عن الارتداد الرهيب في الوعي والحياة العربيين؟

في العمق والأصل:

إن الأنظمة العربية المختلفة بعجزها عن تغيير السوق الوطنية تغييرا رأسماليا شاملا، عبر الإلغاء الشامل للإقطاع، سواء في ملكية الأرض أم في ملكية النساء أم في الأفكار والنظم السياسية والحقوقية، هيأت الشروط الموضوعية والذاتية لصعود قوى اليمين المتطرف بطرقه الفاشية، لاستلام السلطة في أغلب البلدان العربية؟. في هذا المناخ التحولي الانهياري، اتضح (بعد ما سمي بالربيع العربي) عجز الأدوات السياسية الوطنية والتقدمية، بل وعدم مقاومتها لمسار الارتداد الرهيب في الوعي والحياة. إنها عبر ميراث الديكتاتورية الضارب في وعيها وعملها، لا توجه الكفاح إلى بؤرة المرحلة وقضيتها المحورية.
فالكفاح ضد الديكتاتورية مهما كانت مدنية أو دينية، في السلطة أو خارج السلطة، في الحكم أم في المعارضة، هو الكفاح المحوري الذي يبعد القوى الوطنية العربية عن الانتهازية والانتقائية والعفوية.
إن الكفاح ضد الجماعات الأصولية والسلطات الشمولية معا، هو كفاح لتحرير القوى الشعبية من أشكال الهيمنة كافة. إن الدول الديكتاتورية والجماعات الفاشية وأوهام الشعب وسيطرة الذكور المطلقة على النساء، وتذييل (وهذا أساسي) المنظمات السياسية والجماهيرية لمصلحة الأنظمة الديكتاتورية، الخ.. كلها ينبغي أن تواجه بنضال ديمقراطي واسع، عميق ومتنوع.

في السياق والمآل:

لم تستطع الأنظمة وحتى الجماعات، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي، أن تستوعب النموذج التّحولي الديمقراطي الرأسمالي في دول المعسكر الاشتراكي، لننتقل إلى رأسمالية ديموقراطية. فأسس الدولة الاقتصادية – الرأسمالية العربية لم تزل بعد أسسا نصف إقطاعية – نصف رأسمالية. ولم تصل إلى مستوى الدول الاشتراكية السابقة، التي أعادت تشكيل بناها في ظل تسريع رأسمالية الدولة الخاص بها.
وعلى العكس (وهذا طبيعي في اعتقادنا) فإن معظم دول رأسمالية الدولة العربية (الوطنية) أوصلت مجتمعاتها إلى إعادة بعث الهياكل التقليدية والطائفية والقبلية، وأدى نمو دول النفط في الجزيرة العربية وخارجها إلى تشجيع نموذج رأسمالي للدولة الشمولية ذات الأجزاء الإقطاعية. وعبر كل هذا عن عدم قدرة “الأمة” العربية، بهياكلها الإنتاجية – الاجتماعية – السياسية – الإيديولوجية.. للانتقال إلى المرحلة الرأسمالية الصرفة؟
فقدت البورجوازية العربية نصف التحديثية، نصف العلمانية، زخمها الاقتصادي والفكري والسياسي، وجاءت قوى اجتماعية من البوجوازية الصغيرة لتواصل عملية التجديد بأدواتها العسكرية، وقد انهار عملها التغييري واتضحت الأزمة بقوة منذ بداية السبعينات إلى الآن، حيث بدأت القطاعات الما قبل رأسمالية ودول النفط والفئات البورجوازية الكومرادورية القديمة منها أو الجديدة بتشكيل الواقع العربي. من هذا كله وعبره، نفهم طبيعة الكساد الذي أصاب “الربيع العربي” في غياب دور هاته البورجوانية التي كان من الممكن أن تسنده وتحقق أمانيه وأمانيها هي بالذات في التقرير الوطني وتحمل ضريبة التغيير فيه.
درس أخير لابد منه:

بفقدان البورجوازية المذكورة لدورها الريادي المتوخى، تربت جماعات على عنف يومي (=الإسلاموية تحديدا) ضد الحداثة والتطور والديمقراطية، وصار نموذجها الماضوي معدا للتطبيق الحرفي بالقوة في كل مكان، وشجعت الأموال والمناخات المحافظة والارتدادات عن التحديث، هذه الجماعات لتتحول إلى عصابات مسلحة للانقضاض على حاضر ومستقبل الأمة.

< بقلم: عبد الله راكز

Related posts

Top