لهيب أسعار الأضاحي يفسد فرحة العيد على البسطاء

تشهد أسعار الأضاحي، على بعد يومين من العيد”الكبير” ارتفاعات لافتة، مقارنة بالسنة الماضية، رغم أن العرض، كما يوضح رئيس الجمعية الوطنية لمربي الأغنام والماعز، كاف لتغطية الطلب، إذ يتراوح مابين 6.5 و7 ملايين رأس.
ويعزو مربو الأغنام والماعز، في تصريحات صحافية لهيب سوق الأضاحي لهذه السنة إلى ارتفاع أسعار الأعلاف، في بعض المناطق، التي لم تأخذ نصيبها من جودة الموسم الفلاحي.
وتراوح سعر “الصردي” مابين 60 و70 درهما للكيلوغرام، في حين قفز سعر “البركي” إلى حدود 55 درهما للكيلوغرام. وهي أسعار لا يعتد بها عند الشراء بالمعاينة، حيث يعمد الوسطاء”الشناقة” إلى فرض قانونهم الخاص الذي بات يستعمل فيه التواصل عبر الهاتف النقال لقياس السوق والتحكم فيه بعد أن يكونوا قد اقتنوا من صغار الفلاحين معظم ماشيتهم بأسعار متدنية.
وشجب العديد من المغاربة، سواء ممن فضلوا اقتناء أضحية العيد مبكرا، أو من اشتروها على بعد ثلاثة أيام من العيد، هذا الارتفاع معتبرين غلاء العلف والعودة المكثفة للجالية المقيمة في الخارج إلى أرض الوطن، أعذارا واهية تغطي جشع السماسرة وبحثهم عن الاغتناء على حساب بسطاء الشعب، بدليل أن الموسم الفلاحي كان مطيرا.
وهو ما يرد عليه وزير الفلاحة والتنمية القروية، عزيز أخنوش، الذي أكد أنه بالرغم من تعاقب موسميين فلاحين جيدين، فإن ذلك لم يكن له انعكاس على تعداد القطيع الوطني الذي يتجاوز 31 مليون رأس، بينما أثر بشكل سلبي على توفر الكلأ في بعض المراعي.
من جانبه، قال الكاتب الجهوي لتجار اللحوم في الدار البيضاء، هشام الجوابري، أن تسجيل ارتفاع في أسعار الأضاحي هذه السنة بالمقارنة مع السنة الماضية، يعود إلى ارتفاع كلفة الإنتاج نتيجة للزيادة في أسعار العلف سواء المحلية أو المستوردة من الخارج.
وهو ما يزكيه محمود، تاجر مواشي، يعمل في تربية وبيع الأغنام والماعز منذ سنوات طويلة، وليس لديه مهنة أخرى، ويقوم بتربية الأغنام في منزله ويجهزها لعيد الأضحى المبارك.. هذا الأخير أكد أن السبب وراء ارتفاع الأسعار وهو “الزيادات التي شهدها سعر الأعلاف والتي تضطرنا إلى رفع لسعر لتغطية تكاليف التربية والاستعداد لمواصلة النشاط بعد العيد”.
ولم يخف محمود تأثير جائحة كوفيذ 19 على قطاع المواشي حيث قلصت من حجم المبيعات وجعلت الكسابة يتحينون فرصة العيد لتغطية خسائرهم السابقة، مضيفا أن ” فرصة التعويض بدأت عند بداية العشر الأوائل من ذي الحجة، حيث تردد عليه الزبائن الذين بعد مفاوضات حول الأسعار، واقتناعهم بأضاحيهم، أقبلوا على الشراء دون تردد”.
وفي الجانب المتعلق بالوقاية، يبدو أن العديد من الباعة مرتاحون من سلامة الأضاحي التي يعرضونها للبيع، خاصة عقب إشراف المكتب الوطني للسلامة الصحية المعروف اختصارا بـ”أونسا”، على عملية ترقيم الأغنام والماعز المعدة للذبح، بواسطة حلقة بلاستيكية صفراء تحمل رقما تسلسليا خاص بكل أضحية.
ويتيح هذا الرقم التسلسلي للمستهلكين أن يعرفوا مصدر الحيوانات، اعتمادا على قاعدة بيانات، عند تعرض لحوم الأضاحي لأي تعفن قد ينتج عن مواد غير صالحة تقدم كعلف لقطعان الماشية بغرض التسمين السريع.
