ثقافة العشق في ديوان “كاين علاش” للشاعرة المغربية فاطمة بصور

الورقة الأولى: الكتابة الزجلية خارج الصوت الزاجل، إن الكتابة الزجلية لا تتأسس إلا عبر الصوت الزجلي، وأقصد بالصوت الإلقاء الزجلي الذي يضفي على النص بعدا دلاليا آخر، وهاته الميزة لا تكون إلا في المتن الزجلي الذي كان منطقه، الشفهي قبل أن يتحول إلى الكتابي الذي طوق حركيته وجعله يختزل في حروف لها شكلها الخاص، يفرض متابعة قرائية بصرية تتابع خطية القول الدارج المحمول على أعتاب الانزياح والرمز الشعريين، دون وضع النص في سياقه الطبيعي،
الذي هو الإلقاء في بعده الاستعاري والسيميائي. أنا لا أقول بأن الكتابة الزجلية لا تفي بغرض المتعة القرائية ولكن اقصد أن هناك آلية أخرى يختص بها بعض الزجالين خاصة الزجالة فاطمة بصور، الا وهو فعل الإلقاء كفعل مؤسس ومنتج للمعنى، أو كلغة أخرى توظف في عملية بناء المربع الزجلي المكون من الزجال الكاتب، النص المكتوب، الإلقاء، ، النص الشفهي، وداخل هذا المربع نجد قارئين،: 1)قارئ /متلقي للكتابة، هذا القارئ يقوم بقراءة خطية للنص لمتابعة الحروف في تشكلها الزجلي 2)القارئ /المستمع هذا القارئ يحاول إعادة بناء المعنى من خلال الإلقاء انطلاقا من قراءة عمودية ،يوظف من خلالها الصوت،
حركة الجسد، حركة الوجه، التموضع المكاني. في اعتقادي المتواضع وأمام النصوص البصُّورية، لا تكتمل متعتها إلا من خلال منظومة الإلقاء التي تبرع فيها زجالتنا، وخير دليل هو إدراكها المبكر بهاته الخاصية حيث نشرت ديوانها، “كاين علاش”، مرفوقا بقرص مدمج لنفس قصائدها، والذي اعتبرها تجربة متميزة لها ما يبررها.
الورقة الثانية: الرؤية الزجلية في بعدها الوجداني، ثقافة العشق نموذجا. إن المحرك الأساسي لأغلبية النصوص هو ثقافة العشق أو هو الحب كمعطى وجداني، لا تخلو اي قصيدة من توظيفه أو التطرق إليه، لأنه تعبير وجداني يناسب القصيدة ويتلاءم مع التعبير الزجلي، إذا رجعنا إلى الفيلسوف الفرنسي ألان باديو (في كتابه، في مدح الحب، يشير إلى أن الحب وسيلة لإثبات الوجود، وهو مبني على الاختلاف بين الأنا والآخر وهذا الاختلاف هو الذي يؤسس حالة الوجود، بمعنى الحب، يمكن أن يكون رؤية الذات نحو العالم ،ومن خلاله يدرك الإنسان حقيقته كإنسان ناقص يحتاج إلى الآخر المختلف معه،، إذن من خلال هذا التصور، اعتبر بصُّور من الزجالات اللواتي أبدعن من داخل هاته الثقافة، واخترقن كل الطابوهات لامتصاص العمق الجنسي وتحويله إلى طاقة تعبيرية تختزل الرؤية الزجلية عند زجالتنا، فاطمة بصور عندما تتطرق إلى هذا الموضوع كامرأة ،وتلفظ نصها ليكون مشاعا للجميع تكون أمام القارئ المتعدد بتعدد طبيعة ثقافته وحمولته الجنسية، *قارئ عالم : متجرد من الخلفية الشبقية هو قارئ لا ينظر إلى النص كجسد عار بل يعتبره نصا مغلقا، يحتوي على رموز دالة، بعيدا عن الذات البانية له، فيقوم بإعادة التركيب وإعادة التشكيل، دون