يقوم الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بدور كبير في توفير الحماية الاجتماعية وقد ازدادت أهمية الدور الذي يقوم به بعد صدور القانون رقم 15-98 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض والقانون رقم 15-99 المتعلق بإحداث نظام المعاشات الخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، ويعد ذلك في حد ذاته تقدما كبيرا من الناحية القانونية إذ لم يعد هناك خلافا في هذا الجانب وأصبحت مسؤولية كل طرف واضحة غير أنه ليس كافيا توفير القانون رغم أهميته إذا لم يتم تطبيقه على أرض الواقع وهو ما يتطلب بدل مجهودات كبيرة في مستوى حجم وطبيعة المهام المطروحة، وفي هذا الإطار سبق لي أن كتبت عدة مقالات كان آخرها في بداية شهر مارس الماضي بعنوان : الحوار الاجتماعي والحماية الاجتماعية، ولكون هذا الموضوع لا زال يتطلب المزيد من النقاش أعود إلى المساهمة بهذا المقال بعنوان : الحماية الاجتماعية رافعة لتحقيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي، حيث يتطلب القيام بالإجراءات والتدابير الواجب القيام بها مصحوبة بحملة تحسيسية واسعة لتطبيق قانون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بشكل سليم وهو ما سيؤدي إلى تحقيق الأهداف التالية :
– تعميم الحماية الاجتماعية على الأجراء والمهنيين غير الأجراء والأشخاص العاملين لحسابهم الخاص.
– تحقيق لتوازن المالي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والذي سيدخل في مرحلة العجز ابتداء من سنة 2024 إذا لم ينم اتخاذ التدابير والإجراءات التي تحول دون ذلك مع استعمال أموال الصندوق بما يخدم مصلحة الطبقة العاملة.
– تقوية الأوضاع الاقتصادية والمهنية من خلال تحسين القدرة الشرائية للأجراء والمهنيين.
– المساهمة في القضاء على ظاهرة التسول لكون نسبة كبيرة من المتسولين يحرمون من التقاعد بسبب عدم التطبيق السليم لقانون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
– المساهمة في تعميم الاستفادة من نظام المساعدة الطبية RAMED.
من خلال القيام بالخطوات التالية :
1- تعميم التصريحات على الأجراء :
منذ سنوات والحديث على تعميم التصريحات دون أن يتم القضاء عليها ويصل عدد العمال المصرح بهم 3,470.000 مليون وعدد العمال غير المصرح بهم حوالي 600 ألف في حين كان يمكن إزالتها إذا ما تم تطبيق ما تنص عليه المادة 511 من مدونة الشغل بالتصريح بكل عامل عند تشغيله لدى المصلحة المكلفة بالتشغيل الواقعة في المكان الذي يباشر فيه نشاطه في أجل ثمانية أيام، وقد كان منصوصا على هذه القاعدة القانونية في ظهير 27 شتنبر 1921 المتعلق بمكاتب تشغيل العمال وتم التنصيص عليها من جديد في مدونة الشغل وهو ما سيؤدي إلى القضاء على هذه الظاهرة بشكل نهائي.
2- وضع حد للتلاعب في التصريحات :
حيث أصبحت ظاهرة التلاعب في التصريحات هي القاعدة ومع الأسف يتم التعامل معها في غالب الأحيان وكأنها أمر طبيعي وعادي وجل التصريحات لا تتطابق مع الحد الأدنى القانوني للأجر ومع الأجور التي يتقاضاها العمال ويعود ذلك إلى النقص في ساعات العمل إلى أن أغلبها يعود إلى التلاعب في التصريحات وما ينتج عن ذلك من ضرر للعمال وللمقاولات التي تطبق القانون.
3- إصلاح قانون التعويض عن فقدان الشغل :
منذ بداية العمل بقانون التعويض عن فقدان الشغل تبين أنه يعرف عدة اختلالات يجب معالجتها، ومنذ حوالي سنة قام المجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بدراسة في الموضوع وهيأ تصور ومقترحات لمعالجة هذه الاختلالات غير أن الوضعية لا زالت على ما هي عليه.
