شهدت مدينة مراكش، من 4 إلى 8 يوليوز الجاري، تقديم عروض فنية شعبية من قبل فرق ومجموعات قدمت من مختلف الجهات المغربية، للمشاركة في الدورة 53 للمهرجان الوطني للفنون الشعبية (FNAP).
بات لهذا المهرجان الذي تنظمه سنويا جمعية الأطلس الكبير، تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، قاعدة جماهيرية عريضة وقارة، كما يستهدف الزوار الأجانب للمدينة الحمراء، حيث كانت تشهد منصات العرض الفني بكل من المسرح الملكي، قصر الباهية، ساحة جامع الفنا وساحة الحارثي، حضورا جماهيريا مكثفا لمختلف الفئات العمرية.
واهتدت مؤسسة المهرجان خلال هذه الدورة التي استضافت الصين، إلى تعزيز البرنامج بفقرات فنية موسيقية من تنشيط نعمان لحلو، نصر ميكري وفؤاد الزبادي، الذين قدموا أغاني موسيقية أصيلة، تحيل على ارتباط الإنسان المغربي بالأرض والهوية والتراث والتاريخ الثقافي المحلي.
الحنين إلى الأصل، كان يجذب الجمهور بشكل تلقائي نحو اللون الشعبي للمنطقة التي كانت بها الصرخة الأولى، إلى جانب التفاعل مع الإيقاعات الموسيقية عبر اللعب بالكتف، أو التصفيق، أو التهليل (عيساوة)، وهو ما كان يبين مدى الانسجام الحاصل بين الذات المتفرجة وأداء الفرق الفنية الشعبية.
الجلوس أمام منصة العرض، لا يعني، الاستمتاع بالإيقاعات والأهازيج الموسيقية فقط، وإنما العودة إلى الذاكرة والتاريخ، المجسد في طبيعة اختيار الأزياء وألوانها، والإكسسوارات التي تزين اللباس الموحد، إلى جانب توظيف المعدات الخاصة بضبط الإيقاع، والتي يكون مصدرها الأشياء الطبيعية.
وتعي الفرق الفنية أهمية هذه الرموز في الحفاظ على هذا التراث اللامادي للمناطق التي ينتمون إليها، سواء أثناء المشاركة في المهرجان الوطني للفنون الشعبية، أو بأداء الرقصات التي لها ارتباط كبير بـ”الحرب”، أمام الجمهور الدولي في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية واليونان، وقطر والإمارات العربية المتحدة وغيرها.
وأكثر ما تداولته كواليس المهرجان هذه السنة، هو هاجس الخلف الذي يشغل، فعلا، بال رؤساء الفرق الفنية الشعبية، التي بدأت تدمج مع كل مرة أعضاء وعضوات جديدات، للتمرس أكثر على الرقص والاحتكاك ميدانيا بالمنصات والجمهور، إيمانا بضرورة الحفاظ على هذا الموروث الثقافي الوطني.
وعاينت جريدة بيان اليوم حضور الأطفال الصغار ضمن الفرق الفنية الشعبية، القادمة من دواوير ومداشر مختلفة من المغرب، حيث يتدربون على الإيقاعات الموسيقية، ويتعلمون فن الانضباط داخل الفرق التي يكون على رأسها، رؤساء خبروا اللون الشعبي الذي يقدمونه.
ويساهم المهرجان الوطني للفن الشعبي بمراكش في التعريف بهذه الفرق التي دأبت على الحضور لدوراته منذ بداياته الأولى، كما يتم الانفتاح على فرق جديدة، بوجوه شابة، شغوفة بالأداء الموسيقي الخاص بمنطقتها.
وأشار محمد الكنيدري مدير FNAP في حوار مع جريدة بيان اليوم إلى أن مشاركة الفرق الفنية في المهرجان، أصبحت تتم عن طريق مندوبيات وزارة الثقافة، التي تقترح أسماء مجموعات تقدم أداء موسيقيا جيدا.
