الأم… الوطن

أبهر لاعبو المنتخب المغربي لكرة القدم والمدرب وليد الرگراگي كل العالم خلال المشاركة المتألقة بمونديال قطر، إن بالإنجاز الرياضي التاريخي في الميدان، أو بصورهم مع أمهاتهم، وبحضور أسرهم في المدرجات، وبالحرص على هذا البعد الإنساني الحميمي الذي خلدته الصور ومواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، وبات حديث الدنيا بأكملها.
عقب نهاية المباراة بانتصار المنتخب المغربي على نظيره البرتغالي وصعوده إلى نصف نهائي مونديال قطر، ركض مهاجم الأسود سفيان بوفال نحو المدرجات من أجل عناق والدته، قبل أن يسحبها للرقص معه على رقعة الملعب، وذلك احتفالاً بهذا الإنجاز التاريخي غير المسبوق عربياً وإفريقياً.
الصورة جالت كل العالم، وحضرت في مختلف المنصات والمواقع ووكالات الأنباء، وراجت على نطاق واسع…
نفس الصورة كانت لأشرف حكيمي وحكيم زياش ووليد الرگراگي والآخرين، والدلالة كانت أكبر من لجوء هؤلاء الشباب لأحضان أمهاتهم للاشتراك في الفرح، وأكبر من حرص هؤلاء اللاعبين على إهداء الفوز والفرح لأمهاتهم، وإنما الرمزية والمعنى كانا إحالة وتجسيدا للارتباط بالوطن… الأم.
الصورة هنا هي المعنى الواضح لتعبير: (الوطن الأم)، وهي الإعلان عن الانتماء إلى الوطن، والاعتزاز بالدفاع عن ألوان علمه.
عدد من لاعبي منتخبنا الوطني، وأيضا مدربهم الموهوب، ينحدرون من مغاربة العالم، وأغلبهم عرض عليه اللعب لمنتخبات دول الإقامة والمنشأ، وتعرضوا للكثير من الضغوط للقبول بذلك، لكنهم أنصتوا لقلوبهم، وتمسكوا بمغربيتهم، واختاروا الانتماء للوطن، واليوم قدموا الجواب للذين ضغطوا عليهم، وللعالم برمته، من خلال تقبيل رؤوس أمهاتهم والرقص فرحا معهن، أي إعلان الالتصاق بالوطن… الأم.
بقي المحللون يدرسون إشارة لاعبي ومدرب الفريق الوطني تجاه أمهاتهم، وتعددت القراءات والتأويلات، وبعضها كان تافها حتى وبئيسا، ثم تكلم وليد الركراكي، وطالب الجميع بتركه يلعب الكرة فقط، وبأنه لا يهتم سوى بإسعاد الشعب المغربي وكامل إفريقيا، ومنح شعوب القارة الثقة في نفسها، أي يمسك دائما بالوطن… الأم.
عند متابعة تجليات سلوك لاعبي المنتخب ومدربهم خارج مجريات المباريات، نقف على رسائل بليغة، على غرار اللجوء إلى حضن الأم، وأيضا التمسك بالأسرة والأقارب والأهل، ثم كذلك المستوى اللافت للتصريحات والأجوبة في المؤتمرات الصحفية بكل اللغات، وأناقة الحديث عن المنافسين، والاعتزاز بالذات أمام لاعبي المنتخبات المنافسة كلها، وكل هذه الرسائل تلتقي في الرغبة الجامحة في الفوز والتألق، وفي السعي لإسعاد الجماهير المساندة، ومنح الفرح للمغاربة أولا، ولكل شعوب الجنوب التي تحس اليوم أن هذا المنتخب يمثلها.
لم يبال لاعبونا الشباب بالأصوات العنصرية البليدة التي خرجت في بعض دول أوروبا لنفث سمومها المتطرفة وأطروحاتها الاستعلائية الحاقدة، واستمروا في تقديس أمهاتهم وتقبيل رؤوسهن والالتصاق بأحضانهن واشتراك الفرح معهن، وبذلك بعثوا الجواب القوي لكل التافهين من غير داع للكلام الكثير.
منظومة كرة القدم العالمية وتصنيفات المنتخبات وجيو استراتيجية الكرة شهدت تحولا مهولا في مونديال قطر بفضل إنجاز منتخب المغرب، وتغيرت، تبعا لذلك، العديد من الرؤى والمقاربات واليقينيات، وتبدلت المواقع والأحجام في معاجم الأداء والنتائج والمستويات.
وفي نفس الوقت، وجه منتخبنا الوطني عديد رسائل أخرى للمحفل الكروي الدولي، تتعلق بالقيم والتمثلات السلوكية والثقافية والاجتماعية، والكثيرون اهتموا بدلالاتها، إن من خلال صور تقديس الأم والأسرة أو الاعتزاز بالذات والثقة في النفس والقتالية من أجل علم الوطن وصورته وإشعاعه، أو من خلال الالتزام بالسلوك الجيد، في الملعب أمام المنافسين وفي المستوى العام عبر الصور الجميلة التي راجت في كل العالم.
ليس صدفة أو ارتجالا اهتمام العديد من الأدباء والشعراء في كل الأزمنة بصورة الأم ورمزيتها لدى الشعوب، ولم يكن الأمر دون دلالة ارتباط الأم بالوطن في كثير من الثقافات، ولاعبو منتخبنا الوطني نقلوا المعنى ورسموا له الدلالة والامتداد في عوالم كرة القدم كذلك، وقدموه جوابا للجميع حول ارتباطهم بوطنهم المغرب، الوطن… الأم.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

الوسوم ,

Related posts

Top