الناقد الأدبي أحـمـد زنـيـبـر: لا مجال للتشاؤم بخصوص مستقبل الكتاب الورقي

دعيت خلال الدورة الأخيرة للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، للمشاركة ضمن برنامجه الثقافي، بعد غياب أكثر من خمس سنوات عن المشاركة، لتقديم لحظة احتفائية بالديوان الشعري الفائز مناصفة بجائزة المغرب للكتاب 2019. ويتعلق الأمر بديوان “لا أوبخ أحدا” للشاعر مصطفى ملح. وهي لحظة نقترب فيها من عوالم الشاعر الإبداعية ونحاوره في ما تضمنه عمله الفائز. ولعل الحديث عن طبيعة الموضوعات الشعرية ونوعية التقنيات التعبيرية التي استند إليها الشاعر، مفهوما وممارسة، هي من بين النقط الأساس التي عملنا على إثارتها في هذا اللقاء المفتوح على الشعر والجمال.

****

جديدي لهذه السنة 2020 إصدار نقدي بعنوان “الكتابة والرؤية” يقع في ثلاث مائة وثلاثين صفحة يُعْنى بدراسة الأدب المغربي في مختلف أجناسه التعبيرية والكتابية. وهي عناية تنطلقُ من رؤية ثقافيّة تروم استجلاء ما يُميّز متنه، القديم منه والمُعاصر، من نبوغ فكري وفني يعكسان حضوره وذيوعه. وقد اخترتُ الاشتغال وفـق تصور منهجي يرى في الأدب المغربي وحدة مُتكاملة يتقاطع فيها وداخلها ثالوث أجناسي يتمثـل في الشعر والسرد والنقْد. ووفق ذلك قسم الكتاب إلى ثلاثة فصول تحليلية.

****

بخصوص تجربتي الأدبية، هي تجربة لا تدعي الاكتمال أبدا، بحكم طبيعة الاشتغال الدائم والمتجدد بتجدد الأدب. لكن بالإمكان تقسيمها إلى ثلاث محطات رئيسة. تتمثل الأولى في مزاولة الشعررؤية وكتابة إلى جانب نصوص تأملية مفتوحة،وقد أصدرت ديوانين هما: “أطياف مائية” و”حيرة الطيف” وأتهيأ،بعد فترة من التأمل والاختمار القرائي، لإصدار ديوان جديد خلال هذه السنةإن بقي في العمر باقة شعر. أما الاشتغال بالبحث والنقد فلا أحسبهما يتوقفانإلا لينطلقا من جديد، بحكم الإدمان على قراءة الأدب ومطالعته في مختلف أجناسه، وهو أمر يستهويني كثيرا وقد اعتبرته مشروعا علميا يتجه إلى خدمة الأدب المغربي من خلال مساءلة كُـتابهومبدعيه في ما يقترحونه من قضايا وموضوعاتٍ وفي ما يقترفونه من طرائقَ وتقنيات جديدة في التعامل مع المكتوب، فصيحا أو دارجا. وفي هذا السياق كنت أصدرت ستة كتب منها “المعارضة الشعرية عتبات التناص في القصيدة المغربية” و”قبعة الساحر قراءات في القصة القصيرة بالمغرب” و”جمالية المكان في قصص إدريس الخوري” و”مديح الصدى دراسات في أدب الغرب الإسلامي” والانحياز إلى القصيدة قراءات في المتن الشعري الحديث بالمغرب” ثم في “الغابة اللامرئية قراءات في القصة العربية المعاصرة”. وكلها كتب تعكس ذائقة أدبية ومنهجية كما تحمل رسالة تجسد دينامية الأدب المغربي ومكانته بين الآداب الأخرى. وبين هذا وذاك اشتغال بالثقافة الشعبية والبحث في مجال التربية. أرجو أن أكون موفقا والكلمة الأخيرة للقارئ والمتلقي طبعا.

****

الأكيد أن الأدب المغربي المعاصر عرف طفرة نوعية منذ سنوات، من حيث التراكم الذي نلاحظه في عدد المنشورات الشعرية والروائية والمسرحية وغيرها، أو في جودة هذه الأعمال التعبيرية التي تمتح من مرجعيات متعددة عربية وغربية. وهو ما يجعل هذا الأدب يعيش نشاطا وحيوية تجعل أمر تتبعه ومصاحبته نقديا أمرا مطلوبا لاختبار ديناميته الفكرية والإنسانية في أبعادها وتجلياتها المختلفة.

****

في إطار الدينامية التي تحدثت عنها سابقا، يشكل هذا الأمر ظاهرة صحية تعكس حركية الفكر المغربي وحاجته المستمرة للتطوير. وما الأشكال الجديدة مثل القصة القصيرة جدا والهايكو وغيرهما من المستحدثات الأدبية في مجالي الشعر والسرد سوى دليل على إيقاعية الحياة ورفضها للرتابة ولكل ما هو نمطي. غير أن الأمر لا يسلم من بعض الملاحظات، أعتقد أن مكانها يتجاوز هذا الحوار القصير إلى الدراسة ومباشرة النصوص بالتحليل.

****

بداية لابد من تأكيد الوظيفة الكبرى التي باتت تقوم بها التكنولوجيا الحديثة بما فيها عالم الأنترنيت وما وفره من إمكانيات الولوج إلى المعلومة وتحميل الكتب والمجلات أو اقتراح صناعة جديدة لنشر الكتاب، عبر الرقمنة لا الأوراق وغيرها من الإيجابيات. غير أن هذا الاكتساح المهول لا ينبغي أن يدفعنا إلى التشاؤم بخصوص الكتاب الورقي، إذا كنا قادرين على أن نستفيد منهما معا: الرقمي والورقي. فإلى جانب النشر الرقمي لا يزال هناك من يلجأ إلى النشر الورقي ومن يصاحب الكتاب في حله وترحاله، وأنا واحد منهم.

Related posts

Top