ودعت الأسرة الرياضية الفاسية، ومعها الساحة الوطنية عموما، نهاية الأسبوع الماضي، المرحوم محمد بنزاكور، واحدا من الأهرامات الرياضية.. لعبا وتسييرا.
برحيل الرئيس السابق لفريق المغرب الفاسي وقيدوم المسيرين، فقدت كرة القدم الوطنية قامة من القامات الرياضية، والتي منحت المجال قيمة وزخما وعنفوانا، وهى مميزات من الصعب من أن يجود الزمان بمثلها، عطاء وفكرا وتدبيرا.
بصم الرجل التاريخ الناصع لـ “الماص”، وساهم في تحويله إلى ناد مرجعي وطنيا على مستويات عدة.
مارس الراحل كرة القدم بصفوف فريقه الأم، وكان يحمل الرقم عشرة، في وقت كان حامله، أمانة ثقيلة بالنسبة لأي لاعب يحظى بها الشرف.
بعد التوقف عن الممارسة تحول إلى مجال التسيير، واعتبر بداية الستينات، أصغر رئيس في تاريخ الرياضة الوطنية، فما بالك وهو يخلف بالمنصب أسماء كبيرة في مقدمتها، الرئيس المؤسس إدريس بنزاكور، وصولا إلى الدكتور التازي، والذي تسلم المشعل منه بعده.
ترأس فريق المغربي الفاسي لمدة تقارب ثلاث عقود، فترة طويلة كانت بالفعل حقبة مهمة من تاريخه، قاده إلى أول للبطولة الوطنية موسم 1964-1965، وعاد لنفس التتويج موسم 1978-1977، كما فاز بكأس العرش سنة 1980.
بفضل تكوينه الطبي والصيدلاني، عرف كيف يحدد وصفات التوهج لفريقه، ويقوي بنياته وأسسه، اهتم في البداية بالوضعية الاجتماعية للاعبين، حيث أشرف شخصيا على تشغيل العديد من الأسماء المعروفة، وتحسين وضعيتهم من الناحية المادية، كما فكر في كيفية ضمان مورد قار، وكان وراء إنشاء ناد خاص لازالت عائداته، تشكل حتى الآن بالنسبة لـ “الماص” موردا سنويا مهما، كما اقتنى قطعة أرضية في ملكية النادي، خصصت لإنشاء أول مدرسة لتأطير وتكوين الفئات الصغرى.
عرف المرحوم بنزاكور بشخصية قوية، وكاريزما لافتة للأنظار، وهذه المميزات طبعت أيضا مساره كعضو جامعي طيلة خمس سنوات من سنة 1969 إلى 1974، كان دائما صاحب التدخلات الصائبة والآراء الدقيقة والأفكار الهادفة.
رجل بهذه القيمة، لابد وأن يشكل عطاؤه مرجعا وإرثا تاريخيا محفوظا تستفيد منه الأجيال، لكن للأسف ومرة أخرى نتحدث بنفس الحرقة عن عدم تدوين هذه التجربة الغنية والفريدة في عالم التسيير الرياضي، كما كان الشأن بالنسبة لقامات كبيرة طبعت تاريخ الرياضة الوطنية، لكنها لم تحظ ابدأ بما تليق به من رصد وكتابة وتدوين وتاريخ.
ما بقى هناك فقط حكايات شفهية تروى هنا وهناك، وتفاصيل تتردد بالجلسات الخاصة والعامة، وشذرات يعاد الحديث عنها بالمناسبات دون أن تجد من يجمعها ويبوبها ويعدها للنشر، لتشكل جزء من التاريخ المقروء لهذه القلعة المعطاء.
والأكيد أن أكبر هدية يمكن أن تقدم لروح الراحل محمد بنزاكور هو عودة المغرب الفاسي للقسم الأولى، وهى المكانة التي حافظ عليها إلى أن غادر منصب المسؤولية، دون أن تغيب عنه أخباره، وآخر ما كان المرحوم يسأل عنه، وهو طريح فراش، حظوظ “الماص” في تحقيق الصعود هذا الموسم…
إنها قمة الوفاء، رغم المعاناة…
>محمد الروحلي