فاطمة الزهراء عمور : 2024 كانت سنة تاريخية للسياحة وجهة الدارالبيضاء-سطات تشهد دينامية كبيرة

في قلب المغرب النابض بالحياة، حيث يمتزج إرث التاريخ بإيقاع الحداثة، تنبض جهة الدار البيضاء-سطات كلوحة فسيفسائية ترسم ملامح التعدد الثقافي والطبيعي للمملكة.
هذه الجهة ليست مجرد رقعة جغرافية، بل روح حية تنعكس في أزقة المدينة العتيقة، وفي هدوء شواطئ المحيط الأطلسي، وفي صخب أسواقها الشعبية، حيث تتعانق الحكايات القديمة مع طموحات المستقبل.
الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية التي لا تعرف النوم، تقف شامخة كرمز للتطور والانفتاح، فيما تمتد حولها مدن وقرى تحمل في طياتها كنوزا تاريخية وطبيعية قل نظيرها.
من المدينة البرتغالية بالجديدة، المدرجة ضمن التراث العالمي لليونسكو، إلى ضفاف نهر أم الربيع الذي يروي الحقول ويمد الحياة إلى القرى المجاورة، تتشكل وجهة سياحية غنية قادرة على أسر القلوب.
وعلى امتداد شواطئ الأطلسي، تنتشر شواطئ ساحرة تجمع بين هدوء الطبيعة وسحر البحر، حيث يجد الزائر ملاذا للاسترخاء والاستجمام، إذ من بين هذه الشواطئ، تبرز الوليدية كجوهرة متلألئة “لؤلؤة الأطلس”، بشواطئها الهادئة وبحيرتها الطبيعية التي تأسر الأنظار وتوفر تجربة فريدة لعشاق الهدوء والمأكولات البحرية الشهيرة.
في سنة 2024، شهد المغرب لحظة مفصلية في مساره السياحي، حيث تجاوز عدد الزوار حاجز 17 مليون سائح، في إنجاز غير مسبوق يعكس نجاح استراتيجية السياحة الوطنية.
وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فاطمة الزهراء عمور، وصفت هذه السنة بالاستثنائية، مؤكدة أن النتائج المحققة لم تأت من فراغ، بل كانت ثمرة تخطيط محكم ورؤية واضحة قادها جلالة الملك محمد السادس.
لكن ما الذي يجعل جهة الدار البيضاء-سطات محورا رئيسيا في خارطة طريق السياحة 2023-2026؟ كيف يمكن لهذه الجهة أن تواصل تعزيز مكانتها كوجهة سياحية متميزة؟ وما هي المشاريع الكبرى التي ستحدث تغييرا جذريا في المشهد السياحي المحلي؟
في هذا الحوار الحصري، تستعرض الوزيرة فاطمة الزهراء عمور تفاصيل الرؤية الاستراتيجية للقطاع السياحي، وتسبر أغوار المشاريع الاستثمارية والبنية التحتية التي يجري تطويرها، من توسيع مطار محمد الخامس إلى إطلاق خطوط جوية جديدة وتعزيز الربط الجوي الداخلي والخارجي.
كما تسلط الوزيرة الضوء على أهمية التنوع السياحي الذي تقدمه الجهة، من سياحة الأعمال التي تعزز مكانة الدار البيضاء كمركز اقتصادي عالمي، إلى السياحة الثقافية التي تحتفي بتراث المدن العتيقة والمواقع التاريخية، مرورا بالسياحة الطبيعية التي تأسر عشاق المغامرة والهدوء.
فيما يلي تفاصيل الحوار مع فاطمة الزهراء عمور، الذي يضع بين أيدينا خارطة طريق طموحة لتطوير السياحة بجهة الدار البيضاء-سطات، واستشراف مستقبل هذا القطاع الحيوي في أفق التحولات الكبرى التي تشهدها المملكة.

< سنة استثنائية لقطاع السياحة؛ ما هو تقييمكم للوضعية وهل تم تحقيق الأهداف المسطرة لهذه السنة؟

