> إعداد: عبد العالي بركات
يعد المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء الذي تنعقد دورته الثانية والعشرون خلال الفترة الممتدة من الحادي عشر إلى الحادي والعشرين فبراير، أبرز تظاهرة ثقافية ببلادنا؛ بالنظر إلى الإشعاع الدولي الذي تحظى به، ويتجلى ذلك بالخصوص من خلال الحجم الكبير لدور النشر المشاركة والحضور الفاعل للأدباء والمفكرين القادمين من مختلف القارات.
بهذا الصدد نفرد حيزا لنخبة من مثقفينا ومبدعينا من أجل الحديث عن نظرتهم الخاصة لهذا الملتقى السنوي الكبير، ومقترحاتهم لتقوية الحركة الثقافية ببلادنا.
الناقد والمترجم حسن المودن
فرصة للتعرف إلى أصواتٍ جديدة:
– بالنسبة إليَّ، المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء هو مناسبةٌ للحصول على بعض العناوين غير المتداولة في مكتباتنا المغربية، وفرصةٌ للحضور في بعض الندوات الأدبية والأمسيات الإبداعية، وللتعرف إلى أصواتٍ جديدةٍ في آدابنا المغربية والعربية، وللقاء أصدقائي من الكتاب والشعراء والنقاد وأصدقائي في الصحافة والإعلام والنشر..
من آخر إصداراتي:
ــ يتعلق الأمر بكتابين: الأول صدر سنة 2014 بالأردن تحت عنوان: بلاغة الخطاب الإقناعي، نَحوَ مفهوم نسقيٍّ لبلاغة الخطاب، وهو اليوم من الكتب المغربية والعربية المرشحة لجائزة الشيخ زايد( ضمن اللائحة الطويلة)؛ وهو، على العموم، عملٌ محكومٌ بوعيٍ حادٍّ بمسيس الحاجة إلى ثقافة التواصل والإقناع، لأنها تشكِّل البديلَ الإنسانيَّ عن العنف والتطرّف، فتجديد الصلة بالإقناع ينطوي على إعادة الاعتبار للممارسة الحوارية ولقيم الاختلاف والتفاعل، والتي قد تكون بديلا عن الانهيارات والكوارث وأشكال العنف المميِّزة للمشهد العالمي الراهن. والكتاب الثاني صدر سنة 2015 بمصر، وهو ترجمةٌ لواحدٍ من أهمِّ كتب الناقد الفرنسي بيير بيار وأكثرهم إثارة: الرواية البوليسية والتحليل النفسي، مَــنْ قَتلَ روجيه أكرويد؟؛ ولا تعود أهمية هذا الكتاب إلى أن صاحبه يقرأ الرواية البوليسية -رواية أجاثا كريستي: مَـقْـتــل روجيه أكرويد- من منظورٍ نفسانيٍّ جديدٍ فحسب، بل إنه يتعدى ذلك إلى إعادة كتابة رواية بوليسية من زاوية نظرٍ جديدة مُغايِرة للتي كُتِبَت من خلالها في الأصل، كأنما الناقد بيير بيار يتحول إلى كاتبٍ ثانٍ لرواية أجاثا كريستي؛ وعنوانُ الكتاب دالٌّ على أنَّ بيير بيار يعود بالتحقيق إلى نقطة الصفر، فالقاتل الذي عيَّنه المحقِّـقُ هركيول بوارو في الرواية ليس هو القاتل الحقيقي، ومن هنا لابد من العودة إلى نقطة البداية: مَـن قتل روجيه أكرويد؟، أي لابدّ من محقق آخر(هو بيير بيار نفسه) يُعيد النظر في ملفِّ روجيه أكرويد، وينطلق بحثـًا عن المجرم الذي لم ينله العقاب بعد، كأنما على كلّ قارئ، بعد قراءة روايةٍ بوليسية، أن يمدَّ العدالة بكافة المعلومات التي يكون قد حصل عليها، ولم ينتبه إليها المحقِّـق الأول أو كان قد أخفاها لغرضٍ من الأغراض!
