في أفق المؤتمر الوطني 19 لاتحاد كتاب المغرب

في أفق انعقاد المؤتمر الوطني التاسع عشر لاتحاد كتاب المغرب، كان لبيان اليوم اتصال بنخبة من الكتاب المغاربة، منهم من ينتسب لهذه المنظمة العتيدة، ومنهم من يعتبر نفسه خارجها بعدما كان فاعلا فيها، من أجل الحديث عن وضعها الراهن، والمكتسبات التي من المفترض أن يكون المكتب التنفيذي الحالي للاتحاد قد حققها أو تراجع عنها، وحول الأسباب التي تحدو بفروع الاتحاد إلى تجميد أنشطتها، وما هي الأولويات التي يرونها جديرة بالمناقشة، والتدابير الناجعة التي يقترحونها لتقوية الاتحاد، وكذا الشروط التي يرون أنها من الضروري أن تتوفر في المرشح القادم للرئاسة.

الأديب العربي بنجلون: اتحاد كتاب المغرب في وضع شاذ

 ما كنا نود أن يكون اتحاد كتاب المغرب في هذا الوضع الشاذ، الذي طال كثيرا، وألقى بظلاله على النشاط الثقافي العادي لفروعه وأعضائه. فإذا استثنينا جائزة أدباء الشباب، والتوقيع على اتفاقيات، هنا وهناك، دون تفعيلها على أرض الواقع، وتنظيم أنشطة شحيحة، خاصة بطنجة، فإن الدور الكبير المنوط به، لم يعد قويا ولا مؤثرا، كما كان من قبل. وملاحظتي هذه، لا أعني بها المكتب الحالي فقط، إنما كافة المنتسبين إليه، لأنهم استحلوا هذه الوضعية غير العادية، وأداروا لها ظهورهم، غير مبالين بها، ولم يحاولوا أن ينقذوا مؤسستهم الثقافية، التي ظلت منارة للأدب والثقافة طيلة عقود، وكانت مواقفها صلبة، إزاء كل الأحداث الوطنية والعالمية، وشعلة في الأنشطة الثقافية. فأغلب الظن أن الاتحاد، راهنا، يعاني من التشرذم والتشظي، منذ البداية، ولا يتحمّل عبئه الثقيل إلا عنصران أو ثلاثة على الأكثر. وكنت في لجنته التحضيرية الأولى، قد اقترحت أن تتكون فيه (مصالح) أو كما تسمى في الدول العربية بـ(الدوائر): دائرة الفروع، دائرة الأنشطة، دائرة الإعلام، دائرة ثقافة الطفل…لتتحمل كل مصلحة أو دائرة مسؤوليتها في تفعيل أنشطتها، بدل أن يتحمل المكتب وحده المسؤولية كاملة، لأن مهام الاتحاد تعادل في أدائها (وزارة)…لكن البعض عارض هذه الفكرة، بحجة قلة الأطر، وصعوبة التطبيق، مما جعلني ألوذ بالصمت، أثناء الاستعداد للمؤتمر السابق، لأنني كنت متيقنا أن العمل إذا لم يكن منظما، فإنه سيفشل، وها نحن، الآن، نحصد، النتيجة!

……………..

 لا يمكن للمكتب الحالي، ولا لأي مكتب آخر، أن يحقق مكتسبات، ما لم يكن كل أعضائه منسجمين، منذ انطلاقه. ولعل هذا هو أكبر عامل أثر في هذا المكتب، وأعاقه عن أداء مهامه. ويمكن لهذه الملاحظة أن تعمم على كافة اتحادات وروابط كتاب وأدباء العالم العربي، حسب ما لمسته ورأيته عن قرب. والمكتب الحالي لاتحاد كتاب المغرب، حقق مكسبا مهما، وهو انفتاحه على العديد من اتحادات الكتاب العربية والعالمية، وإن بقي هذا الانفتاح حبرا على ورق، لأنه سيكون بمثابة الخطوة الأولى في الألف ميل للمكتب القادم، إن شمّر عن ساعد الجد، وخلّص الاتحاد من هذا الركود. كما نظم جائزة الأدباء الشباب، وضِمْنَها أدب الأطفال، وهذا أعتبره توجها جديدا في اتحادات الكتاب العربية، لطالما نادينا به، وها قد تحقق، ليعزز مجال الكتابة لهذه الفئة، التي هي أساس مستقبل البلاد…لكن، كل هذه المنجزات، تظل محدودة، وغير ذات فاعلية، ولا تغير من الواقع البئيس الذي ترتع فيه الثقافة والأدب.

