صفحات من تاريخ منظمة الهلال الأسود يرويها المقاوم عبد القادر بهيج

عاش المغرب، نهاية أربعينات القرن الماضي، وبداية خمسينياته، أحداثا دموية واسعة النطاق كرد فعل على إقدام المستعمر الفرنسي على نفي الملك الراحل محمد الخامس خارج الوطن. خلال هذه الفترة العصيبة، ومن رحم الغليان الشعبي، والانتفاضات العارمة التي واجهتها الإدارة الاستعمارية الفرنسية بالقمع، تأسست مجموعة من التنظيمات السرية التي حاولت الرد على هذا النهج القمعي، كان أبرزها على الإطلاق منظمة “الهلال الأسود” التي اعتمدت أساليب شكلت ضغطا على المستعمر وأذنابه من الخونة.
من داخل هذه المنظمة، برزت أسماء سيظل تاريخها محفورا في ذاكرة المقاومة، سواء منها تلم التي تعرضت للاعتقال أو الاغتيال أو تلك التي كتب لها النجاة لتروي للأجيال أحداثا قوية مفعمة بالوطنية والغيرة على هذا الوطن.
المقاوم عبد القادر بهيج من هؤلاء المقاومين الذين يكتب التاريخ نشاطهم ضمن التنظيم السري”الهلال الأسود”، والذي رغم تقدمه في السن استقبل بيان اليوم ليروي ما علق في ذاكرته من وقائع وأحداث نقدمها لقرائنا فيما يلي:

> إعداد: محمد توفيق أمزيان

الحلقة الثامنة

نشوب الحرب بين المقاومين

بعد الحصول على الاستقلال، كما ذكرت ستنطلق موجة من التصفيات بين المقاومين، مردها بالأساس إلى الحسابات بين فئة كانت ترى أن الاستقلال ناقص وغير كامل ودعت إلى استمرار المقاومة إلى حين إجلاء المستعمر من شمال المغرب وجنوبه وطرد باقي أزلامه ممن يحاولون التجدر في المؤسسات وغيرها، وبين من يرى على أن المغرب حاز استقلاله وأنه حان موعد وضع السلاح والدخول في الدولة.
اختطف الكثيرون وقتل الكثيرون، من ضمنهم محمد الحديوي، عبد الله الحديوي، العربي السامي، الشرايبي، وانقسمت فئات المقاومين وأصبحت المطاردات في كل شارع وفي كل درب، وما إن يقتل أحد من فئة ما حتى تسارع هذه الأخيرة إلى الانتقام من الفئة التي تقف خلف العملية.
كان حينها الغزاوي هو مدير الأمن الوطني وكان منتميا لحزب الاستقلال، وحدثت مجموعة من الأمور، خصوصا في الصراع السياسي الذي دارت راحه بين حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال، حيث عمد عناصر في حزب الاستقلال، أحدهم يدعى الطويل والآخر بارجو وثالث ولد العريبات إلى قتل أحد المقاومين ورميه بمنطقة «لارميطاج»، قبل أن يرد حزب الشورى والاستقلال بتنفيذ عمليات ضد الاستقلاليين، وهكذا نشبت حرب واسعة بين المقاومين.
من ضمن العمليات التي ما زلت أتذكرها، هي عملية نفذت ضد صديقنا المقاوم “الشرايبي” والذي كان عضوا فاعلا بقوة معنا في “الهلال الأسود”، حيث جرى قتله في معمل “الصابون” من قبل بعض الاستقلاليين، وتم رميه في سوق شعبي بدرب كبير، والغريب في الأمر أن الشرايبي هذا كانت له علاقة عائلية وعلاقة مصاهر مع عائلة استقلالية عريقة وهي عائلة الجامعي، إلا أن الحرب حينها اقتضت تصفيته.
من جهتنا، سيقوم عبد الله الحديوي بالانتقام لرفيقنا الشرايبي، وكان الانتقام يقتضي بتصفية مقاوم بارز، وكان مشهورا بالدارالبيضاء هو المسمى”إ.الروداني”، وهكذا، ستنتقل الحرب الثنائية بين الشوريين والاستقلاليين لتشمل بالطبع منظمة “الهلال الأسود”، فبالإضافة إلى عملية الاغتيال التي استهدفت الإخوة محمد، عبد الله، حسن الحديوي، وبعض أفراد عائلتهما، تم تصفية الشرايبي، محمد بلكبير وقاسم القنيطري، محمد بن زاكور، مصطفى السربوتي، عبد السلام الفاكتور.
وما زلت أذكر أنه قبيل الاستقلال كان التعاون يتم من أجل إسقاط الخونة وأذناب الاستعمار، وقاومنا محاولات الاغتيال التي كانت تستهدفنا جميعنا كمقاومين من مختلف التيارات، وكنا نتعاون للرد على المستعمر وأذنابه، إلا أن الأمور أخذت منحى آخر بعد الاستقلال، بسبب محاولة تفرد بعض المقاومين بآرائهم دون الآخرين.
وهكذا أصبح أفراد تنظيمنا السري غير مرغوب فيهم وتحولنا إلى أعداء يجب قتلهم أو تكليف السجن بذلك، وهو ما سيحدث لنا جميعا، ولي أيضا، حيث أنني مثل كثير من أفراد هذا التنظيم السري، تعرضت فعلا لمجموعة من محاولات التصفية الجسدية سنأتي لها لاحقا.
وما يمكن أن أقوله قبل الحديث عن محاولات اغتيالي، هو أن أحمد الله لأني ما زلت على قيد الحياة واحكي حكايتي، لأنني تعرضت قبل الاستقلال إلى محاولات للتصفية من طرف أشخاص يشتغلون إلى جانب الإدارة الاستعمارية، وهي ثلاث محاولات اغتيال استهدفتني خلال تلك المرحلة، ثم بعدها مرحلة الاستقلال التي كنا فيها في حرب مفتوحة، عيوننا تترقب وتنتظر اللحظة التي يمكن أن يهاجمنا فيها أحد.. وهذا ما سنعود للحديث عنه في الحلقة القادمة.

Related posts

Top