العمل التطوعي هو حركة اجتماعية، تهدف إلى تأكيد التعاون وإبراز الوجه الإنساني للعلاقات الاجتماعية، مع إبراز أهمية التفاني في البذل والعطاء في سبيل سعادة الآخرين. وفي الشأن البيئي، يسيطر القلق على مختلف الشرائح الاجتماعية حين تتدهور البيئة، وفي الوقت نفسه يصبح الجميع سعداء عند تحقيق التنمية في إطار البيئة السليمة.
وتأتي من هنا أهمية العمل التطوعي لعدم قدرة الدول على الاستجابة لكل الحاجات المجتمعية، والبيئة في مقدمتها، أو تلك الخاصة ببعض الفئات لأسباب مادية بحتة، تتلخص في عدم القدرة على توفير المصادر المالية الكافية لسد حاجات كافة افراد المجتمع. وتحتل الأولوية في هذا المقام المشاريع الصغيرة التي تجمع عدداً من الفقراء، تؤدّي على سبيل المثال، إلى إصلاح الأرض للقيام بمشروع زراعي يسد حاجات السكان ويمنع الهجرة من الريف إلى المدن. وفي عصرنا الحالي، بتحولاته الثقافية والتكنولوجية والاقتصادية، صار العمل التطوعي محركاً لكثير من الشباب المتحمسين بدوافع مختلفة.
وهناك رابط قوي ومتين ما بين حماية البيئة والعمل التطوعي من منطلق أن البيئة وحمايتها واجب وطني وضرورة محلية وإقليمية وعالمية، خصوصا إذا كان الشباب هم عماد هذا التحرك. وتتضمن هذه الأعمال الانخراط العفوي الذي تدفعه الرغبة بالعمل وحماية البيئة وصيانة موارد الطبيعة في العمل تطوعيا كمجموعات من الشباب في المناطق الطبيعية والريف والمدن لخدمة بيئة تلك المناطق والمساهمة في رفع مستوى الوعي البيئي لدى مختلف فئات المجتمع في الريف والحضر. وتساهم أعمال هؤلاء الشباب أيضا في تعزيز مفهوم وتشجيع العمل التطوعي لحماية البيئة وخدمتها ونقل الخبرات والتجارب واكتسابها من الآخرين وخصوصاً في المناطق التي تركز فيها أعمالها.
كما أن هذه الأنشطة تشمل بالإضافة إلى الشباب مشاركة الأطفال، والنساء، والمجتمع المدني بجميع فئاته حيث يقوم الشباب المتطوعون بدافع الرغبة الأكيدة للعمل في خدمة بيئتهم وتنمية مجتمعهم بتنفيذ الأعمال التطوعية من خلال المخيمات وحملات التوعية والتثقيف البيئي، والمساعدة في أعمال البنية التحتية للمؤسسات والجمعيات الأهلية المحلية العاملة في القرى والمناطق النائية والمناطق العشوائية والمتضررة، وتنفيذ أيام العمل والورش التدريبية حول العمل التطوعي وزيادة التفاعل ما بين المتطوعين الشباب وزيادة روابط الألفة والمحبّة والعمل الجماعي.
ويعتبر هذا العمل متميّزا لتمتعه بالخصائص التالية:
> النمط السائد أن كل عمل يقابله أجر، أما هذه الأعمال فهي تطوعية.
> تعتمد هذه التجربة على تبادل الخبرات والاستفادة من كفاءة الشباب لنقل التجارب وحماية البيئة.
> كل متطوع لديه القدرة على التعبير عن انتمائه لوطنه وترجمة شعوره إلى عمل يخدم بيئته ومجتمعه.
> تعتمد على مدى استيعاب الممارسين للعمل التطوعي، مفهومه وقيمته وأهميّته للمجتمع.
> تنوع الأنشطة، حرية اختيار (التطوع)، الإبداع في الأفكار المنفذة، والتعلم من الآخرين ونقل التجارب.