سنة 2024 كانت حقا سنة تاريخية للسياحة في بلادنا؛ تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، حققنا تقدما كبيرا في هذا القطاع الحيوي.
الأرقام النهائية التي توصلنا بها تؤكد ذلك، إذن أن 17.4 مليون سائح زاروا المغرب خلال سنة 2024، أي ما يقارب 3 مليون سائح إضافي بزيادة بنسبة 20% مقارنة بالسنة الماضية، وارتفاعا ملحوظا بنسبة 35% مقارنة بسنة 2019، التي تعد مرجعا قبل الجائحة.
هذه الإنجازات تسلط الضوء على فعالية خارطة طريق السياحة 2023-2026، وترسخ مكانة المغرب كأول وجهة سياحية في إفريقيا لسنة 2024.
هذا الرقم القياسي يعكس إقبالا غير مسبوق على وجهتنا، سواء في صفوف السياح الأجانب الذين بلغ عددهم 8.8 مليون سائح، بزيادة قدرها 23%، أو المغاربة المقيمين بالخارج الذين وصل عددهم إلى 8.6 مليون بزيادة بنسبة 17%.
أما بالنسبة لإيرادات السياحة من العملة الصعبة، فقد بلغت حتى نهاية شهر نونبر 2024 ما مجموعه 104 مليارات درهم، بزيادة قدرها 7% مقارنة بالسنة السابقة، كما وصل عدد ليالي المبيت إلى 26.4 مليون ليلة مبيت، مسجلا ارتفاعا بنسبة 11% مقارنة بسنة 2023.

< ما هي العوامل التي ساهمت في هذه الإنجازات؟

هذه الإنجازات لم تأت من فراغ، بل هي نتيجة استراتيجية واضحة وجهود مشتركة؛ يمكن تلخيصها في ثلاثة محاور رئيسية:
أولا، يأتي صمود المغرب أمام التحديات، حيث أظهر المغرب قدرة استثنائية على التكيف مع جميع الأزمات، مما مكن قطاع السياحة من التعافي والنمو بسرعة.
ثانيا، هذا النجاح الذي حققناه هو نتيجة تعاون مستمر بين القطاعين العام والخاص، حيث اشتغلنا بشكل وثيق مع مهنيي القطاع الخاص خلال جميع مراحل خارطة الطريق، من التخطيط إلى التنفيذ.
وثالثا، الاستثمارات الاستراتيجية للحكومة: منذ البداية، حرصنا على اتخاذ إجراءات سريعة لدعم القطاع بعد جائحة كوفيد. أطلقنا برنامجا استعجاليا ساعد في الحفاظ على مناصب الشغل وتحسين البنية التحتية الفندقية استعدادا لاستقبال السياح.
بعد ذلك، أطلقنا خارطة طريق السياحة 2023-2026. في هذه الخارطة، ركزنا على تطوير الربط الجوي مع أكبر الأسواق المصدرة للسياح. وتمكنا في سنة 2024 من إطلاق 120 خطا جويا دوليا وتأمين 11.1 مليون مقعد جوي جديد، بزيادة 25% مقارنة بسنة 2023، مما سهل الوصول إلى وجهتنا من مختلف أنحاء العالم.
وبذكر الربط الجوي، أود الإشارة إلى الشراكة الاستراتيجية مع شركة ريان إير، التي تهدف إلى توفير 10 ملايين مقعد جوي بحلول سنة 2027. وللتذكير فإنه تم كذلك تشغيل 11 خطا جويا داخليا جديدا من طرف ريان إير، للربط بين 9 وجهات مغربية مختلفة.
كما ركزنا في خارطة الطريق على تحفيز الاستثمارات في قطاع الإيواء السياحي؛ ولهذا الغرض، أطلقنا برامج مثل CAP HOSPITALITY الذي يهدف إلى تجديد 25.000 غرفة، عبر تقديم قروض تتحمل فيها الدولة كامل الفوائد لصالح مؤسسات الإيواء السياحي المصنفة.
بالإضافة إلى ذلك، نعمل على إبرام شراكات مع مستثمرين مغاربة وأجانب لدعم الاستثمار في البنيات التحتية السياحية.
ثم جاء الاستثمار في الترفيه السياحي، الذي يعد أحد المحاور الأساسية في تعزيز التجربة السياحية؛ قمنا أولا بإطلاق برنامج “GO سياحة”، الذي يهدف إلى تطوير 1700 مشروع سياحي في أفق 2026، مما سيساهم في إغناء العرض السياحي الترفيهي في مختلف جهات المغرب، ثم قمنا بإطلاق برنامج الحاضنات الذي سيدعم تطوير 360 مشروعا سياحيا في مجالات واعدة مثل الطبخ المغربي، الألعاب الرقمية، والرقمنة.

