الإعلامي بلعيد بوميد في ذمة الله

 

توفي الزميل والإعلامي وأحد قيدومي الصحافة الرياضية، بلعيد بوميد، أول أمس الاثنين، بعد صراع مع المرض، بإحدى المصحات الخاصة بمدينة الدار البيضاء، ليفقد المغرب أحد أبرز رموزه في مجال الصحافة الرياضية الذي كرس حياته لخدمة ورسم ملامح جديدة للإعلام الرياضي الوطني.
الراحل الذي غادر الحياة دون سابق إنذار، لم يكن مجرد صحفي رياضي فقط، كما يعرفه الجيل الحالي، بل أسس لمدرسة متكاملة الأوجه أنتجت الكثير من الإعلاميين اللذين تتلمذوا على يديه، واكتسبوا منه المهنية والنزاهة في نقل الأخبار وتحليلها أمام الجمهور المتلقي في مجالات الرياضة والسياسية والثفاقة والرسم الكاريكاتيري الذي برع فيه وأتقنه ليصبح من أفضلهم على المستوى الوطني.
حنكته ومساره الطويل الممزوج بين الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية والرسم الكاريكاتيري، جعلته يتبوأ مكانا مرموقا بين زملائه في مهنة «السلطة الرابعة»، ليغير مبدأ الصحفي المختص بمبدأ الصحفي الشامل الذي يعرف كيف يكتب بدقة ويحلل بموضوعية ويبدي رأيه استنادا إلى وقائع ومعطيات صحيحة، أعطته صيتا وطنيا جعله يصل إلى أعلى مناصب المسؤولية.
واشتهر الراحل الذي كرس حياته لخدمة الصحافة بكل تشعباتها، بدقته في تغطية الأحداث الرياضية سواء داخل وخارج أرض الوطن، فضلا عن أسلوبه الفصيح الذي يجمع بين الدقة والبلاغة في تقديم وكتابة الأخبار، دون نسيان المجال الذي برع فيه في بداياته وهو رسوماته الكاريكاتيرية الساخرة التي كانت بمثابة مرآة تعكس الواقع المغربي المعاش في تلك الفترة.

                             الراحل الملك الحسن الثاني يوشح بلعيد بوميد

ولم يقتصر دور عميد الصحافة الرياضية على الصحافة المكتوبة فقط، بل كانت له بصمات واضحة في الإعلام المرئي والمسموع، إذ شارك في برامج رياضية كثيرة تقلد فيها دور التقديم وأخرى كان فيها الطرف الضيف، قدم خلالها رؤاه وتحليلاته حول مختلف القضايا الرياضية الراهنة آنذاك، كان آخرها كبسولة كان يقدمها عبر أثير إذاعة «راديو مارس».
إلى جانب كفاءته المهنية، كان بويميد إنسانا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، عرف بدماثة أخلاقه وتواضعه الكبير، حيث كان دائما متواجدا لدعم زملائه الشباب وتقديم النصائح والتوجيهات لهم، فهو لم يتوانى يوما عن تقديم المساعدة لمن يحتاجها، وكان يعتبر منارة للإعلاميين الذين كانوا يلجؤون إليه للاستفادة من خبراته الواسعة، خاصة الشباب والجيل الجديد الصاعد.

              صورة تذكارية للراحل بلعيد بوميد مع علي يعتة وهيئة تحرير البيان وبيان البوم عقب التوشيح الملكي

ومع أن بوميد كان شخصية مرموقة في الأوساط الإعلامية والرياضية، إلا أنه كان بعيدا عن الأضواء، مفضلا العمل الجاد والدؤوب خلف الكواليس، حيث ركز طوال مسيرته على تقديم المعلومة الرياضية بصدق واحترافية بعيدا عن الإثارة الإعلامية، مساندا ومدافعا عن قضايا كرة القدم المغربية، خاصة في فترة تقديم الملفات السابقة لاحتضان نهائيات كأس أمم إفريقيا وكأس العالم.


برحيل بلعيد بوميد، فقدت الصحافة الرياضية المغربية إحدى أعمدتها الأساسية، ورمزا من رموز الإعلام الرياضي الوطني الذي ترك إرثا لا يقدر بثمن، إرث سيظل حيا في نفوس من عرفوه وعملوا معه، وكذلك في ذاكرة الأجيال القادمة من الصحفيين الذين سيجدون في مسيرته المهنية نبراسا يهتدون به.


وإذا كان بوميد قد فارق الحياة، فإن ذكراه ستظل خالدة في قلوب كل من تابع أعماله أو تأثر بها. فالإعلام الرياضي المغربي لن يكون كما كان، بعد أن رحل هذا الهرم الإعلامي الذي ستبقى روحه حاضرة في كل تغطية رياضية وكل تحليل موضوعي يُقدَّم في الصحافة الوطنية.

