في كل مكتب من مكاتب الحواسيب، لا شك هناك أيقونة عبارة عن سلة “كورباي” نرسل إليها ما نحذفه وما نهمله من الملفات ومن الصور والفيديوهات وغير ذلك. لكن لا أحد منا ربما تساءل يوما ما:
عندما نحذف كل ذلك، أين يذهب؟ عندما نحذفه ونرسله إلى السلة، ونحذفه كذلك من هذه السلة ذاتها، أين يذهب يا ترى؟
التصور الذي نحمله في أذهاننا عادة، أننا حذفنا ما رغبنا في حذفه، وأنه من الطبيعي جدا أن لا يظهر بعد ذلك أي أثر لما حذفناه، لأننا لم نعد نرغب في الاحتفاظ به، وكفى.
أحيانا نرغب في الانتقام من ذلك الشيء الذي حذفناه؛ فنقصد السلة ونحذفه من داخلها، حتى ينمحي من الوجود نهائيا؛ لأننا إذا أعدناه إلى المكتب وقمنا بحذفه، سيعود – ابن الحرام- إلى السلة ويمكث فيها إلى أن تأتينا تلك الرغبة الجارفة في إفراغ السلة من كل محتوياتها.
عندما نضغط على مؤشر الحذف، يظهر للتو خطاب مستنكر:
هل تريد فعلا أن ترسل هذا الملف إلى السلة؟
كأنه يقول: هل أنت في كامل قواك العقلية حتى تقرر حذف هذا الشيء؟
قد لا نعير لهذا الخطاب أي أهمية، ولا نجيبه بكلمة شكر، رغم الأهمية التي يكتسيها، علما بأننا ما دمنا قد ضغطنا على زر الحذف فهذا معناه أننا ننوي إرسال ذلك الشيء غير المرغوب فيه إلى السلة.
لكننا لا ننتبه إلى أهمية التحذير المشار إليه إلا عندما نحذف أشياء عن طريق الغلط أو السهو، فنكون ممتنين إلى كون التحذير كان في محله، فنلعن الشيطان ونتخلى عن قرار الحذف.
من حسن الحظ أن هناك سلة تستقبل كل ما نحذفه، وحيث يكون بإمكاننا أن نعود إليها ونسترجع ما حذفناه، إذا كنا ما نزال بحاجة إليه. لكن في كثير من الأحيان، هناك أشياء تحذف ولا يكون بالإمكان استرجاعها، كما أنه لا يكون هناك أي تحذير مسبق من أنك مقدم على فعل خطير، وهو الحذف.
قد تختفي أشياء من فوق مكتب الحاسوب دون أن نكون قد حذفناها، وقد نبحث عنها ولا نجدها.
ينبغي أن لا تكون لنا ثقة عمياء في التكنولوجيا، ولأجل ذلك، نأخذ بعض الاحتياطات، نخزن ما نرغب في الاحتفاظ به بشكل ملح بداخل ما يسمى بالقرص الصلب، الموجود في قلب الحاسوب، قد لا نثق في هذا العنصر، فنلجأ إلى بريدنا الإلكتروني ونرسله إليه، وحتى نطمئن أكثر، نخلق ملفا جديدا داخل هذا البريد نفسه ونخزن فيه ما نود الاحتفاظ به. القضية معقدة، قضية الاحتفاظ بملفاتنا صارت معقدة أكثر من ذي قبل.
من قبل، كان يكفي أن يكون هناك مكان فارغ؛ لنضع فيه الأشياء التي نود الاحتفاظ بها، لن نخشى عليها من الاختفاء أو الحذف، وحتى عندما نقوم بحذفها، فإننا يمكن لنا استرجاعها، لأنها مصنوعة من شيء مادي، من الورق، وليس كما هو الحال اليوم، حيث ملفات وأعمال كاملة يمكن أن تحذف في رمشة عين، دون أن تخلف أثرا ودون أن يكون بمقدورنا استرجاعها حتى لو وقمنا بالمستحيل.
إنها مجرد وهم، هباء منثور، لكن العصر الحالي يفرض علينا أن نواكبه ونتعايش مع أوهامه وهبائه.
عبد العالي بركات