المغرب والقدس

خرج مصري يدعى مختار الكسباني، يعمل مستشارا لرئيس المجلس الأعلى للآثار، في تصريحات إعلامية ليطالب بما أسماه “سحب ملف القدس من المملكة المغربية، ووضعه في أيدي دولة إسلامية قوية ذات علاقات دولية متينة مثل تركيا…”.
وكعادة كثير من إخواننا “الخبراء” المصريين على الفضائيات، أطلق صاحبنا العنان للسانه ليقول بأن المغرب “لا يتمتع بأي ثقل سياسي، وأن علاقاته بالاتحاد الأوروبي ومنظمة اليونسكو (حتى هي) محدودة، وأنه يواجه تحديات داخلية وخارجية”، داعيا إلى “تضافر جهود جميع الدول الإسلامية مع تركيا لتتولى هذا الملف”، ثم زاد أن تركيا، برأيه، لديها مصالح مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن تمارس من خلالها ضغوطا لوقف خطط تهويد القدس.
السؤال المباشر هنا، ولماذا لم تمارس تركيا هذه الضغوط ياسيدي؟ هل المانع فقط أنها لا تتولى رئاسة لجنة القدس؟
فعلا هذه هي التبسيطية عندما تصل إلى دركها الأسفل.
الآن، هل  ما عبر عنه هذا الكسباني مجرد رأي شخصي، وهنا نضعه ضمن  أصحاب “اللسان الطويل والذراع القصير”، ونقرأ السلام لـ”كلامجية التلفزيون” وانتهى الأمر؟ أم أنه مكلف بمهمة وينطق باسم غيره، وهنا الأمر يستحق بعض نقاش.
الأمر يتعلق هنا، بكارثة المحاور والأحلاف العربية التي عمقت، طيلة عقود، الجرح الفلسطيني، وتميز المغرب دائما، دولة وشعبا، بممارسة دعم مختلف للقضية الفلسطينية، وعندما انتهى زمن الحرب الباردة، بقي النظام الرسمي العربي وفيا لانقسامه ولصراعات محاوره، حتى وصلنا اليوم إلى “دول الممانعة ودول الاعتدال”، ومرة أخرى بقي المغرب وفيا لنهجه الدائم تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته المركزية التي اعتبرها المغاربة دائما قضيتهم الوطنية قولا وفعلا ومن دون مزايدات أو وصاية أو منطق فصائلي ضيق.
التمهيد اليوم بمثل ما قاله الكسباني حول رئاسة لجنة القدس، يندرج في عمق  عقلية المحاور، والتي أصبحت تتخيل سيناريوهات لا تقنع سوى قصير العقل والنظر، كأن تسند مثلا قيادة “الدول الثورية الممانعة” لإمارة خليجية، وتوسع دائرة “القوميين الجدد” لتضم إيران أحمدي نجاد وتركيا أردوغان، فقط لأن هذا الأخير قام ذات يناير 2009 بتقريع شمعون بيريز في منتدى دافوس أمام كل كاميرات العالم، وغادر المؤتمر غاضبا، ثم عاد لقمة العرب وألقى خطابا “ناريا” ضد إسرائيل…
تأملوا عناصر هذه الكثيبة الضاربة التي  يريدها أمثال الكسباني أن تقود العرب والفلسطينيين إلى النصر الأكبر…
أيها  الناس، ارفعوا وصايتكم عن فلسطين وأهلها، وابحثوا في دواخلكم عن … العقل.
أما المغرب، فلم يذهب إلى  القدس باحثا عن زعامة أو عن حلف، بل ذهب ملبيا نداء الذات والوجدان المغربيين المرتبطين منذ قدم التاريخ بالقدس…
المغرب المقدسي..
اقرؤوا التاريخ، واسألوا أهل القدس الطيبين..
ودعونا من بقية الكلام..

Top