انتخابات مجلس المستشارين: وماذا بعد؟

لم تخل انتخابات مجلس المستشارين، التي جرت أول أمس الثلاثاء، من غرائب، وتتناقل مواقع التواصل الاجتماعي ومختلف مجالس الحديث عديد حكايات ووقائع من مناطق كثيرة، كان أبطالها هؤلاء «الناخبين الكبار».
لقد كشفت نتائج الاقتراع عن فوز مرشحين لم تنل أحزابهم أصلا في اقتراع ثامن شتنبر العدد الكافي من الأصوات الذي يؤهلهم لكسب مقعد الغرفة الثانية، وفي بعض الجهات وصل الفرق في ذلك إلى مئات الأصوات، وصار السؤال المطروح هو من أين جاءت كل هذه الأصوات؟ وكيف تمت عملية منحها للمرشح المرغوب؟
وطبعا هذا المعطى تحقق نتيجة معطى آخر يقابله، وهو أن «ناخبين كبار» لم يصوتوا لمرشحي أحزابهم، أي صوتوا لآخرين غيرهم، وهنا أيضا يطرح ذات السؤال المزدوج أعلاه:
كيف حدث ذلك؟ وبأي مقابل تم ترحيل هذه الأصوات؟
انتخابات الغرفة البرلمانية الثانية بقيت دائما متسمة بتفاقم الرشاوى والفساد وشراء الأصوات، وبقيت هذه «السوق»، تعرف رواج مبالغ فلكية من لدن المرشحين و»الشناقة» لتجميع الأصوات، وهذه السنة ازدادت هذه الممارسات فضائحية، وبات الصوت، في عرف ومعجم أباطرة هذه الانتخابات، يسمى (الآجور)، ونشط السماسرة في شراء وحيازة (الياجورات)، وتحدثت الأخبار عن مبالغ مالية ضخمة صرفت من أجل ذلك…
مرة أخرى يصفعنا اقتراع خامس أكتوبر بتفشي ظاهرة اختراق المال للعملية الانتخابية، ويحذرنا من المستقبل، ومن افتقاد انتخاباتنا ومنظومتنا السياسية والمؤسساتية والتمثيلية للمعنى السياسي، ولمنطق الالتزام والمسؤولية، وهو ما يزيد في تدني مستوى الثقة لدى شعبنا وشبابنا.
غرائب انتخابات مجلس المستشارين، برزت، خصوصا، وسط فئات الجماعات المحلية ومجالس الجهات والغرف، وكون الاتفاقات تجري في الخفاء وضمن تقنيات واحتياطات محكمة لحيازة (الياجور)، فإنه يصعب كشف الرشاوى بسهولة، لكن تحليل النتائج المعلن عنها، واستعراض قوائم الفائزين وخرائط الأصوات ومصادرها وروافدها، يجعل المسارات واضحة، والمخططات جلية أمام الجميع…
ليس المهم اليوم الوقوف عند الترتيب والنسب وعدد المقاعد، ولكن الأكثر أهمية يبقى هو مستقبل بلادنا، ودور مجلس المستشارين، ومستوى التركيبة العامة للغرفة البرلمانية الثانية، وأدوارها المستقبلية، وأثر ذلك على تطور ممارستنا البرلمانية ومنظومتنا المؤسساتية…
بعد أن ينتهي الانتشاء بالانتصارات، وينطلق عمل المؤسسات، على بلادنا أن تفكر جديا في كامل منظومتنا الانتخابية والتمثيلية، وفي مسارنا الديمقراطي، وفي حاجة البلاد إلى تطوير مشهدها السياسي العام، وتفادي أي تراجع عن المكتسبات الديمقراطية والسياسية والحقوقية..
لنفكر في مآل كل ما يجري حوالينا، ولنتمعن في الغرائب التي كرستها مختلف استحقاقاتنا هذا العام، وإلى أين ستقودنا في النهاية…
نتمنى التوفيق للذين فازوا، ونأمل التقدم لبلادنا وشعبنا.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top