نادرة هي الندوات وغيرها من اللقاءات الثقافية والفكرية ببلادنا التي يتم من خلالها الانضباط لمواعيد تنظيمها.
تتم الإشارة في الإعلان عنها، إلى ساعة معينة، سواء في الصباح أو في المساء، إلا أنه عادة ما يتم تجاوز هذا الوقت بما يزيد عن نصف الساعة أو أكثر. وبالنظر إلى تكرار ذلك في أكثر من مناسبة ومن طرف جهات منظمة مختلفة ومتعددة، صار الجمهور معتادا عليه، إلى حد أنه لم يعد يحتج على المنظمين لعدم احترامهم للمواعيد المعلن عنها. صار يعتبر ذلك عاديا ومألوفا وشيئا متوقعا.
****
بعض الأذكياء – إذا جاز التعبير- باتوا يرتبون علاقتهم بهذه المواعيد؛ بحيث يتوافق حضورهم مع موعد انطلاقها بالضبط. يكفي أن تؤخر الموعد المعلن عنه بحوالي ساعة، وذلك حسب الظروف؛ لتتجنب الإزعاج الذي يخلفه عدم الانضباط للتوقيت المبرمج.
لو أن المنظمين كانوا يحرصون على الإشارة في هامش إعلاناتهم، إلى أن الموعد المعلن عنه، سيتأخر انطلاقه بزمن معين؛ لخلق فرصة للحاضرين من أجل تبادل المجاملات في ما بينهم؛ لأمكن احترام قراراتهم، غير أن هذا لا يتم، وقد يبدو للبعض أنه مثير للسخرية، في حين أن من يسخر من الجمهور في واقع الأمر هو من لا يحترم المواعيد معهم ويضرب بعرض الحائط التزاماتهم الشخصية.
الأدهى من ذلك أنه يتم الشروع في تنظيم اللقاء، دون أن يتم الاعتذار للحاضرين عن التأخر، مع أن هذا التأخر يعد بعشرات الدقائق.
لماذا يتم تحديد الوقت بدقة في الإعلانات، ما دام أنه لا يتم مراعاته؟
موعد الساعة الخامسة والنصف، يصير في حقيقة الأمر هو السادسة أو السابعة، على سبيل المثال، مع أنه شتان بين التوقيتين.
كان يكفي الإشارة إلى المساء أو الصباح، وترك الجمهور يخمن التوقيت بالضبط الذي سينطلق فيه اللقاء الثقافي أو الفني.
في هذه الحالة يعمل الجمهور على التأكد بنفسه من التوقيت غير المحدد؛ فلا يشعر بالانزعاج من أي تأخير محتمل.
لا ينتابه ذلك الإحساس بالغبن؛ لكونه حضر في الموعد المعلن عنه، لكن المنظمين أبوا إلا أن لا يحترموا ذلك الموعد، مع أنه ليس هناك ما يحول دون تنظيمه في الوقت المحدد.
لعل المناسبات القليلة التي يقوم فيها المنظمون باحترام مواعيدهم، هي المقابلات الرياضية، سواء كانت مبرمجة في وقت مناسب أو غير مناسبة، هناك مقابلات تنظم في الواحدة بعد الظهر، ويتم الانضباط لهذا التوقيت، كما أن الجمهور يكون على يقين من أنه لن يتم التلاعب بوقته الخاص. يقصد هذه المواعيد وهو يشعر بالارتياح التام كونه لن ينتظر أن يتم الاعتذار عن التأخر، ذلك الاعتذار الذي لا يحصل في اللقاءات الأخرى، اللقاءات ذات المواعيد المختلة.
هناك بعض المؤسسات الثقافية تحترم بالفعل مواعيدها، يمكن الإشادة في هذا الخصوص بالمعهد الثقافي الفرنسي، ويا ليت العديد من مؤسساتنا وجمعياتنا ومنظماتنا الثقافية تتخذها قدوة، ذلك مجرد مثال.
****
الانضباط للمواعيد المعلن عنها في الدعوات الخاصة باللقاءات الثقافية والفنية، شيء مطلوب ومرغوب فيه، وعلى أصحاب هذه الدعوات أن يحترموا مواعيدهم، لأن ذلك يعد وجها من وجوه التحضر، ولأن في ذلك كذلك احتراما وتقديرا للمدعوين، حتى لو كان الأمر يتعلق بدعوات عامة.
عبد العالي بركات