النظر إلى الخلفيات الميتانصية والتي يمكن أن تشوش عليه. قارئ منفعل: موجه بحمولة شبقية، هذا القارئ يغيب عنه النص، ويحضر جسد صاحبه فيقوم بتأويل الجسد في اتجاه المعاني التي تخدم الجوانب الليبيدية فيه، فتغيب المتعة النصية لتحضر المتعة الشبقية المتوهمة التي تنسج عبر مخيال مترع بالصور الخادعة، قارئ منفعل وفاعل بازدواجية الشبق ومتعة القراءة. هذا قارئ يجمع بين الهاجس الجسدي والهاجس الحرفي أو الزجلي، فهو يؤول الحب في اتجاه خارج النص، له علاقة بصاحبه، بعد ذلك يرجع إلى النص يريد أن يفهم المعاني التي تلتصق بهذا الموضوع دون تفسيرها في أبعادها المختلفة، أو دون أن يعتبر أن توظيف الحب ما هو إلا وسيلة للإبداع، أي وسيلة لتقديم المتعة الزجلية النصية التي هي المنتظرة فاطمة بصور تطرق باب الحب ليس كغاية في ذاته بل تعتبره وسيلة تبرع في الابداع فيه وتتخذه وسيلة للتعبير عن مجموعة من القضايا،لذا ،يجب التعامل مع نصوصه من منطلق القارئ العالم الفاعل في النص والذي يلتقط المتعة من خلال متعة الكتابة الزجلية.
الورقة الثالثة: البحث عن الكينونة المتعددة في مدار السؤال.
سبق أن أشرت أن الفيلسوف الفرنسي ألان باديو، اعتبر الحب بحثا عن الوجود في منطق الاختلاف بين الأنا والآخر، وهذا ما سنلاحظه في هاته الزجلية التي آمنت بالكوجيطو، انا أحب إذن أنا موجودة، فالعنوان “علاش زعما” (علاش لفظة حاضرة في المتن الزجلي البصوري، ديوانها “كاين علاش”) الذي هو عبارة عن سؤال يدخل في مجال الاستفهام الاستنكاري، الذي يفيد إثبات شيء ما وقع او سيقع لكنه بشكل إنكاري، لأن لفظة “زعما” بينت هذه الصيغة، وجعلتنا نبحث عن السبب الثاوي وراء هذا السؤال، لتواجهنا الزجالة بسؤال آخر تقدمه إلى: سطور كتوبك، شكون نكون ف حدود دروبك؟ هنا السؤال عن الكينونة، من أنا؟ ما شكل صفتي في حدود دروبك، لكن يأتي الجواب استعاريا، جاوب بياض الورق بدمعة من مداد وزرقة البياض، يعني لاشيء، يعني الصمت لكن لغة هاته الورقة هي الدمعة التي خرجت من المداد الأزرق،، أي مداد هذا الذي يكون ازرق، هل تعني به هذا الفضاء الأزرق ،؟ الذي تبحث فيه عن كينونة حقيقية. بعد ذلك تأتينا بكينونات افتراضية ، منها تنفتح على الآخر الذي يمثل جزءا منها. فتيلة ف قنديل شعلة تضيء في زاوية من مكانه،، تضوي ظلام حزانك فتيلة التي تظل مشتعلة من أجل أن تضيء ظلام أحزانه، إذن هي كينونة مرتبطة بالآخر فيها نوع من التضحية والعطاء اللامتناهي، تنتقل إلى كينونة أخرى، دمعة “نازلة من سما لفراح”، الدمعة التي تنزل من الأفراح، طباق غريب، كيف يمكن للدمعة أن تنزل من الفرح؟ لكن هاته الدمعة التي تنزل من السماء تروي الوردة الذابلة في فدانه، هو دائما فعل العطاء الذي ينطلق من الذات، ويتجه إلى الآخر، الذات التي تضحي بالاحتراق وبالدموع من أجل إضاءة الآخر وإحيائه ورده، تزيد في تنويع الكينونات.

< حسن بوسلام

Related posts

Top