إن من ينتحر ليس بالضرورة إنسانا يكره الحياة، بل إنه يحبها بشدة، غير أنه لم يجدها كما كان يتمناها. العديد ممن اختاروا أن يضعوا حدا لحياتهم تركوا رسائل ذات معنى بليغ، ومنهم من لم يترك أي رسالة، لكن انتحاره كان في حد ذاته خطابا
. بليغا إلى من يهمه الأمر
العديد من الأدباء والمبدعين المغاربة والعرب وجدوا أنفسهم ذات لحظة يأس
. وإحباط؛ مرغمين على توديع الحياة رغم حبهم الشديد لها
ضمن هذه الفسحة الرمضانية، سيرة لمجموعة من هؤلاء المعذبين على الأرض، إلى
جانب نماذج من إنتاجاتهم الإبداعية، تكريما لأرواحهم الطاهرة
الكاتبة أروى صالح: ألقت نفسها من الطابق العاشر بعد أن ضاقت بها سبل الحياة
في صيف 1997، ضاقت بها سبل الحياة، فانتحرت بإلقاء نفسها من الطابق العاشر. أروى صالح كاتبة وروائية مصرية كانت من أعلام الحركة الطلابية في أوائل السبعينيات في جامعات مصر. تخرجت في كلية آداب جامعة القاهرة، وقدمت كتابات في عدد من الصحف والمجلات الشهيرة،. انتمت لجيل السبعينات أو ما عرف بجيل الحركة الطلابية، ذلك الجيل الذي أشعل المظاهرات في جامعات مصر تأثرا بحركة الطلاب الفرنسية في 1968
***
من أعمالها:
– المبتسرون (فجر ضجة كبير حيث نقلت فيه تحليل لحركة جيل السبعينات ووجهت فيه انتقاداً لاذعاً لنفسها. امتلك الكتاب جرأة وقدرة على التحليل لحركة جيل السبعينات والذي كان في أوج صعوده في مختلف المجالات).
– سرطان الروح (صدر بعد وفاتها، ويضم خلاصة وافية عن أعمالها غير المنشورة حول الانعزالية، الشرود في أحلام اليقظة).
– ترجمة كتاب “نقد الحركة النسوانية” لتوني كليف.
***
مقطع من كتاباتها الأدبية
المثقف عاشقا يسلك المثقف علاقته بالمرأة كبرجوازي كبير: أي كداعر، ويشعر ويفكر تجاهها كبرجوازي صغير: أي كمحافظ مفرط في المحافظة، ويضيف إلى ذلك من عنده عدة اكتسبها من سياحته وسط كل طبقات المجتمع، دونما سند مادي أو سلاح يخوض معركة الحياة مستعيناً به، سوى شطارته. وتلك هي عدة الاحتيال فيجمع إليهما أخلاق البروليتاريا الرثة، فاللا أخلاق ليست عدما.
غير أننا كي نفهمه هنا، يجب أن نرجع إلى (الأصل) الذي يحكم سلوكه، مهما اختفى وراء تلال التبرير، للبرجوازي.
حين يتحدث البرجوازي عن الحب فإنه يعني به حالة السخونة والالتهاب التي تغمر الكيان للحظات، قبل أن تروح السكرة وتأتي الفكرة، أو الحسابات.. هو عندهم إما هذا أو ذاك، وتعلمهم الخبرة أن “الحالة” عَرَض يزول عاجلاً أو
آجلا، وأن الباقي هو الحساب، لذلك فالذين (أنضجتهم) تجارب الحياة منهم يرفضون تصديق ما يسمى بالحب – مثل أشياء أخرى كثيرة، يعاملونه بالفعل كحالة، مثل التهاب في الحلق، يسقط وجهه الرومانتيكي، كوهم من أوهام الشباب، ولا يبقى للعلاقة بين الرجل والمرأة بعد أن تتبخر الرومانتيكية ويرسب الواقع، سوى وجهين، الحسابات من جهة، والرذيلة من جهة أخرى. الحسابات يؤدي للزواج وتستمر بعده لتصونه، والرذيلة تصونه أيضاً، من أن ينفجر أو يختنق تحت وطأة الأحادية الكاذبة فيه، والأغلال الحقيقية جداً، إذ ليست مصنوعة من وهم، بل من صلبان الملكية، الواقع الوحيد الذي له قوة الحقيقة في دنيا البرجوازية، الذي عنده تلتقي كل الطرق، وتفترق.
الزواج، أو وجه الحياة المحسوب، هو الواقع في وجهه غير المحبب، لكن الذي لا بد منه. والرذيلة، هي الواقع أيضاً، ولكن منزوعة عنه قشدة الزيف، واقع متحرر من الإضرار للكذب، واقع علاقة الرجل بالمرأة عند البرجوازية حين يخلع الأقنعة، فهو إذن القبح مصفى بلا شائبة وهو أيضاً الابتذال بلا مقدمات تتملق أو عواطف توهم، بلا إنسانية، أو ادعاء بها على الأصح.
يبدو الجنس للبرجوازي غير مشبع في الزواج لأنه محترم – أي منافق – والاحترام ضروري مع ذلك، أو لأنه أحادي، مع أن البرجوازي هو أشرس المدافعين عن الأحادية في الزواج، عن كل حق بالطبع إذ كيف سيميز الورثة! فيصبح البديل الوحيد الواقعي لمتعة الزواج المخصبة هو الدعارة (وإن تكن هذه العادة تحسب على المرأة، بينما تحسب للرجل – هي نفسها – غزواً). الدعارة، هي المرادف الوحيد الذي يعرفه، بل الذي يقدر دماغ البرجوازي (وفي ذيله البرجوازي الصغير) على تخيله للحرية، وإن تكن هي أيضاً هنا مخصبة، ولو فقط لأنها مسروقة، ولكن هذا ليس بالسبب الوحيد، ولا حتى الأهم.
فحين تتراجع الموجات الأخيرة للنشوة، يطل برأسه مرة أخرى مثل كرة الماء – ويا للغرابة – وجه الملكية! لم يغرق في بحر الغرام، ولا بدلت الحياة – أي حياة – سمته الشمعي، المحايد إزاء البشر. يأتي هنا في معقل الحرية “السري”، الذي لا تربط طرفيه وشائج الملكية أو أغلالها، ولا التمرد بطبيعة الحال، بل “التواطؤ”، في صورة الاستغلال المتبادل بين الرجل والمرأة. والصيغة المعتمدة المعروفة، أو النسخة الأصلية التي تتفرع عنها نسخ كثيرة ومعقدة، كثرة وتعقيد أنماط الاستغلال المتراكمة خبرتها في تاريخ الزيجات “البرجوازية”، هي: الرجل ينفق والمرأة تعطي اللذة وتبدد الملل، فتشتغل علاوة على ذلك مهرجة، إذ “يجب أن تكون مسلية، لتريحه من الحسابات التي هدت كاهله طوال النهار، وإلا فلماذا يرهق نفسه طوال النهار إن لم يكن لأجل أن ينفق ويتسلى. وتقوم هي بدورها، ويتحدد حجم الإنفاق بقيمتها الاجتماعية.
> إعداد: عبد العالي بركات