوم 16 شتنبر من نفس السنة 1982، أي مباشرة بعد مقتل بشير ودفنه، دخلت 3 فرق تابعة لمليشيات القوات والكتائب قادها إيلي حبيقة، بالإضافة إلى ذكر بعض المصادر مشاركة قوات تابعة لما يسمى بجيش لبنان الجنوبي العميل لإسرائيل بقيادة الرائد سعد حداد، حيث اقتحمت هذه الفرقمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا، تحت ذريعة البحث عن 1500 مسلح فلسطيني.

وفي الوقت الذي كانت فيه القوات الإسرائيلية تسيطر على المنطقة المحيطة بالمخيمات، وتطلق القنابل المضيئة في محيط المخيمين الشهيرين، دخلت ميليشيات “القوات اللبنانية” المسيحية وبدأت عملية قتل جماعي استمرت لأيام.

استهدفت الميليشيات بشكل عشوائي المدنيين الفلسطينيين، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن. في تلك الأيام الثلاثة، آلاف الفلسطينيين، كلهم من الأبرياء من أطفال قطعت أطرافهم، ونساء حوامل بقرت بطونهن، وجثث مثل بها ومزقت جراء العدوان الهمجي الذي شاركت فيها قوات من الاحتلال الإسرائيلي والميلشيات اللبنانية الفاسدة.

 كانت المجزرة تستند إلى سادية مفرطة، إذ تم تعذيب العديد من الضحايا قبل قتلهم، وتم اغتصاب النساء وإحراق الجثث. وجرى ذلك أمام أنظار العالم الذي شهد على تواطؤ جيش الاحتلال الإسرائيلي، إذ أكدت تقارير عدة أنه قدم الدعم اللوجستي والاستخباراتي للميليشيات اللبنانية، بل وسمح لها بدخول المخيمات بحرية واقتراف ما يحلو لها من جرائم وحشية.

كان دور الاحتلال الإسرائيلي في المجزرة مثار جدل واسع. فقد أشارت العديد من المصادر إلى أن جيش الاحتلال أمعن في التنكيل بالمدنيين، وتجاوز حدود الإجرام، من خلال إغلاقه محيط المخيمات ومنعأي محاولات للهروب أو تلقي المساعدة.

بعد المجزرة، تعرض الاحتلال الإسرائيلي لانتقادات شديدة من المجتمع الدولي، خاصة من الدول العربية ومنظمات حقوق الإنسان. ما ألزمها، ولو صوريا، بتشكيل لجنة تحقيق رسمية عرفت بلجنة “كاهان”، والتي خلصت إلى أن وزير دفاع الاحتلال الإسرائيلي آنذاك، أرييل شارون، يتحمل مسؤولية غير مباشرة عن المجزرة، وأوصت باستقالته. ليقدمها في 1983، لكنه عاد فيما بعد رئيسا للوزراء ليتم طمس ملف واحدة من أكبر الجرائم والمجازر بشاعة حينها.

فمجزرة صبرا وشاتيلا تبقى شاهدًا حيًا على وحشية الاحتلال الإسرائيلي وعلى بشاعة الميلشيات اللبنانية حينها، فيما كان كل ذلك يجد صدى في المغرب والذي انتفض من أجل القضية الفلسطينية وارتبط بها ارتباطا وثيقا.

وما يزال المغاربة يذكرون إلى اليوم تلك المجزرة الرهيبة والتداعيات الإنسانية التي حدثت نتيجة الإجرام الصهيوني، ولعل العديد من الأغاني الملتزمة للفصائل الطلابية والمجموعات الفنية سلطت الضوء على هذه المجزرة وأنشدت فيها أشعار وأغاني نضالية تذكر الضمير الإنساني بالجرائم البشعة التي وقعت أمامه.

ولعل المغاربة والعرب عموما ما زالوا إلى اليوم يذكرون أغنية ناس الغيوان وجيل جيلالة “صبرا وشاتيلا”، والتي من الأغاني التي ما تزال تردد إلى اليوم في ذكرى جرح جماعي لواحدة من أسوأ الجرائم الإنسانية.

وتقول كلمات الأغنية: يَا عَالَمْ فِيك القتال له جَايْزَة..وفيك الحقرة فَايْزَة..ومن كل ماضي أحكام..فيك ليام من لَحْزَانْ حَايزة..كَ لَبْحُورْ دموع الصبيان دايزة..ارواحهم سارت للهعاشت وفنات ف الظلام يا عالم..فيك يتعلمو لَحْسَانْةبْلاَ مُوسْ . . بْلا َمَا فْ رْيُوسْ لْيْتـَامَى . . . وشلى كلام يا عالم..

الدنيـــا سكتــات لَعْدَا دَارْت ْمَا بْغـَــــــاتْ.. الدنيــــــا سكتـــــــــات الصهيون دارت ما بغات

فْ صْبـْـــرَا وُشَاتِيــــلاَ المجـــــزرة الكبــيــــرة..أطفــــــــال تذبحــــــات شيـــــوخ وعيــــالات

السوايــــع وقفـــــــات لــــــرواح تحصـــرات.. السوايــــع وقفـــــــات لَكْتـُــــــوبْ تْـنْهـْبــَـات.. ف صبــــرا وشاتيــــلا كَثـْـــــــرَاث لـقـتـيـلــة

ف جبــــال و وديــــان طيـــــــــور و غـابــــات..دَنـَّـة دَنـَّـة آهْ دَنـَّـة دَنـَّـة دَنـَّـة آهْ دَنـَّـة

< إعداد: محمد توفيق أمزيان

Top