تكريما لروحه الطاهرة واعترافا بما قدمه من خدمات جليلة لإدارته ، خصص مهرجان سلا الدولي لفيلم المرأة في دورته العاشرة حيزا من برنامجه لتذكر مصطفى المسناوي ، الناقد السينمائي العربي الكبير ، وتسليط بعض الأضواء على عطاءاته المتنوعة من خلال لحظتين أساسيتين : الأولى في حفل الافتتاح ليلة الجمعة الماضي.
ولم يفت إدارة المهرجان أن تخصص حيزا من ” دليل ” أو ” كاتالوغ ” الدورة العاشرة لتقريب المسناوي من ضيوف المهرجان عبر نص جميل نقتطف منه ما يلي :
” الراحل مصطفى المسناوي هو رسول السينما المغربية إلى المشرق العربي بامتياز ، وهو رسول كل المدارس والإتجاهات من مختلف أجيال السينما العربية إلى المغرب . بهذا المعنى ظل الراحل مصطفى المسناوي ، في صمت ونكران للذات ، طاقة إيجابية لنسج العلائق الثقافية ، عبر ثقافة السينما ، بين المغرب والمشرق . وهذا عمل جبار من المفروض أن تضطلع به مؤسسات ، إلا أنه نجح وهو الفرد الأعزل في ترك أثر واضح بإيجاب بين الضفتين . بل ، إنه توفي في أعز بلاد الدنيا لديه ، القاهرة ، مثلما يسقط المحارب في ساحة المعركة ، معركة من أجل الثقافة والفن والسينما والمعرفة البناءة والخصبة والمنتجة .
إن ميزات أخينا وصديقنا الراحل مصطفى المسناوي ، الذي كانت له أياد بيضاء في ترسيم وترسيخ تجربة مهرجان سينما المرأة بسلا ، تجد سندها في ما تأسست عليه شخصيته كمثقف مغربي ، أي مجال تكوينه الفلسفي ، وأيضا تجربته السياسية الغنية منذ كان طالبا بكلية الآداب بالرباط ، واعتقاله لمدة سنتين في مطلع السبعينات من القرن الماضي ، مثلما تجد مرتكزها في رؤيته الخاصة للحياة ، المتأسسة على الفرح والفرح والفرح .. الفرح بالإنسان في المقام الأول والأخير … “
ولمزيد من المعطيات حول الراحل مصطفى المسناوي وبعض انشغالاته الفنية والثقافية نقترح الورقة التالية :
لم يكن مصطفى المسناوي (الدار البيضاء 1953 – القاهرة 2015) ناقدا سينمائيا وتلفزيونيا متميزا فحسب ، بل تشعبت اهتماماته الثقافية والإبداعية لتشمل حقول الأدب والفلسفة والعلوم الإنسانية والصحافة والتعليم والإدارة الفنية للمهرجانات (مهرجان سلا الدولي لفيلم المرأة نموذجا) والإشتغال في لجن التحكيم (رئيسا أو عضوا) ولجنة انتقاء الأعمال التلفزيونية ولجنة دعم الإنتاج السينمائي الوطني وتسيير الندوات الفكرية والفنية أو المشاركة فيها وغير ذلك .
لقد اجتمع فيه ما تفرق في غيره ، فثقافته السينمائية الرصينة التي راكمها بمجهوده الشخصي داخل حركة الأندية السينمائية (في السبعينات والثمانينات بشكل خاص) وخارجها ، عبر اطلاعه الواسع على أدبيات السينما ومشاهداته المنتظمة لمختلف الأفلام السينمائية الدولية والعربية والمغربية ، أهلته ليصبح واحدا من نقاد السينما العرب الوازنين ومكنته من التواجد في أهم المهرجانات السينمائية العربية (القاهرة ، الإسكندرية ، قرطاج ، دبي ، مراكش …) والغربية (كان ، البندقية ، برلين …) وعلى صفحات أهم المجلات والدوريات السينمائية العربية والمغربية ، وأسعفته كذلك في كتابة مقالات عديدة حول الأفلام التي شاهدها وإنجاز دراسات حول جوانب من تاريخ السينما العربية (كتابه : أبحاث في السينما المغربية ، نموذجا) وحول بعض التجارب السينمائية الرائدة ومبدعيها .
ليس غريبا إذن أن تكون للراحل المسناوي اهتمامات متعددة ، فهو خريج شعبة الفلسفة (أم العلوم) بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط سنة 1977 ، ومبدع في مجال القصة القصيرة ، تشهد على ذلك مجموعته القصصية الأولى ” طارق الذي لم يفتح الأندلس ” (بيروت 1976) والثانية ” أحلام الشاهد السبعة ” (صدرت منذ ثلاث سنوات) وقصصه الأخرى التي لم تنشر بعد ، وممارس لتدريس الفلسفة بالتعليمين الثانوي (ثانوية إبن زيدون بالدار البيضاء) والجامعي (كلية الآداب بن مسيك بالدار البيضاء) بعد حصوله على دبلوم الدراسات المعمقة ، وصاحب قلم قل نظيره في مجال الكتابة الساخرة (عموده الصحفي الشهير ” يا أمة ضحكت … ” بجريدتي ” الإتحاد الإشتراكي ” (أواخر التسعينات) و ” المساء ” ، الذي نشرت عينة من نصوصه في كتيب بنفس العنوان ضمن سلسلة ” شراع ” للإعلامي الكبير خالد مشبال ) ، وكاتب سيناريوهات سلسلات تلفزيونية كوميدية ناجحة من قبيل ” قنال 36 ” و ” سير حتى تجي ” … ، ومترجم كتاب لوسيان غولدمان (حول المنهجية في سوسيولوجيا الأدب) وكتاب الطاهر لبيب (حول سوسيولوجيا الغزل العربي) ونصوص أخرى … ، ومساهم في إطلاق وإدارة تجارب رائدة في الصحافة الثقافية والفكرية والتربوية من قبيل : مجلتي ” الثقافة الجديدة ” (أدبية وفكرية وفنية متنوعة) و ” بيت الحكمة ” (خاصة بترجمة نصوص في العلوم الإنسانية لكبار المفكرين) و” الجامعة ” (جريدة أسبوعية خاصة بتلاميذ البكالوريا) …
كل هذه الإهتمامات يصب بعضها في البعض الآخر ، فهي متداخلة ومتكاملة فيما بينها ، أفرزت في النهاية أسلوبا في الكتابة من خصوصياته الوضوح والسلاسة والدقة والعمق الفكري …
إن أفضل تكريم سينمائي للراحل مصطفى المسناوي هو تجميع مقالاته المتناثرة هنا وهناك في مختلف المجلات والجرائد والدوريات المغربية والعربية وغيرها ، والعمل على نشرها في كتب بعد تنقيحها وتصنيفها . وهذا ليس عزيزا على أصدقائه من النقاد وعلى المؤسسات الوصية على قطاع السينما بالبلاد كوزارة الإتصال (التي عمل مستشارا لوزيرها الحالي الأستاذ مصطفى الخلفي) والمركز السينمائي المغربي (الذي شارك في إحدى لجنتي تحكيم مهرجانه الوطني للفيلم بطنجة مطلع 2015 وفي اللجنة السابقة لدعم الإنتاج السينمائي الوطني برئاسة الروائي مبارك ربيع) وعلى المهرجانات السينمائية التي قدم لها خدمات جليلة داخل المغرب وخارجه
تكريم مصطفى المسناوي
الوسوم