الكتاب المغربي لا يصل إلى كل مناطق المغرب:
ــ لا أملك معلومات كافية عن سياسة دعم الكتاب، لكن على العموم لا يمكننا جميعا إلا أن نشجع كلَّ مبادرةٍ تسعى إلى تطوير فكرة هذا الدعم، وخاصة إذا تضافرت جهود كل المؤسسات المعنية، الرسمية وغير الرسمية، من أجل إيجاد حلول لمسائل أساس: بعضها يتعلق بحقوق المؤلِّـف، فالكاتب المغربي لا يحصل على التحفيزات المادية والرمزية التي تشجعه على مواصلة البحث والإبداع؛ وبعضها يتعلق بنوعية المنتوج وجودته وخاصة إذا حصل على الدعم (نوعية الورق، الإخراج الفني للكتاب..)؛ وبعضها يتعلق بسوء التوزيع وكلفته العالية، فالكتاب المغربي لا يصل إلى كل مناطق المغرب، وإلى كل المكتبات التجارية، وإلى مكتبات المؤسسات الثقافية والجامعية والمدرسية.. ومؤسساتنا المعنية بالكتاب لا تفكر في آليات تسويق الكتاب المغربي خارج الوطن، مع أنه كتابٌ مطلوبٌ في البلدان العربية.. وخاصة في الفكر والفلسفة والنقد الأدبي والترجمة والإبداع..
حان الوقت لإعادة النظر في جائزة المغرب للكتاب:
ــ أفترض أنه حان الوقت لإعادة النظر في جائزة المغرب للكتاب. أولا، ربما لابد من إعادة النظر في القيمة المادية والرمزية لهذه الجائزة( الرفع من قيمتها المادية، والتفكير في صيغ أخرى للرفع من قيمتها الرمزية: ندوات صحافية للتعريف بالإنتاجات الفائزة، برامج إعلامية احتفاء بالكتَّاب الفائزين، تنظيم ندوات ثقافية حول هذه الإنتاجات بالمؤسسات الثقافية والإعلامية والجامعية والمدرسية..)؛ ثانيا، يبدو من الضروري إعادة النظر في آليات الترشح، وفي معايير القراءة والتقييم..؛ ثالثا، قد يبدو اليوم من الضروري تخصيص جائزة للمؤلِّـف على مجموع أعماله، وجائزة خاصة بالشباب من المبدعين والنقاد والباحثين، وذلك لأن المؤلِّفين المغاربة ينتمون إلى أجيال مختلفة، والتوازن يقتضي أن نكرِّم في كل سنةٍ اسما من الأسماء المعروفة التي أغنت المكتبة المغربية بمؤلفاتها، وأن نشجع في الوقت نفسه صوتا متميزا من الأصوات الجديدة والواعدة؛ رابعا، لابد من إنصاف بعض الأجناس الأدبية، من مثل القصة القصيرة والسيرة الذاتية والمسرحية، ففي جائزة السرد غالبا ما تفوز الرواية، مع العلم أن القصة القصيرة تعرف ازدهارا كبيرا ببلدنا.
الناقد المسرحي سعيد الناجي
المعرض تطور بشكل كبير وملحوظ
ــ كان لي الحظ لأتابع وأزور الدورة الأولى لهذا المعرض قبل 22 سنة، وتابعت أغلب دوراته اللاحقة. لقد تطور بشكل كبير وملحوظ، ويكل بالنسبة لي علامة فارقة في ترويج الكتاب والقراءة في المغرب، وذلك بسبب الإقبال الكبير للجمهور عليه، سواء المثقفين أو الكتاب أو الطلبة والتلاميذ. ومن جهة أخرى، إنه مناسبة مهمة لتسويق الثقافة والكتابة المغربيين، وتعرفهما على ثقافات أخرى، وهنا أسجل استضافة هذه الدورة لدولة الإمارات العربية المتحدة كانفتاح على تجارب جديدة في الكتابة والتأليف تخرج عن تركيزنا الدائم على أوروبا.