و حتى لا يتيه المستهلك في زحمة الأسواق و يحتار في اختيار الأضحية لجهله لمعايير الجودة ، وخشية وقوعه ضحية غش ما، ينصح هؤلاء الباعة باقتناء كبش العيد مباشرة من ضيعات الكسابة الذين يعملون من أجل توفير ماشية ذات جودة عالية، منبهين إلى أن الأسواق تعج بوسطاء و”شناقة” يستفيدون بغير ذي حق من هذه الفرصة، فهم يشترون الأغنام من الكسابة بأثمنة زهيدة لبيعها بأسعار مرتفعة.
هذا الواقع، خلق تذمرا لذى المواطنات والمواطنين.وفي السياق ذاته تواصلت جريدة بيان اليوم مع بعض المواطنين الذين يشتكون من الثمن الباهض لأسعار الأضاحي. فقد دعا “معاد الصافي إلى المقاطعة على اعتبار أن أضحية العيد سنة وليست فريضة. بدوره قال “عبد الحميد محمد”: بالله عليكم، كيف لمواطن يتجمل مصاريف عديدة يأتي على رأسها الإيجار أن يقوم بشراء الخروف الذي أصبح تحمل ارتفاع أسعاره من سابع المستحيلات.
من جانبه، تساءل محمد كيف لمن يتحمل فواتير الكهرباء و الايجار والويفي ومصاريف الدراسة ةغيرها أن يتخيل أنه يستطيع مجاراة ارتفاع أسعار الخروف … لماذا هذا الغلاء المفاجئ؟ هل الأعلاف أصبحت غالية لهذا الحد حتى يتم تعويضها برفع أسعار الأضاحي، والحال أن كل المسؤولين أكدوا أن السنة الفلاحية كانت مطيرة والأعلاف الطبيعية متوفرة؟ وارتباطا بمناسبة العيد، شهد أسعار التوابل بالأسواق مع اقتراب عيد الأضحى المبارك ارتفاعا كبيرا جدا مع ندرة بعض الأنواع وسط تذمر المواطنين.
وأقر تجار بسوق بن جدية بارتفاع الأسعار في الآونة الأخيرة، مع الكشف عن منع السلطات استيراد بعض أنواع التوابل التي لا تزرع بالمغرب مشيرين إلى استقرار سعر الكركم و لبزار… باعتبار أنهما إنتاج محلي.
وأشار محمد إلى ارتفاع سعر الثوم بشكل كبير جداً عما كان عليه لافتاً إلى عزوف أغلب الأسر عن شرائه بالإضافة إلى الفلفل لكثرة استهلاكهما خلال عيد الأضحى مؤكداً أن الأسعار غير ثابتة وأن الارتفاع جاء بعد ركود شهدته الأسواق منذ شهر رمضان وأن معظم التجار يعمل على الزيادة تعويضاً على فترة الركود التي شهدتها الأسواق.
وعبرت خديجة سيدة تعمل بسوق ابن جدية منذ عدة سنوات في بيع التوابل الجاهزة، في حديثها لبيان اليوم أن معظم التجار يعملون على استغلال موسم العيد. لذا، تجد أن الأسعار تختلف من تاجر لآخر مؤكدة أنها لا تنجرف وراء السوق بل تبيع بالشيء الذي يرضي ضميرها لافتة إلى أن لها زبائنها وتعمل في كثير من الأحيان إلى توصيل الطلبات إلى المنازل.
ومن جهة أخرى أكد، تاجر من سوق “بن جدية”، أن التوابل توجد بوفرة، والإقبال عليها كبيرا جدا إذ يتراوح ثمن (لبزار الأسود) ما بين 80 و 90 درهم للكيلو غرام، و(لبزار الأبيض) 120 درهم، و الزعفران ما بين 40 و45 درهما للغرام يجري استيراده من منطقة “تيلوين” المغرب، والبرقوق يتباين ثمنه ما بين 35 أو 38 درهم وتشتهر بإنتاجه مدينة مكناس، والزبيب يتراوح ثمنها ما بين 35 و 40 و 48 درهم للكيلو أغرام منه المحلي والمستورد، ويبلغ ثمن اللوز ما بين 80 و 120 للكيلو غرام.
وفي الجانب الآخر، أدمع المستهلكون عن رفضهم لسلوك استغلال المناسبات للمساس بقدرتهم الشرائية.
بهذا الخصوص، قالت إحدى المواطنات إن ثمن التوابل باهظ جدا مقارنة مع الأعوام السابقة، عازية ذلك إلى دائحة كورونا التي قلبت الموازين.
في حين عبرت مواطنة أخرى ان السبب الرئيسي وراء هذا الغلاء هو مناسبة العيد نفسها، التي يستغلها التجار للرفع من أرباحهم.
بين مطرقة الاحتفالات الدينية و سندان القروض الاستهلاكية

