اعترفت نزهة بدوان البطلة العالمية السابقة في رياضة ألعاب القوى، بأن حصيلة الرياضية المغربية تراوحت دوما ما بين نجاح وإخفاق وانتصارات وانكسارات طيلة العقدين الأخيرين، مبرزة أن النتائج المحصلة بالألعاب الأولمبية تبقى المعيار الأول لتقييم مدى المنظومة الرياضية في أي بلد.
وقالت بدوان التي تترأس جمعية “المرأة إنجازات وقيم”، في حوار أجرته معها “بيان اليوم” بمناسبة الذكرى الـ20 لتربع جلالة الملك محمد السادس على العرش، إن الرسالة الملكية السامية على هامش المناظرة الوطنية حول الرياضة بالصخيرات سنة 2008، شكلت خارطة كاملة مكتملة للإقلاع الرياضي، لكن “مع الأسف لم يتم تنزيلها على أرض الواقع”.
وأوضحت بدوان أن الرسالة الملكية حملت انتقادات لاذعة للمسؤولين عن القطاع ببلادنا، وحملتهم مسؤولية ضعف النتائج، مضيفة أن رسالة جلالة الملك رصدت الكثير من الاختلالات بالمشهد الرياضي، مقدمة مجموعة من الحلول للخروج من “الوضع المخجل” للرياضة المغربية.
ودعت الرئيسة السابقة للجامعة الملكية المغربية للرياضة للجميع، إلى رد الاعتبار للرياضة المدرسية والجامعية وتعزيز مكانة الرياضة في المناهج الدراسية، مشددة كذلك على ضرورة اعتماد ترسانة قانونية لضمان حكامة جيدة وشفافية كاملة في تدبير الموارد المالية للأندية والجامعات.
وأبرزت بدوان أن الرياضة المغربية تحولت في عهد جلالة الملك محمد السادس من مجرد ممارسة ومشاركة في مسابقات وتظاهرات جهوية وقارية لدولية، إلى أوراش ومشاريع تنموية ضخمة، وأضحت من الحقائق الملموسة بالمجتمع المغربي ومحورا أساسيا في السياسة الاقتصادية.
وذكرت بطلة العالم في سباق 400م حواجز بدورتي أثينا 1997 وإدمنتون 2001، بأن الشأن الرياضي شكل محورا أساسيا في برامج حكومات جلالة الملك محمد السادس، وذلك إيمانا منه بأهمية الرياضة في خدمة الوطن والتعريف به والمساهمة في المسيرة التنموية للمملكة.
وتطرقت بدوان إلى قرار جلالة الملك محمد السادس بدسترة الرياضة كحق من حقوق الإنسان للمواطن المغربي في دستور 2011، معتبرة أن ما جاء في الفصول 26 و31 و33 من الدستور شكل استجابة لتطلعات الرياضيين المغاربة، بل وفاق تطلعات الحركة الرياضية ببلادنا.
واختتمت بدوان الحوار بالحديث عن جامعة الرياضة للجميع التي ترأستها بين 2015 و2019، بتوضيح أن فكرة إنشاء هذه الجامعة استلهمت من الأفكار النيرة والتوجيهات السديدة لجلالة الملك في رسالته السامية، كما هو الحال بالنسبة القافلة الوطنية للرياضة أبرز نشاط للجامعة سنويا.
< بداية، كيف ترين حصيلة الرياضة المغربية على مدار عقدين من الزمن (1999-2019)؟
> خلال العشرين سنة الماضية تأرجحت حصيلة الرياضة المغربية، جماعية كانت أم فردية، بين الإيجابية والسلبية، بين النجاح والإخفاق، بين الانتصارات والانكسارات. فأحيانا كانت تسجل إنجازات لافتة بحصدها ميداليات ذهبية أو فضية أو نحاسية، كما أنها كانت تحقق أرقاما قياسية في أنواع رياضية عديدة في مختلف التظاهرات القارية والإقليمية والعالمية. وفي بعض الأحيان يحدث أن تغطي الانتصارات على الانكسارات، وأحيانا يقع العكس. على مستوى قمة الهرم الرياضي العالمي تعد الألعاب الأولمبية أكبر معيار لتقييم مدى تطور المنظومة الرياضية في أي بلد. ومن هذا المنطلق نلاحظ أن حصيلة المشاركة المغربية في الخمس دورات الأولمبية الأخيرة أي من دورة سيدني 2000 إلى ريو دي جانيرو 2016 لا تتجاوز 12 ميدالية (ذهبيتان و3 فضيات و7 برونزيات)، علما بأن ألعاب القوى التي شكلت على الدوام قاطرة الرياضة المغربية في مختلف دورات الألعاب الأولمبية غابت لأول مرة منذ سنة أولمبياد لوس أنجلوس 1984 عن منصة التتويج بأولمبياد ريو دي جانيرو 2016.