استراحة مؤقتة من النقد والبحث المسرحيين
ــ ستصدر لي قريبا بدعم من وزارة الثقافة مسرحية “فتنة” هي استراحة مؤقتة من النقد والبحث المسرحيين، وتأمل تخييلي درامي للإرهاب. المسرحية تتفاعل تخييليا مع الإرهاب من خلال قصة زوجين تنهار علاقتهما العائلية بعد أن راحت ابنتهما ضحية تفجير إرهابي في أحد النوادي اصطحبها معه إليه أبوها، وفيما نجا هو من الانفجار استشهدت الفتاة الصغيرة. الإرهاب ليس له مخلفات أمنية فقط، ولكن مخلفات نفسية واجتماعية عميقة ينبغي التفكير فيها دوما. هذه محاولة للتفاعل الدرامي مع الإرهاب بعيدا عن الكتابة التوثيقية أو كتابة البوح. منذ أحداث ماي 2003 وأنا أتساءل عن حدود مسؤولية الكتابة الإبداعية والدرامية في تمثل أحداث العنف والإرهاب التي أصبحت شبه لغة عالمية عصرية.
دمقرطة استفادة الكاتب المغربي من الدعم العمومي
ــ سياسة دعم الكتاب التي تنهجها وزارة الثقافة هي نوع من دمقرطة استفادة الكاتب المغربي من الدعم العمومي، بدل ما كان رائجا سابقا من إقدام الوزارة لنشر الكتاب دون تقنين. واعتقد أن الوزارة عليها أن تحمي الكاتب المغربي من خلال تقنين التوزيع ودعمه، وتقنين حقوق الكاتب من خلال تحديد نسبة معقولة من الأرباح.
حتى يكون هناك انسجام في جائزة المغرب للكتاب
ــ أعتقد أن تخصيص جائزة للسرديات والمحكيات تدمج الرواية والقصة والمسرح هو تصنيف عام جدا، مقابل تخصيص جائزة للشعر وحده، لهذا ربما يمكن التمييز بين جائزة للمسرح الروائي وأخرى للمسرح حتى يكون هناك انسجام. لا ينبغي أن ننسى أن المسرح كان هو أول فن أدبي حديث ظهر في المغرب قبل الرواية والقصة وغيرها من فنون الحكي، ولعب دورا هاما في تحديث أشكال الكتابة والتأليف بالمغرب، ومن الواجب تخصيص جائزة خاصة له.
وأخاف أن نجد أنفسنا أمام حركة ثقافية تنتظر الدعم العمومي فقط
ــ الثقافة المغربية لحد الآن تعتمد كثيرا على مفهوم “الدعم” (دعم الكتاب، دعم المسرح، دعم الموسيقى…) وأخاف أن نجد أنفسنا أمام حركة ثقافية تنتظر الدعم العمومي فقط، ولا تتوقف عن الاحتجاج على لجن الدعم المتتالية إن لم نكن فعلا وصلنا لهذا الحد. ولهذا ضروري في تقديري الانتقال من مفهوم الدعم إلى مفهوم الإنتاج عبر تهييء بنيات إنتاج قارة، تخلق سوقا للرواج الثقافي. هذا المشروع ينبغي أن تقوم به وزارة الثقافة عبر مخطط وطني، ولكن لا بد أن تساهم فيه وزارات الخارجية والسياحة والتعليم العالي والتربية الوطنية والهجرة، لأن الحركة الثقافية تمس مجالات عملها مباشرة.