يعتبر عيد الأضحى، مناسبة دينية، تشرق سماها بالفرحة والسرور داخل الأسر المغربية، التي تسابق الزمن من أجل توفير مبلغ كاف لشراء أضحية العيد، رغم الحواجز المالية التي تعرفها، حتى لو كان ذلك عن طريق الاقتراض من البنوك.
ممارسات اجتماعية نفسية، أصبح هدفها الأساسي إرضاء المجتمع، عوض التعبير عن قيم دينية تكرس الحب والتعاون بين أفراده. طقوس وعادات أصبح من المفروض القيام بها للظفر برضى المجتمع و احترامه.
“محمد ح” أحد عمال قطاع البناء بمدينة تمارة، ورب أسرة تتكون من ثلاثة أفراد. يؤكد ارتماءه في أحضان دوامة الاقتراض من البنوك من أجل شراء أضحية عيد الأضحى، معللا ذلك، ومعالم الحسرة والأسى تستوطن عيونه الحزينة، بقوله لبيان اليوم “لدي طفلين والأسعار جد مرتفعة فما عساي فعله سوى اللجوء إلى الاقتراض من أجل إرضاء الأبناء والعمل على عدم إحساسهم بالنقص و الحرمان و حمايتهم من نظرة “الحݣرة” التي يمكن أن يتعرضون لها من طرف الأهل و الجيران”. وأضاف المتحدث قائلا “إن البنوك لديها عروض تنافسية لصالح المواطنين إضافة إلى التسهيلات المغرية، خاصة على مستوى تبسيط المساطر المتبعة من أجل الحصول على القرض مما يجعلني مستعد للإقبال عليها رغم صعوبة تسديد ذلك في ما بعد” .
أسرة محمد هي أسرة تمثل واقع العديد من العائلات التي لم تسقط فقط داخل زوبعة القروض بل تضطر في بعض الأحيان إلى بيع ممتلكاتها أو أخذ سلف من الأقارب من أجل القيام بطقوس العيد المعتادة.
و في هذا الصدد أوضح الباحث في علم النفس الاجتماعي محسن بن زاكور “أن عيد الأضحى لم يعد مناسبة متعلقة بطقس ديني محض، بل أصبح ضرورة اجتماعية نفسية. فرب الأسرة أصبح له تخوف من نظرة الجيران و المجتمع و يعللون ذلك بالأطفال. و لهذا يمكن اعتبار أن هذه مشكلة مرتبطة أساسا بالتنشئة الاجتماعية و التركيبة النفسية للأفراد”.
و أكد بن زاكور، في تصريح خص به جريدة بيان اليوم، أن هذا السلوك قد تنجم عنه عواقب وخيمة على الأسر و قد تؤدي في بعض الأحيان إلى الانحراف، خاصة، يضيف المتحدث، “أن أغلب الأسر التي تلجئ لهذه العملية تنتمي للطبقة العاملة ذات الدخل الفردي المحدود. مما سيؤدي حتما إلى حصول ضغوطات مالية و أسرية و تكريس الحرمان بداخلها كما سيحدث حرجا ماديا لرب الأسرة، وسينعكس ذلك سلبا على العلاقات بين أفراد المنزل مما سيجعل رب الأسرة مضطرا مرة أخرى إلى الاقتراض للخروج من الأزمة التي ستؤدي إلى سقوطه في حلقة مفرغة تجره إلى بعض السلوكيات الغير أخلاقية كأخذ الرشوة، السرقة أو التسول…”.
و أقر الباحث في علم الاجتماعي “بمسؤولية الحكومة المغربية على اعتبار أن العيد لم يعد شأنا دينيا فحسب بل أضحى شأنا اجتماعيا يستوجب تدخل الحكومة في تهيئ مساعدات الأسر المعوزة و الفقيرة و عدم ترك الساحة فارغة من أجل استغلال المواطنين…”