مسيرة حافلة بالعطاء

مسيرة الراحل بلعيد بويميد الذي غادر الحياة إلى دار الفناء، انطلقت بعد عودته من الديار الفرنسية سنة 1975، إذ عمل في البداية صحفيا محترفا ورسام كاريكاتير بجريدة «البيان» الناطقة باللغة الفرنسية، بقيادة الزعيم علي يعتة.
34 سنة من العطاء داخل جريدة «البيان» نشرها خلالها العديد من المقالات الصحفية بالصفحة الثقافية، قبل أن يتقلد مهام الصفحة الرياضية، محافظا على نفس النمط من الجدية والمسؤولية مع مزجها بقليل من السخرية في رسومه الكاريكاتيرية اليومية. مسلسل تألق الزميل الراحل بلعيد بويميد كصحفي بارز، تجاوزت حدود القلم والسطر، لتمتد إلى عوالم الميكروفون، حيث عمل رحمة الله عليه محللا رياضيا في العديد من القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية، واكب خلاها مسيرة أجيال من الأبطال الرياضيين المغاربة في بطولات ومنافسات وطنية وقارية ودولية.


ووشح بوميد من قبل الملك الراحل الحسن الثاني بوسام ملكي خلال تسعينيات القرن الماضي، عرفانا وتقديرا له ولعطائه الإعلامي المتميز وإسهاماته في تطوير الصحافة الرياضية في المغرب.
وتقلد قيدوم الصحفيين الرياضيين الكثير من المناصب، أبرزها منصب الكاتب العام للجمعية المغربية للصحافة الرياضية لسنوات عديدة، كما انتخب مرتين رئيسا للاتحاد الإفريقي للصحافة الرياضية سنتي 2005 و2009، وكان عضوا بالجمعية الدولية للصحافة الرياضية.

***

محمد أبو السهل (رئيس القسم الرياضي لراديو MFM): «بلعيد كان إعلاميا استثنائيا»

قال الزميل والإعلامي، محمد أبو السهل، «فقدت الساحة الرياضية والإعلامية قامة جديدة من قامات الإعلام الرياضي اليوم، ليتوالي تساقط أسماء ناضلت وخلدت إسمها في تاريخ الصحافة الرياضية لسنوات عديدة.. بلعيد بوميد لم يكن صحفيا عاديا، بل كان إعلاميا استثنائيا جمع بين الفن والمسرح والثقافة والكتابة والرياضية في آن واحد».
وأضاف أبو السهل في تصريح لجريدة «بيان اليوم»، أن الراحل اختار أن يعيش بالقلم والفكر منذ نعومة أظافره، وكان جمعويا في حياته، إذ ناضل من أجل أفكاره المرتبطة بالحرية والتطوير والتنمية.. بلعيد واحد من أبناء مدرسة البيان، حيث التحق بالجريدة سنة 1975، وطيلة مدة تواجده كان من ركائز المؤسسة، إذ اختار أن يترافع من أجل قضايا الإعلام بصوت حر».
واعتبر نفس المتحدث، «كتاباته وتغطياته الصحفية شفعت له أن يكون ضمن القطع الأساسية ضمن تشكيلة المكتب التنفيذي للجمعية المغربية للصحافة الرياضية وبالإتحاد الإفريقي للصحافة الرياضية وبالجمعية الدولية للصحافة الرياضية.. دافع في أكثر من مرة من منصبه عن الملفات التي قدمتها المملكة المغربية لاحتضان نهائيات كأس أمم إفريقيا وكأس العالم في أكثر من مرة».
وتابع ذات الإعلامي، «بلعيد كان صديق الكتاب والفكر والقارئ، مدمن على الكتابة والقراءة وناضل من أجل الكاركاتير الساخر، وكان صديق الفنانين واللاعبين والرياضيين، بعدما جاورهم في الكثير من المناسبات والتظاهرات، وكان دائم الحضور في المشهد الثقافي والرياضي في المغرب».
السي بلعيد يقول أبو السهل، «لقد عايشته في منحتين صحيتين عندما كان طريح الفراش في غرفة الإنعاش يصارع أعراض المرض التي بدت عليه واضحة.. هاته المرة وفي الأيام الأخيرة زرته أنا وباقي الزملاء الصحفيين الرياضيين وكانت صحته في تراجع ملحوظ.. بعدما فتح عينه واستفاق سألني عن وضعية فوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بعد حادثة السير الأخيرة التي تعرض لها وعن مباريات المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة بمونديال أوزبكستان.. لن أنسى أن طالب من أبنائه أن يحضروا له لوحته الرقمية من أجل رسم بعض الروسوم الكاريكتاتورية التي تترجم أحاسيسه في وقت المرض».

