نحن مكتملون أو نكاد

 في كتاباته الحديثة، يتابع الأديب المغربي الناطق بالفرنسية الطاهر بن جلون، عن كثب الحياة الاجتماعية والسياسية داخل الوطن وخارجه، ولعل ما يلفت الانتباه في هذه السلسلة من النصوص والمقالات المترجمة عن الفرنسية هو حدة الأسلوب الذي كتبت به، كأنها قدت من حجر مسنون.
 في كل نص، لا بل في كل فقرة من فقرات هذه النصوص التي ترجمناها عن الفرنسية، لا بد أن يتهيأ لك أنك تسمع صوت قرع الجرس، ينبه لوجود خطر، يقلقنا، يزعجنا، يوشك على ابتلاعنا. هذا الخطر له أكثر من وجه: الفقر، الجهل، البطالة، الفراغ، الحقد، الخوف، التطرف، الإرهاب..بوجيز العبارة، هي شهادة صادقة على هذا العصر وتحولاته.

كما يعرف الجميع، ليس في المغرب دعارة ولا ارتشاء، لا فساد أخلاقي، وأيضا هناك قليل من المعتوهين.
 لقد صرنا نشكل استثناء حتى، نموذجا يقتدى به بالنسبة لأولئك الذين يسعون إلى تحسين صورتهم في وسائل الإعلام. الاتصال عندنا بلغ أفضل مستوياته. الوزير المكلف بهذا القطاع ذو مستوى جد رفيع إلى حد أن بعض الدول تحسدنا على ذلك وتطلب منا أن نعيره إليها لبضعة أيام للاستلهام من قريحته وذكائه ونجاعته. إنها شخصية متواضعة، منفتحة على الحداثة وعاشقة للجرأة والحرية.
المواطنون المغاربة لديهم حس قوي بالمواطنة، حيث تم تصويرهم بصدد الوقوف بهدوء في الصف أمام مخبزة، محطة سيارات الأجرة أو شباك إداري. حتى لا يضيعون وقتهم، يكون أغلبهم حاملين معهم كتاب الجيب، يقرأونه خلال فترة الانتظار. نحن الشعب الذي يقرأ أكثر على الصعيد العالمي. لقد تفوقنا على إسلاندا التي كانت دائما في الرتبة الأولى.حاليا هي في الرتبة الثانية. الإسلانديون لم يتوقعوا هذه المنافسة، لم يخطر ببالهم أنه في يوم ما سيتربع المغاربة على العرش مكانهم في ميدان القراءة. يا لخسارتهم.      
المغاربة هم أكبر المستهلكين للكتب في العالم، الكتب الورقية والرقمية على حد سواء، بالعربية كما بالفرنسية والإسبانية. تواضعنا الأسطوري يمنعنا من قول ذلك بكل فخر.
 نجاح آخر رائع: قانون السير يتم احترامه إلى حد أن حوادث السير الوحيدة التي تقع هي ناتجة عن تقلبات الطبيعة. تمكنا بقوة المناهج التربوية والندوات من تقليص عدد القتلى في الطرق وتصدير منهاجنا إلى أوروبا التي ما فتئت الآلاف من الأسر تعاني من هذه المأساة. لأجل هذا، قمنا بوضع نظام تربوي مواز للدروس الخاصة بتعليم السياقة. النتيجة، بالكاد مائة ضحية على الطريق في كل سنة في حين أنه في فرنسا ما لا يقل عن 3000 قتيل سنويا. الاحترام التام  للأسبقية. لا أحد يحرق الضوء الأحمر أو يتجاوز السرعة المسموحة.
نفس الشأن بالنسبة لنظامنا الصحي. الوعي بذلك تم بشكل سريع: العمل أفضل من الأوروبيين. كل المواطنين لديهم بطاقة تسمح لهم بأن يتم تحمل تكاليف علاجهم بدون أن يدفعوا درهما واحدا. مستشفياتنا نظيفة، الأطباء يقومون بعملهم على أحسن ما يرام وراضون على الأجرة التي تصرفها لهم الدولة (تبعا لذلك، فإن القطاع الخاص قلما يتم زيارته)، الطاقم الطبي محترم ومكون تكوينا جيدا. من حين إلى آخر ينتفض أحد المرضى لأن الإقامة غير مريحة بالقدر الذي كان يتمناه، لكن المهم أنه يخضع إلى علاج ممتاز. ليس بحاجة للذهاب إلى المستشفيات الأوروبية التي يقصدها باستمرار قادة الدولة الجزائرية أو المالية. بقي فرق بسيط، نظام التربية الوطنية في إصلاح مستمر. لكن يتم التفكير في أنه في يوم ما سنتمكن من إثارة الحسد الشديد لجيراننا، لأننا نجحنا في وضع المدرسة على السكة الصحيحة، مدرسة تجمع بين ما هو غربي وما هو شرقي، مع الاحتفاظ بالأصالة والهوية المغربية.
 صديق سويسري كان قد تساءل كيف أن المغرب تمكن من محاصرة الفقر والجريمة. شوارع لوزان وجنيف غاصة بالفقراء القادمين من بلدان الشرق.
المغرب حقق الازدهار الذي يحسدنا عليه العالم بأسره.
إذن مم نشتكي؟ لماذا يرفض بعض الأشخاص الذهاب إلى المغرب بحجة أنه في هذا البلد “الحريات الفردية لا يتم مراعاتها، يتم إساءة معاملة الصحافيين، وطرد الأجانب منهم، يتم مصادرة الأفلام والمجلات وتعنيف المثليين”. إنهم يلقون الكلام على عواهنه؛ فمنذ مدة أغلق المغرب مكتب الرقابة، وحذف الفصل 489 من القانون الجنائي وألغى عقوبة الإعدام. وفي ما يخص الإجهاض، فهو مرخص به ويتم تحمل تكاليفه. وبالتالي، فإن النساء يشعرن بالارتياح والأمان. أما الصحافيون المشاكسون، يتم غض الطرف عنهم وتركهم يعملون على سجيتهم، على أي حال، المغرب ليس لديه ما يخاف عليه أو ما يخفيه، وهو فخور بالوضعية الجيدة لحقوق الإنسان لديه.
بالتأكيد، أمام المغرب الكثير مما يعمله، أعداؤه ما فتئوا الإساءة إليه والقيام بكل شيء من أجل تلطيخ سمعته والتشويش على صورته. ينبغي المناداة من جديد على وزير الاتصال لمخاطبة هؤلاء الذين يحسدوننا على جودة العيش لدينا، وعلى تسامحنا وحضارتنا، وأكثر من ذلك يحسدوننا على حسنا الحضاري والديمقراطي. كان عليه أن يلقي خطابا جميلا، لكن تم إيفاده على وجه السرعة إلى نيويورك لإرجاع بان كيمون إلى رشده.      

 بقلم: الطاهر بنجلون

 ترجمة: عبد العالي بركات

الوسوم , ,

Related posts

*

*

Top