صفحات من تاريخ منظمة الهلال الأسود يرويها المقاوم عبد القادر بهيج

عاش المغرب، نهاية أربعينات القرن الماضي، وبداية خمسينياته، أحداثا دموية واسعة النطاق كرد فعل على إقدام المستعمر الفرنسي على نفي الملك الراحل محمد الخامس خارج الوطن. خلال هذه الفترة العصيبة، ومن رحم الغليان الشعبي، والانتفاضات العارمة التي واجهتها الإدارة الاستعمارية الفرنسية بالقمع، تأسست مجموعة من التنظيمات السرية التي حاولت الرد على هذا النهج القمعي، كان أبرزها على الإطلاق منظمة “الهلال الأسود” التي اعتمدت أساليب شكلت ضغطا على المستعمر وأذنابه من الخونة.
من داخل هذه المنظمة، برزت أسماء سيظل تاريخها محفورا في ذاكرة المقاومة، سواء منها تلم التي تعرضت للاعتقال أو الاغتيال أو تلك التي كتب لها النجاة لتروي للأجيال أحداثا قوية مفعمة بالوطنية والغيرة على هذا الوطن.
المقاوم عبد القادر بهيج من هؤلاء المقاومين الذين يكتب التاريخ نشاطهم ضمن التنظيم السري”الهلال الأسود”، والذي رغم تقدمه في السن استقبل بيان اليوم ليروي ما علق في ذاكرته من وقائع وأحداث نقدمها لقرائنا فيما يلي:

> إعداد: محمد توفيق أمزيان

الحلقةالسادسة

اشتباكات عنيفة مع المستعمر ورفض “الاستقلال الممنوح”

بعد أن حظينا نحن في الهلال الأسود بأطنان من الأسلحة الأمريكية المتطورة، وحظي جيش التحرير بدوره بنفس الكمية، عقب هجومنا الكبير على القاعدة العسكرية الأمريكية بالقنيطرة، سينطلق عهد جديد من المقاومة وفصل جديد في المواجهة مع المستعمر.
استطعنا في ظرف وجيز من قلب موازين المواجهة، كما ذكرت، خصوصا بعد العمليات القوية التي بدأت تهز عددا من المدن وتستهدف الإدارة الاستعمارية وأذنابها من الخونة، لاسيما بمدينة الدارالبيضاء، وكان الأمر بمثابة اتفاق جماعي بإطلاق شرارة المواجهات، وإيذانا بانطلاق الثورة من أجل الاستقلال.
سنشرع في تنفيذ عمليات دقيقة ضد المستعمر الفرنسي وعدد من الخونة بشكل مرتب، وكنا نعتمد على عنصر المفاجئة والمباغتة، كما كنا قد بدأنا نهجم على الثكنات العسكرية بشكل مباشر من أجل إرعاب الإدارة الاستعمارية وحثها على مغادرة البلاد وتحرير وطننا.
من ضمن العمليات التي ما زلت أتذكرها، وهي هجومنا على ثكنة عسكرية فرنسية بسيدي قاسم، بحيث تسلننا وشرعنا في تبادل إطلاق النار مع العساكر الفرنسيين، وكنا نضع صوب أعيننا مباغتتهم والاستيلاء على ما في الثكنة، ولما لا رهن بعض العساكر وتصفية آخرين.
لكن مع الأسف الخطة ستفشل في النهاية بسبب خلل حدث في الخطة، ولم تسر الأمور كما كنا نريد، فما إن تسللنا إلى الثكنة حتى بدأ إطلاق النار بيننا وبينهم، وكان اشتباكا عنيفا، أدى إلى سقوط ثلاثة رفاق منا، استشهدوا في تلك المواجهة، لننسحب بعد ذلك بعيدا عن المنطقة العسكرية الفرنسية، تجنبا لسقوط مزيد من الضحايا أو اعتقالنا ومحاولة الوصول إلى باقي أفراد التنظيم ومخزن الأسلحة وموردها.
بعد هذه المعركة، سيخوض عدد من المقاومين هجمات فردية ومتفرقة وجماعية، ستساهم في دحض العدو وتقهقره، وبالرغم من كونها خلفت شهداء وسط المقاومين، إلا أننا وقبل أن نسير في هذا المشوار، كنا قد تعاهدنا فيما بيننا أن لا نرجع عن الطريق وأن لا نهاب الموت في سبيل تحرير الوطن وأن لا نهاب الاعتقال وأن نصون سر رفاقنا.
ستلجأ الإدارة الاستعمارية بعد ذلك إلى تصفية ومحاولة تصفية عديد من المقاومين والقادة في الخلايا والتنظيمات السرية، وكنت من بين الذين تعرضوا لمحاولة التصفية أكثر ما مرة، لكن شاء الله أن يحميني من كيد العدو وكيد الخونة وأذناب الاستعمار.
بعد معارك فاصلة، وعودة الملك الراحل محمد الخامس من منفاه، تم توقيع اتفاق الاستقلال مع فرنسا، وهنا ستنقلب الأمور رأسا على عقب، خصوصا بعد رفض عدد من القادة والمقاومين لما سميناه حينها “الاستقلال الممنوح”، وأتذكر لقاء جمع خيرة المقاومين من أعضاء جيش التحرير ومنظمتنا السرية “الهلال الأسود”، وعدد من القادة السياسيين من ضمنهم علي يعتة، إذ كان الإجماع على أن الاستقلال غير كامل وأن على جميع المقاومين الاستمرار في النضال والمواجهة لتحرير الوطن.
بناء على ما سبق، وبما أن منظمتنا لها أسلحة قوية، وأيضا جيش التحرير سنقرر مواصلة الثور المسلحة ومواجهة أذناب الاستعمار وما تبقى منه في شمال البلاد وجنوبها، إيمانا منا بأن فرنسا وإن كانت وقعت الاستقلال مع المغرب وعزمت الخروج من أراضيه، إنما هي بذلك كمن يخرج من الباب ويدخل من النافذة، وهذا الأمر سيؤدي بنا إلى مسارات أخرى، سنتحدث عنها في الحلقة المقبلة..

Related posts

Top