***

فوزي لقجع (رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم) : «يوم حزين للإعلام الرياضي بعد فقدانه»

قال فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، «قدر الله وماشاء فعل.. عزاؤنا واحد في وفاة قامة وهرم من الصحافة الرياضية، بلعيد بوميد الذي عرفته منذ سنوات ماضية في مجموعة من اللقاءات الصحفية، بوعبيد المناضل والشغوف بالعمل الميداني في كل تنقلات المنتخبات الوطنية».
وأضاف لقجع في تصريحات صحفية عبر أثير إذاعة «راديو مارس»، «بلعيد كان من ضمن الشخصيات التي ناضلت وألحت واشتغلت من أجل حفظ الذاكرة المغربية لكرة القدم الوطنية، وكان بمعية مجموعة من الإعلاميين في الميدان الرياضي لإخراج المتحف الوطني لكرة القدم إلى حيز الوجود.. أعتقد لا يمكن أن يناقش أي أحد فكر وتعلق بوميد بالقيم الثقافة والصحافة في حياته الشخصية والعملية وفي علاقته مع مختلف الفاعلين.. لقد كان من أبرز الصحفيين الشاملين بين الثقافة والفن والرياضة».
واعتبر رئيس جامعة كرة القدم، «هو يوم حزين للإعلام الرياضي الذي فقد واحدا من أهرامات الصحافة الرياضية.. هو يوم أسود في نفوس كل الأصدقاء والمحبين لشخصية الراحل الذي امتاز بسلوكه وخلقه الحسن.. نرجو من الله سبحانه وتعالى أن يجدد عليه الرحمات وأن يلهم أقارب العائلة الصغيرة والكبيرة الصبر والسلوان وحسن أولئك رفيقا.. إنا لله وإنا إليه راجعون».

***

بدر الدين الإدريسي (رئيس الجمعية المغربية للصحافة الرياضية): «رجل دافع بحرقة عن الصحافة»

تأسف الإعلامي بدر الدين الإدريسي، رئيس الجمعية المغربية للصحافة الرياضية، لتساقط ورقة جديدة من الإعلام الرياضي، بعد وفاة الزميل والقيدوم بلعيد بوميد، بعد صراع طويل مع المرض.
وقال الإدريسي في تصريح خص به جريدة «بيان اليوم»، «الساحة الإعلامية فقدت واحدا من أبرز الأصوات التي دافعت بشرف وباستماتة عنى الصحافة الرياضية.. الراحل جمع بين حسن الخلق والسلوك، وناضل من أجل إحلال المهنية ومحاربة الأشخاص المتطفلين على ميدان الصحافة الرياضية».
واعتبر رئيس الجمعية المغربية للصحافة الرياضية، «كانت لي به علاقة وطيدة بعدما قمنا بتغطية الكثير من الأحداث الرياضية داخل وخارج أرض الوطن.. بعد مدة عرفت الرجل عن قرب بعدما بات منخرطا بالجمعية المغربية للصحافة الرياضية، قبل أن يصير داخل المكتب التنفيذي لسنوات عديدة، وكاتبا عام بنفس الجمعية، إلى جانب أسماء أعطت الكثير للمشهد الإعلامي».
يقول بدر الدين الإدريسي، «خبرته واتقاننه لفنون الخطابة والتواصل، جعلت ينتخب مرتين رئيسا للاتحاد الإفريقي للصحافة الرياضية سنتي 2005 و2009، كما فاز بالعضوية بالجمعية الدولية للصحافة الرياضية.. بلعيد الصديق والزميل الصحفي تجمع فيه ما تفرق في غيره من الإعلاميين، جمع بين الثقافة والفن والمسرح والكتابة الأدبية والنقدية، وبرع في الصحافة الرياضية والرسم الكاريكاتيري عندما يشتغل آنذاك بجريدة البيان باللغة الفرنسية».
«أتذكر جيدا أن آخر لقاء لي معه، كان ضمن المنتدى الذي نظمه المعهد العالي للصحافة بشراكة مع الجمعية المغربية للصحافة الرياضية، إذ حظي بتكريم عرفانا على كل المجهودات والتضحيات التي قدمها للمجال الإعلامي، كصحفي متميز وكموسوعة حفظت الرياضة عن ظهر قلب وكصديق أعرفه جيدا واشتغلت معه للعديد من السنوات» يضيف بدر الدين.
واعتبر نفس المسؤول، «كنت دائم التواصل مع زوجته للإطلاع على جديد حالته الصحية عندما كان طريح الفراش.. تألمت كثيرا على وضعيته المزرية، لكن هذا قدر الله وماشاء فعل.. طلبت في أكثر من مرة أن يشفيه الله سبحانه ويعيده إلى الوسط الرياضي سالما معافى، ليواصل كتابة اسمه من ذهب ضمن أبرع الصحفيين والإعلاميين من الرعيل الأول».

< عادل غرباوي

Top