عروض مغرية و ضعف القدرة الشرائية

مع اقتراب عيد الأضحى، اغتنمنت المؤسسات بنكية هذه المناسبة الدينية لطرح عروض تنافسية تتجلى أساسا في الرفع من نسبة القرض الذي قد يصل في بعض الاحيان إلى 61000 درهم و التي قد تمتد فترة تسديدها إلى 7سنوات، بنسبة فائدة قد تصل إلى 10 أو 15 في المئة.
لكن هذه الممارسة حسب عمر الكتاني رئيس الجمعية المغربية للدراسات و البحوث في الاقتصاد الإسلامي أصبحت ممارسة ” غير مقبولة في المجتمع نظرا لأنها عملية محرمة فعيد الأضحى سنة مؤكدة و ليست فريضة، كما أنه اعتبر أن المديونية تؤدي حتما إلى فقدان و سلب الحرية الإنسانية” و قد أضاف المتحدث ذاته لبيان اليوم أن “هذه السلوكيات المتهورة تربي عقلية الاستهلاك لدى الأبناء و حرمانهم من الاستهلاك المتوازن بسبب صرف الأجرة في تسديد الديون فأسبوع من الاستمتاع يؤدي إلى تجويع أسرته لشهور.”
مؤكدا في آخر التصريح أنه “تم تحريف الاحتفالات الدينية من غايتها الأساسية و المتمثلة في صلة الرحم و التعاون و التآز … إلى غاية و ضرورة اجتماعية.”
فدور رب الأسرة يتمثل في تربية قيم القناعة و تهيئة نفسية الطفل من أجل الاستعداد لمثل هذه المواقف و تربيتهم على القيم السليمة و العيش حسب إمكانيات الأسرة.
نتائج وخيمة على الفرد و المجتمع جعلتنا نسرع للتواصل مع رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك الأستاذ بوعزة الخراطي و ذلك بغية معرفة أهم الخطوات التي تنهجها الجامعة للتقليص من الآثار السلبية حيث أوضح في تصريحه لجريدة بيان اليوم “أن الجمعية منذ زمن طويل تطالب بمنع إشهار القروض على اعتبار أنه وسيلة تطيح بالمستهلك في فخ المديونية المفرطة، خاصة و أن المغرب لا يتوفر على أي نص قانوني في هذا الجانب” بوعزة الخراطي ذكر أيضا “أن الإشكال سببه الرئيسي هو عدم توفر مدخول كافي لتغطية الحاجيات الأسرية مما يجعل المستهلك مضطر للخضوع للمؤسسات البنكية لأخذ القروض الاستهلاكية.” و في السياق ذاته أقر الخراطي” بفوضوية هذا المجال فالبنوك الكبرى تتوفر على فروع بنكية صغرى تهتم بمجال منح القروض من أجل الهروب من المراقبة.”
و أكد المتحدث أن “حماية المستهلك لا تأتي بين ليلة وضحاها بل يجب أن تكون هنالك رغبة حكومية و تدخل كل الفاعلين من أجل حماية المستهلك” مقرا أن دور الذي يحظى به المجتمع المدني خلال هذه المرحلة يتمثل أساسا في النضال من أجل ضمان حقوق العيش الكريم للمواطنين.

تسبيق أجور الموظفين بين البحث عن الحل وتعميق الأزمة

بادرت حكومة سعد الدين العثماني في بلاغ لوزارة الاقتصاد و المالية و إصلاح الإدارة عن إعلان يقر بصرف أجور موظفي و أعوان الدولة و الجماعات الترابية لشهر يوليوز في 16 يوليوز الجاري عوض 31 منه. قرار استحسنه البعض لكونه سيعزز القدرة الشرائية خلال هذا الشهر بالنسبة للمواطنين من أجل ضمان شراء أضحية العيد و مقتنياته. لكن البعض الآخر يرى أن صرف الحكومة للرواتب في هذا التاريخ يطرح إشكالية تدبير الشهر المقبل الذي سيتزامن مع العطلة الصيفية من جهة و الدخول المدرسي من جهة أخري مما سيجعل المواطن مضطرا للجوء إلى القروض الاستهلاكية مرة أخرى و لعل هذا ما أكده الباحث خليل عبد العزيز باحث في المالية العمومية “أن صرف الأجور سيساهم في تكريس الأزمة خاصة مع ضعف الأجور الغير قادر على استيعاب احتياجات الفرد لشهرين كاملين.”

< إنجاز: بسمة أساد – مروان حميد(صحافيان متدربان) < تصوير: أحمد عقيل مكاو

Related posts

Top