ويؤكد محمد الكنيدري أهمية الحفاظ على هذا التراث من خلال الدعم المستمر وإقامة مهرجانات محلية في الجهات، ناهيك عن التفكير في تنظيم معارض فنية أو تشييد متحف خاص بالفرق الموسيقية الشعبية، إبرازا لغنى وثراء الثقافة المغربية.
وتعد الموسيقى الفنية الشعبية من الأشكال الثقافية التي تصون الهوية الجماعية، نظرا لجذورها الممتدة في التاريخ والجغرافيا الوطنية، ذلك أن تشابه الأسماء كـ “أحواش” أو “تيسكيوين”، لن يكون بالضرورة أداء رقصة واحدة أو ارتداء زي موحد وإنما تنفرد كل منطقة بخصوصيتها في طريقة الرقص، واختيار بذلة الفرقة وألوانها.
وداخل هذا الفسيفساء الموسيقي، تبرز أكثر التعددية الهوياتية للمغرب، وفي هذا الصدد، تطالب الفرق الفنية بضرورة العناية بهذا الجزء الثقافي، استنادا إلى تنظيم مهرجانات محلية، وحفظ الذاكرة وصونها من الضياع عبر التوثيق والأرشفة، والتفكير في تعليم الناشئة هذا الفن التقليدي في معاهد ومدارس خاصة، كما هو الحال مع الفنون العصرية.
الجلوس أمام منصة المهرجان الوطني للفنون الشعبية، لمشاهدة العروض الفنية الشعبية، يعكس الشيء الكثير بالنسبة للجمهور، الذي يضمن فرجة فنية رفيعة، بحكم المستوى الفني للفرق المشاركة، لهذا كانت الجماهير تضبط عقارب الساعة بشكل جيد، لحجز المقاعد بشكل مسبق.
وتوضح هذه الصورة التي كانت تتكرر بجميع المنصات الفنية، أنه رغم ظهور ألوان موسيقية حديثة، إلا أن الفنون الشعبية، تحتفظ لنفسها بطابع خاص، يجسده التفاعل مع العروض، من خلال الرقص والتصفيق والتقاط صور لتوثيق اللحظة وتقاسمها مع أفراد العائلة، الذين لهم ارتباط حميمي ببعض الفرق التي تحيل على الجذور والأصول والهوية.
ويدفع الحماس الجماهيري بمنصات المهرجان الوطني للفنون الشعبية بمراكش، الفرق الموسيقية إلى رفع إيقاع أدائها بشكل سخي، فأن ترقص بمراكش معناه أن تزيد من منسوب “السعادة” و”الفرجة” بين ساكنة المدينة وزوارها المغاربة والأجانب.
ويتخذ الإيقاع الموسيقي عدة أشكال في الرقصات الفنية الشعبية المغربية، ومصدرها الأول، الجسد، هذا الجسد الذي يرقص بالرجلين واليدين والكتفين، وينضبط لتوجيهات قائد الفرقة الذي يحدد بداية “حكاية” الرقصة ونهايتها.
ولا يخلق المهرجان الوطني للفنون الشعبية، الفرجة بمراكش فحسب، وإنما له أبعاد اقتصادية أيضا، لأنه يشجع على زيارة المدينة الحمراء ويضمن بقاء زوارها لأطول مدة ممكنة، بفعل جمالية الفلكلور الذي تضفيه الفرق الشعبية على منصات العرض بالمدينة.
يذكر أن المهرجان الوطني للفنون الشعبية، استضاف هذه السنة، أزيد من 700 فنان، ينتمون لحوال 30 فرقة شعبية، قدمت من مختلف المناطق: واد زم، تارودانت، إيمنتانوت، ورزازات، قلعة مكونة، تافراوت، تاوريرت، وجدة، دمنات، زاكورة، فاس…
مراكش: يوسف الخيدر
تصوير: احمد عقيل مكاو
طه ياسين شامي