4- تمديد الحماية الاجتماعية إلى فئات المهنيين غير الأجراء والعاملين لحسابهم الخاص :
ويمكن إذا تم تعميم التصريحات على جميع الأجراء أن يساعد على تسريع وثيرة تمديد الحماية الاجتماعية إلى فئات المهنيين غير الأجراء، وبعد مصادقة المجلس الحكومي المنعقد يوم 12 ديسمبر 2019 على المرسومين التطبيقيين الأول رقم 2.19.1023 المتعلق بالقوابل والمروضين الطبيين والثاني رقم 2.19.1024 المتعلق بالعدول، يلاحظ أن وثيرة العمل يجب أن تسير بشكل أسرع مع إعطاء الاهتمام للقطاعات التي يعمل بها أكبر عدد من الأجراء ومن المهنيين غير الأجراء، ومنها على سبيل المثال :
– قطاع النقل :
منذ التوقيع على اتفاق شراكة بتاريخ 21 فبراير 2011 بين وزارة الداخلية ووزارة التجهيز والنقل ووزارة التشغيل والتكوين المهني والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والهيئات المهنية والنقابية، تضمن الالتزام بإحداث نظام خاص للتغطية الاجتماعية تشمل جميع مهنيي النقل الطرقي غير الأجراء، وبعد الدراسة التي تم إنجازها من طرف وزارة الشغل والإدماج المهني والاجتماعات المتعددة التي تمت لهذه الغاية، لحد الآن بعد مرور ثماني سنوات على توقيع هذا الاتفاق لا زالت الوضعية على ما هي عليه.
– قطاع عمال المقاهي والمطاعم :
يمكن بسهولة تعميم الحماية الاجتماعية على هذا القطاع إذا ما تم تطبيق مواد مدونة الشغل من 376 إلى 381 حول توزيع الحلوان ومراقبته مع الحفاظ على الحقوق المكتسبة ومراعاة الكفاءات المهنية التي يتوفر عليها العمال.
– القطاع الخدماتي :
يتميز القطاع الخدماتي بما فيه التابع للصناعة التقليدية أو العصرية باتساع كبير لعدد الحرف التي يتكون منها ومن العدد الكبير للحرفيين الصغار والموزعين بشكل مكثف بجميع المدن والقرى حيث يتطلب تكثيف الاجتماعات واللقاءات التواصلية معه نظرا لكبر حجمه.
– القطاع غير المهيكل :
جل العاملين بالقطاع غير المهيكل غير مصرح بهم وحتى المصرح بهم تصريحاتهم غير سليمة.
ويعد هذا القطاع أكبر مشغل وجل مقاولاته تحقق أرباحا كبيرة على حساب حقوق العمال وحقوق المقاولات التي تطبق القانون مما يتطلب التركيز عليه بشكل كبير.
– قطاع التشغيل المؤقت :
يشغل هذا القطاع بنسبة كبيرة من الأجراء ويمكنه تطبيق القانون دون صعوبة إذا ما تم الحرص على إلزام المقاولات الأصلية بالقطاع العام والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والقطاع الخاص على احترام دفاتر التحملات.
ونفس المجهود يجب أن يبذل مع جميع القطاعات المهنية الأخرى من خلال تكوين لجن لمتابعة كل قطاع على حدة، وبالرجوع إلى إحصاءات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والتي يعود مصدرها إلى المندوبية السامية للتخطيط يتبين أن عدد الفئة النشيطة العاملة التي نتحدث عنها تتكون من :
10.680.000 موزعة على الشكل التالي :
عدد الأجراء منها 4.940.000، ضمنهم 3.760.000 في القطاع الخاص، بنسبة 79%، و1.030.000 في القطاع العام، بنسبة 21%، نسبة التغطية 80% وعدد العاملون غير الأجراء 5.740.000 بنسبة 54% (بدون تغطية).
5- وضع مذكرة تنظيمية وتوضيحية حول المادة 511 من مدونة الشغل وحول قطاع المقاهي والمطاعم والنقل وكلما اقتضت الضرورة ذلك، على غرار ما تم في وقت سابق بالنسبة للمادة 184 و62 من مدونة الشغل لكون هذه الوضعية لا تقل أهمية عن الخالتين السابقتين.
6- تنظيم ندوة وطنية بمشاركة القطاعات الوزارية ذات العلاقة والمركزيات النقابية والاتحاد العام لمقاولات المغرب والمهنيين غير الأجراء والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان تليها ندوات قطاعية وإقليمية مع القيام بحملة إعلامية بواسطة جميع وسائل الإعلام ونظرا لقيمة هذه الأهداف وأهميتها يتطلب أن يتم إنجازها خلال فترة زمنية لا تتجاوز بين ستة أشهر وسنة.
> عبد الرحيم الرماح