لم يعد من سبيل للتوطئة والإعداد لتطبيق النموذج التنموي الملكي جديد، بدون تنفيذ عملية تطهير وتنقية قبلية داخل الجسم السياسي المغربي بكل هياكله الحزبية والنقابية. فاعتماد الكفاءة والوطنية، شرطان لازمان متلازمان لتقلد كل المناصب والمواقع السياسية والحكومية. لابد إذن من القطع مع الكائنات السياسية التي استباحت الدين والشرف والثقافة والقرابة، وكل خصوصيات المغاربة وأجهضت أحلامهم، من أجل تصدر المشهد السياسي، ومحاولة استمالة واستدراج المواطنين الراغبين في التغيير والتنمية.
هؤلاء الساسة الذين احترفوا علم الفراسة (Physiognomy)، وهو علم الاستدلال بالخلق الظاهر على الخلق الباطن، حيث يشخصون هوية وماهية المغاربة الباطنية، بناء على المظاهر والسلوكات المكشوفة، التي يريدونها أن تكون في خدمتهم. خولوا لأنفسهم الانفراد بمهام البحث عن الكفاءات والطاقات البشرية الخلاقة. بهدف استمرار فرض سلطهم في القيادة والتموقع. والنتيجة أن البلداء منهم، يقترحون من هم أبلد منهم، والمخادعون والخونة، ينتقون كائنات شبيهة لهم، لتتواصل عمليات النهب والنصب، ويضمنون خلفاء لهم يوفرون لهم الحماية والتقاعد المريح بدون أدنى محاسبة. فيما يواظب الزعماء الخالدين على الدفع بأبنائهم وأحفادهم نحو المناصب العليا. أو توريثهم لمقاعدهم. وبعيدا عن هؤلاء يضيع الأخيار من الشباب، وتنزف الطاقات الجادة دماء ودموعا وعرقا. ويغوص قطار التنمية في الوحل.
فقد حان الوقت لوقف قوة وجبروت الزعماء والقادة. الذين يفتقدون لكل صفات القيادة والريادة. هؤلاء أصحاب المواقف الفردية والأنانية وضيق مسالك أفكار ونوايا الساسة. الزعماء البواسل (من البسالة طبعا بجزم الباء)، والكواسر (من الكسرة ديال الخبز)، الذين أدخلوا البلاد في مصير مجهول. هؤلاء الذين يتوسلون أو يتسولون أصوات الناخبين، أو يتاجرون في بعضها ليحصدوا أكثر ما يمكن من المقاعد البرلمانية. والذين يركبون سفن الإصلاح الوهمي بأشرعة ورقية تبلل وتمزق مع أول قطرة ماء أو ندى. يخوضون صراعات تافهة من أجل الانفراد بالقيادة خدمة لأجندات خاصة. يراوغون الشعب بتبريرات واهية، لجعله يتقبل خرجاتهم وترحالهم وفشلهم.
ساسة يغردون خارج سرب النموذج التنموي الملكي. شمروا سواعد روادهم ومناضليهم المأجورين من أجل الإعداد للانتخابات الجماعية والتشريعية المقبلة (2021). وسخروا الأقلام والأفواه لتلميع وجوهها. ساسة ألغوا فترات النوم والاسترخاء إلى حين الظفر بمقاعد داخل الأغلبية أو التمكن من تحالفات معارضة قوية، وآخرون يغردون خارج سرب الأغلبية والمعارضة، مدمنون ومهووسون بشعارات خارجية، عن الديمقراطية والانفتاح. تحمل شعار (حتى حاجة في المغرب ما كتعجب)، وكأن الديمقراطية والانفتاح التي يتغنون بها في دواخلهم ، يتغذى بها أتباعهم الذين يعيشون القمع والتهميش. وساسة بلا رواد ولا قواعد، تقتات من الوضع السياسي، وتسعى جاهدة دون جدوى، من أجل ترميم أسوارها وجدرانها واللحاق بالكوكبة.
إن الخير كل الخير لهذه البلاد بتقاعد مجموعة منهم، وابتعادهم عن العمل السياسي. فكفاهم خلودا، لأن خلفهم جيلا من الشباب الطموح والمتعطش للتغيير والنماء. كفاهم وقاحة واستعباد للبشر. وليرحلوا، فإن برحيلهم يبرز وجه المغرب الجديد.
مبادرات الملكية، يفرزها الشعور الملكي، بمدى خطورة استفحال انزلاقات المسؤولين، وتغريد بعضهم خارج السرب، وتعثرات البرامج والمخططات والمشاريع التنموية في البلاد، وقصور أداء القيمين على تدبير أمورها. ويتأكد فعلا أن المغرب (الذي نريد)، في حاجة إلى طاقاته البشرية، وكفاءاته المغربية الجادة والخلاقة. وفي حاجة ماسة إلى هذا النموذج التنموي الجديد.
كثيرة هي المهازل التي سيستمر الشعب المغربي، في تجرعها، بسبب قصور أداء بعض المسؤولين الحاليين. ساسة اليوم الذين لم نعد نعلم مدى صحة ما يتفوهون به وما يطلقونه من وعود ومشاريع. بسبب ضعف تجاوبهم وتواصلهم مع المواطنين. وعجزهم عن التصدي للأسلحة الالكترونية، وفي مقدمتها الإشاعة الفتاكة، التي أحبطت العديد من المغاربة، وجعلتهم يشككون في كل برامج ومخططات الحكومات المتعاقبة.
كثيرة هي عمليات الضرب، التي سيتعرض لها المغرب والمغاربة، ملكا وشعبا من قبل خصوم الوطن. لكنها لن تكسر شوكة الطاقات والكفاءات والوطنيين، بل تقويهم. لكن ما يؤسفني أن بعض تلك الضربات ناجمة عن لا وعي أو فساد البعض منا. وأن المال والجاه، لازالا يثيران شهية هؤلاء، الذين لا يعلمون أن إدمانهم هذا، قد يتسبب في دمار مستقبل البلاد، وضمنها ذريتهم.
ففي ظل غياب حكومة في المستوى. وجب علينا القيام بأدوارها لفرض بصمة الثورة التي نريد. ثورة الملك والشعب في نسختها الثانية. فلا خير يرجى من سياسي باع رصيده من القيم والصدق. وتحولت أقواله وأفعاله إلى مجرد تفاهات تلفظها العقول. أفلا تنفضون غباركم بعيدا عن هموم ومشاغل الشعب؟. فقد سخر لنا الله (آية الكرسي) لطرد شيطان الجن، ولم نجد بعد سبيلا لإبعاد شيطان الإنس عن (الكرسي).
بقلم: بوشعيب حمراوي