……………..

 أظن أن فروع الاتحاد تعاني نفس المشاكل التي يعانيها المركز، فهناك صراعات (الزعامة) من جهة، وهناك تجاهل البعض للآخر، من أجل تحقيق مطامع ومصالح وهمية. وهذا أدى ببعض مكاتب الفروع إلى محاولة إلغاء حضور أدباء في المشهد الثقافي، عبثا، بل إلى سد أبواب التواصل مع القراء والباحثين والمهتمين بالشأن الأدبي والمعرفي. وتنسى أن تلك المحاولات اليائسة لا تخدم إلا عناصر الظلام وأعداء التنمية الثقافية. وفي المقابل، لجأ الأدباء (المهمشون) إذا جاز التعبير، إلى الانضمام إلى جمعيات أخرى، وممارسة أنشطتهم معها، مما دعّم الكثير منها، ومنحها قوة وصلابة، وأضعف فروع الاتحاد. ولا أدل على ذلك، أن جل إعلانات الأنشطة الثقافية، تنفرد بها جمعيات متنوعة..من شعرية إلى قصصية إلى زجلية…وأصبحت تلك الجمعيات تمثل المغرب في اللقاءات العربية، وتصدر مجلات وسلسلات من الكتب والمجلات، وتنظم حولها قراءات وحفلات توقيع.

……………..

 أعود إلى جوابي عن السؤال الأول وأقول إن الاتحاد إذا لم يضع تخطيطا لأنشطته، بمشاركة كافة الفروع، وبحضور فعاليات فكرية وثقافية، والتعامل بجدية مع مقترحاتها وآرائها..وإذا لم ينظم تلك الأنشطة في مصالح أو دوائر مسؤولة، تعمل على إخراجها إلى حيز الوجود…وأن ينبذ عنه النميمة والنبش في الأعراض، ويتفرغ لتحقيق أهدافه..فإنه سيظل يدور في دوامة العبث، ويكرر تجاربه الفاشلة، وستستمر الصراعات المجانية.

……………..

  تكمن مشكلة الاتحاد في التحالفات غير المجدية، التي تخدم أشخاصا بالذات، وتسيئ إلى سمعة الوضع الثقافي المغربي. فقد أصبح الاتحاد يُنتقد من طرف كل المثقفين والغيورين عن مستقبل الأدب والمعرفة، ويُضربون به المثل في التنابز بالألقاب والتناحر، عوض أن يحمل المشعل، ويتصدّر القافلة..أي يخوض في قضايا هامشية، ويرتد على نفسه، فيحارب الأعضاء أنفسهم بأنفسهم. والمُأمّل من الرئيس المقبل، بل من المكتب التنفيذي كله، أن يقدِّر جسامة المسؤولية، التي ستلقى على عاتقه. إذ ينبغي أن يتساءل بينه وبين نفسه، وبصدق: هل أنا كفء لهذه المهمة النبيلة؟..هل أستطيع أن أقود الاتحاد وأرتقي به؟..وهل أستطيع أن أجتاز العراقيل التي تكبح حركية وحيوية هذه المؤسسة؟..وهل أتمكن من لملمة شتات الأدباء، على اختلاف مشاربهم الفكرية والسياسية والاجتماعية، وأتجنب كل ما من شأنه أن يحدث شرخا في أرضية الاتحاد؟..وكيف أشرك الجميع في اتخاذ القرارات، ولو كانت بسيطة؟..وكيف أنزع عني رداء الأنانية وتضخم الذات؟..بل كيف أخدم الأدب والأدباء، ولا أنساق وراء اتجاهي السياسي، أو مصالحي ومطامعي؟..عندما يجيب المكتب المقبل على هذه الأجوبة، وهي غيض من فيض، ويبذل كل الجهد للعمل بها، فإننا سنلحظ فعلا بأن هناك تحولا إيجابيا في مسار الاتحاد.

 إعداد: عبد العالي بركات

Related posts

Top