> تعتمد في استمراريتها على قدر عال من الالتزام من قبل المتطوعين ومَن يشاركونهم التجربة من المجتمع.تحديات تواجه العمل التطوعي البيئي
يشهد العالم بأسره مشاكل بيئية كارثية تزداد يوما بعد يوم بسبب الاستغلال غير العقلاني للموارد الطبيعية، إضافة إلى انعدام الوعي والثقافة البيئية من خلال اللامبالاة واللامسؤولية التي يتمتع بها معظم أفراد المجتمع. لاشك أن البيئة هي تراث مشترك للإنسانية وتستحق كل الاهتمام والدراسة، ولهذا يجب المحافظة عليها، وقد أدت حركة التقدم التكنولوجي والصناعي الهائل الذي أحرزته دول العالم المتقدم إلى مشاكل كبيرة مست التوازن البيئي في مختلف مكوناته، وذلك بسبب الاستخدام الواسع للطاقة، وما نتج عنه من كوارث طبيعية وبشرية. والمتتبع لتاريخ الإنسانية بالبيئة اقتصر على الجوانب السلبية، التي برزت في الخضوع شبه التام للظروف الطبيعية، ومع تطور الفكر الإنساني بدأت علاقته بالبيئة تتطور في جانبها الإيجابي، وتتحسن بفضل القدرات الإنسانية على تطويع البيئة، مما أدى إلى بروز صراع كبير مع الطبيعة، ومحاولة الإنسان السيطرة عليها تلبية لحاجاته المتجددة.
من هنا ظهرت الحاجة الماسة إلى إقامة الفِرق التطوعية البيئية وجمعيات النفع العام للمساهمة بالمشاريع الخيرية والقيام بحملات توعوية بيئية لغرس ثقافة حماية البيئة والمحافظة على مواردها. وما لا ريب فيه أن غرس هذه المشاعر والمفاهيم في حياة الناس تجعلهم أكثر قدرة على الإفادة من خيرات بيئتهم ومعطياتها وإمكاناتها، وبالتالي تتيح لهم فرص الترقي والارتفاع في مستوى معيشتهم. وهو في الحقيقة تثقيف للناس لكي يرتفع وعيهم على البيئة واحتياجاتها، ولكي تدفعهم هذه الثقة لإجراء الدراسات الفنية، وإنتاج البحوث العلمية المبتكرة، وتطوير الوسائل والأساليب الناجعة لحماية البيئة والمحافظة عليها من التقهقر وأسباب التلوث. وإن الإنسان الذي يفتقر إلى الإحساس بواجبه في خدمة بلده يكون في حاجة ماسة إلى ثقافة بناءة لغرس روح المواطنة لديه، من أجل أن يبذل كل جهوده وقدراته وحكمته وسائر مواهبه لازدهار وطنه، وأُمته، وخدمة بيئته التي تحتضنه.
وهذا يجعلنا نؤكد أن المحافظة على البيئة أمر مهم يجب أن يحتل مكانة في سلم الأولويات بالنسبة للأهداف التنموية على الصعيد الوطني، ويجب أن يتم في إطار تكاملي وتعاون مشترك، وتنسيق مستمر بين مَن يشعرون بالمصير الواحد من هيئات رسمية وشعبية وجميع الأفراد، يتخطى كل الاعتبارات الأنانية والآراء الشخصية والتوجهات السياسية.
ن الثقافة البيئية تهتم بالتوعية، والتحسيس المستمر لجميع الأفراد مهما كان عمرهم، ومهما كان جنسهم، وأينما تواجدوا، بأهمية البيئة، والمحافظة على المحيط من أجل الحفاظ على صحة الإنسان وكذا وجود وبقاء الكائنات الأُخرى سليمة حفاظا عليها كمكون رئيس وهام في الطبيعة من جهة، وحفاظا على التوازن البيئي من جهة أُخرى.
ولا تتوقف الثقافة البيئية عند هذا الحد، بل تهدف إلى أن يتمتع الأفراد بجمال الطبيعة وسحر المحيط ممّا يؤثر على التوازن النفسي لديهم فتكون علاقتهم بخالق الطبيعة، ومبدع جمالياتها قوية متينة، وعلاقتهم فيما بينهم علاقة محبة ووئام، وتعاون في إطار قيمٍ سامية تؤطرها روح المواطنة.
ولئن كانت هذه من بعض أهداف الثقافة البيئية، فإن التربية البيئية التي عادة ما تكون موجهة إلى المتعلمين في كل مراحل التعليم، وإلى الشبان في دور الشباب والمراكز الثقافية، وعناصر الكشافة والمخيمات التربوية، فإنها تهدف إلى محاربة الجهل بشؤون البيئة، وإلى إعداد أجيال من المتعلمين الواعين بمشاكل البيئة، والقادرين على المشاركة في حلها.