< نخصص هذا العدد لجهة الدار البيضاء-سطات؛ ما هو دور هذه الجهة في خارطة طريق السياحة 2023-2026؟

تلعب جهة الدارالبيضاء-سطات دورا مهما في خارطة طريق السياحة 2023-2026، فهي تمتلك مؤهلات سياحية متنوعة تجعلها تلبي متطلبات مختلف الزوار، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، ولذلك فالجهة معنية بمجموعة من السلاسل السياحية.
الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب، بفضل بنيتها التحتية المتطورة في الإيواء والربط الجوي المباشر مع كبرى العواصم، أصبحت نقطة جذب لسياحة الأعمال (MICE).
إضافة إلى ذلك، فإن المدينة تخص كذلك سياحة المدن والسياحة الثقافية حيث تقدم تجارب ثقافية و ترفيهية متنوعة و غامرة.
إلى جانب الدار البيضاء، تتميز الجهة بمواقع أخرى في السياحة الثقافية، مثل المدينة البرتغالية بالجديدة، المصنفة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، المدينة العتيقة بأزمور، والقصبة الإسماعيلية في سطات.
تندرج الجهة كذلك في السياحة الداخلية في شقي السياحة الشاطئية والسياحة الطبيعة، على سبيل المثال بالنسبة للسياحة الطبيعة، تقدم الجهة تنوعا طبيعيا بفضل غاباتها ونهر أم الربيع الذي يعبر المناطق الخلفية، مما يجعلها وجهة مثالية لعشاق الطبيعة والمغامرة.
بالإضافة إلى ذلك، تساهم الجهة بشكل كبير في تطوير السلاسل الأفقية مثل الطبخ المغربي، وذلك بفضل التنوع الكبير في المأكولات المحلية. كما تعتبر الرقمنة عنصرا أساسيا لدعم تنافسية الوجهة، حيث نشجع على تطوير تطبيقات وحلول ذكية لتحسين تجربة الزوار، ونولي كذلك أهمية كبيرة لتطوير السياحة المستدامة عبر مشاريع تهدف إلى الحفاظ على البيئة.
لذلك، فإننا نشجع بشدة على إنشاء مقاولات سياحية خاصة في مجال الترفيه لتطوير تجارب سياحية فريدة، وذلك من خلال برنامج GO SIYAHA وبرنامج الحاضنات؛ ولقد استقبلنا بالفعل عددا كبيرا من المشاريع المبتكرة داخل الجهة.

< تشهد جهة الدار البيضاء-سطات دينامية كبيرة من حيث البنيات التحتية؛ كيف تستشرفون المستقبل، خاصة مع استضافة كأس العالم 2030؟

بالفعل، تشهد جهة الدار البيضاء-سطات دينامية كبيرة من حيث البنيات التحتية.
حاليا، هناك مشاريع كبرى قيد التنفيذ، مثل توسيع مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، وملعب الحسن الثاني الكبير، وتحسين وسائل النقل؛ كما يجري العمل على مشاريع أخرى مثل إعادة تأهيل حي الحبوس، وإطلاق الحافلات السياحية، وتثمين السوق المركزي، إلى جانب مشاريع أخرى قيد الدراسة، مثل مشروع حديقة ترفيهية ذات مفهوم مبتكر وموجهة نحو المستقبل والتكنولوجيا الحديثة.
بالإضافة إلى ذلك، وفي إطار خارطة الطريق، فإننا نركز على تطوير سياحة الأعمال. أولويتنا هي تعزيز البنية التحتية لوضع المغرب كأفضل وجهة في مجال سياحة الأعمال، لجذب المزيد من الفعاليات الهامة، وبفضل طبيعتها الاقتصادية، تعد الدار البيضاء في وضع مثالي للاستفادة من هذا القطاع، نظرا لما توفره من إمكانيات وموقع استراتيجي.
على مستوى الإيواء، عرفت الجهة خلال السنوات الأخيرة افتتاح عدة مؤسسات إيواء سياحي جديدة، وهو ما يساهم في تعزيز الطاقة الاستيعابية للجهة. هذه المؤسسات، التي تشمل فنادق فاخرة وعصرية، تأتي استجابة للطلب المتزايد وأيضا تحضيرا لاستضافة فعاليات كبرى مثل كأس أمم أفريقيا وكأس العالم 2030.
وبذكر كأس العالم 2030، فاستضافة هذه الفعالية تمثل نقطة تحول كبيرة للجهة، حيث ستسلط الضوء على الدار البيضاء في الساحة الدولية، مما يجذب السائحين والمستثمرين من جميع أنحاء العالم. كما أنها تمثل فرصة ذهبية لتحفيز الاقتصاد المحلي، تحسين البنية التحتية، وتسليط الضوء على  التراث الثقافي الغني للجهة بالخصوص و المغرب ككل.

إعداد: عبد الصمد ادنيدن

جهة الدار البيضاء سطات… وجهة سياحية واعدة بامكانيات متعددة

Top