إن الإشارة القوية للتصويت بالإجماع على قانون الفنان في البرلمان، واتفاق الأغلبية والمعارضة، تعني أن المجال الثقافي والفني لايطيق الرؤية السياسية الضيقة، وينبغي أن يبقى بعيدا عن التقاطبات السياسية وهذا هو المدخل الحقيقي لتأهيل القطاع الثقافي والفني.الأديب ياسين عدنان
المعرض إعلان فعلي عن الدخول الثقافي
ــ معرض الدار البيضاء يشكل بالنسبة لي وبالنسبة لكل الأدباء والمثقفين المغاربة الإعلان الفعلي عن الدخول الثقافي. فالدخول الثقافي في بلادنا يتأخر عمليا إلى لحظة المعرض. فكما تلاحظون كل الناشرين الأساسيين يدّخرون أعمالهم الجديدة إلى المعرض. أهم المواعد الثقافية تحاول أن تجد لها موطئ قدم في المعرض للاستفادة من التغطية الإعلامية التي تخصص له. مثلا لاحظوا جائزة أركانة مثلا كيف صار بيت الشعر يدرجها ضمن فعاليات المعرض. عبد اللطيف اللعبي اختار الإعلان عن تأسيس مؤسسة اللعبي من أجل الثقافة خلال المعرض. إنه فعلا التظاهرة الثقافية الأكثر أهمية في المغرب اليوم.
كتابان مع بداية السنة الحالية
ــ أصدرت مع بداية هذه السنة كتابين اثنين. كتاب “شهرزاد المغربية” الذي قمت بإعداده وتحريره إثر وفاة الراحلة العزيزة فاطمة المرنيسي وقدمته لأول مرة يوم أربعينية الراحلة. وهو الكتاب الذي صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر الحاضرة في المعرض. ثم هناك روايتي الأولى “هُوت ماروك” التي صدرت عن دار الفنك. وهي عمل روائي حرصت على تنظيم حفل توقيعه برواق الفنك في المعرض.
خطوة أساسية لترسيخ الدينامية
أعتقد أن سياسة دعم الكتاب خطوة أساسية لترسيخ الدينامية التي يعرفها سوق الكتاب والنشر في بلادنا. فقط يجب التأكد من أن هذا الدعم الموجّه لحد الآن للناشر بالأساس، يجب أن يستفيد منه الكاتب بدوره. لأن أوجه استفادة الكاتب من الدعم غير واضحة لحد الآن. ثم هناك القارئ أيضًا، الذي يجب أن يكون المستفيد النهائي من دينامية الدعم. لأنني أحيانا أفاجأ بناشرين يصدرون كتبا مدعومة من طرف وزارة الثقافة، وأخرى غير مدعومة – من نفس الحجم وتقريبا بنفس عدد الصفحات- ويطرحونها بنفس الثمن. لهذا من حق القارئ أن يتساءل: أليس من حقه هو الآخر الاستفادة من الدعم؟
الموقع الطبيعي لجائزة المغرب للكتاب هو المعرض
ــ أنا مقتنع تماما بأن الموقع الطبيعي لجائزة المغرب للكتاب، هو معرض الكتاب وإرجاؤها إلى موعد لاحق سيكون على حساب إشعاعها وقيمتها. عموما قبل قليل لفتت الانتباه الى حرص بيت الشعر على نقل جائزة أركانة إلى المعرض للاستفادة من إشعاعه. دون أن ننسى أن أهم الجوائز في العالم العربي تحاول الاستفادة من معارض الكتاب في بلدانها للحصول على إشعاع أقوى. أعطيك على سبيل المثال جائزة البوكر للرواية العربية وجائزة الشيخ زايد التي يحرص منظّموهما على ربطهما بدينامية معرض أبو ظبي للكتاب. لهذا شخصيا أتصوّر أن إخراج هذه الجائزة من المعرض سيضعفها. ولو أن نظام الجائزة عموما في حاجة إلى ضبط وربط لكي يكون لها معنى ووقع على القارئ سواء داخل المعرض أو خارجه.