في المقابل، نرى أن مشاركة المغرب في الألعاب الأولمبية الموازية (البارالمبية) شكلت مصدر ارتياح للجميع، ففي ريو دي جانيرو، حصدنا 7 ميداليات (3 ذهبيات وفضيتان وبرونزيتان). وهذه الإنجازات جاءت لتعزز الرصيد الحافل لرياضيي الأولمبياد الخاص المغربي بالإنجازات في الألعاب العالمية الصيفية، فمنذ تأسيسه سنة 1994 بمبادرة من صاحبة السمو الملكي الأميرة المرحومة الأميرة للاآمنة، وهو يبصم على مشاركة مشرفة عقب صعود مجموعة من أبطاله إلى منصة التتويج في مناسبات عديدة، كانت آخرها المشاركة في الألعاب العالمية بأبوظبي بالإمارات العربية المتحدة حيث بلغت الغلة 47 ميدالية (12 ذهبية، و13 فضية، و22 برونزية).
على مستوى الشباب سجلت الرياضة المغربية أفضل إنجازاتها في الدورة الثالثة للألعاب الأولمبية في بوينس أيرس العام الماضي حيث أحرز المغرب ذهبية واحدة (التايكواندو) وخمس فضيات وبرونزية واحدة.
ولا يمكن أن نغفل بعض الإنجازات التي حققتها بعض الأنواع الرياضية منها الملاكمة التي توجت بلقب عالمي غير مسبوق سنة 2015 حققه البطل محمد ربيعي بعد إحرازه الميدالية الذهبية، لوزن أقل من 69 كلغ، ضمن بطولة العالم، بالدوحة، وإحرازه برونزية أولمبياد ريو دي جانيرو ، علما بأن ألعاب القوى والملاكمة، هما الرياضتان الوحيدتان اللتان منحتا المغرب ميداليات في تاريخ مشاركته في دورات الألعاب الأولمبية منذ دورة روما 1960.
< وماذا عن كرة القدم باعتبارها الرياضة الأكثر شعبية في المغرب والأكثر ممارسة أيضا؟
> بالنسبة لكرة القدم، فإن أفضل إنجاز حققته في العشرين سنة الماضية هو لقب الوصافة في كأس إفريقيا للأمم بتونس 2004 ومشاركتها لخامس مرة في نهائيات كأس العالم بروسيا 2018، بعد غياب استمر 20 عاما، دون إغفال الألقاب التي أحرزتها الأندية المغربية في مسابقتي كأسي عصبة الأبطال والاتحاد الإفريقيين، وخوض فريق الرجاء للمباراة النهائية لكأس العالم للأندية ضد نادي بايرن ميونيخ الألماني عام 2013 بمراكش، وبلوغ المنتخب المغربي للشبان لكرة القدم المربع الذهبي في كأس العالم للشبان بهولندا 2005.
< بعد 11 عاما على الرسالة الملكية السامية للمشاركين بالمناظرة الوطنية حول الرياضة بالصخيرات، هل تلمسين تغييرا في واقع الرياضة المغربية؟
> لقد شكلت الرسالة الملكية السامية بحق خارطة طريق كاملة مكتملة للإقلاع الرياضي قوامهما التأهيل المادي والبشري وتوفير البنيات التحتية الضرورية والتجهيزات اللازمة لممارسة سليمة وعلمية لمختلف الأنواع الرياضية مع اعتماد سياسة القرب باعتبار أن ورش الرياضة يعد من الأوراش الكبرى التي ينبغي أن تحظى بدعم كامل من قبل الحكومة والجماعات المحلية ومختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين. وحملت الرسالة الملكية السامية العديد من عبارات الانتقاد، للقيمين على الشأن الرياضي ببلادنا، محملة إياهم، المستوى الضعيف الذي أضحت عليه الرياضة المغربية، والنتائج السلبية التي تم تحقيقها، والتي لا تشرف اسم المملكة المغربية. كما وضعت الأصبع على الداء برصدها “اختلالات المشهد الرياضي وما تتخبط فيه الرياضة من ارتجال وتدهور، واتخاذها مطية من لدن بعض المتطفلين عليها للارتزاق أو لأغراض شخصية إلا من رحم ربي من المسيرين”. وتضمنت الرسالة أيضا عددا من الحلول الناجعة للخروج من الوضع المخجل للرياضة الوطنية و”لتجاوز الأزمة الحالية فإنه يتعين وضع نظام عصري وفعال لتنظيم القطاع الرياضي، يقوم على إعادة هيكلة المشهد الرياضي الوطني وتأهيل التنظيمات الرياضية الاحترافية ودمقرطة الهيئات المكلفة بالتسيير”. كما دعا جلالة الملك إلى ضرورة إعادة تأهيل الرياضة المدرسية والجامعية اعتبارا لدورها الريادي في الاكتشاف المبكر للمواهب وصقلها. أعتقد شخصيا أنه كان من الأجدى والأجدر أن نجعل من هذه المناظرة قوة اقتراحية تصدر عنها توصيات واقتراحات عملية، تكون في مستوى التحديات التي تواجه رياضتنا الوطنية وتستجيب لتطلعات الجماهير لتحقيق المزيد من الإنجازات والبطولات والألقاب، لكن مع الأسف لم يتم تنزيلها على أرض الواقع إلا في ما ندر.
< في نظركم، ماذا ينقص الرياضة المغربية لتعود إلى التوهج وحصد الألقاب والميداليات قاريا ودوليا سواء في الرياضات الفردية أو الجماعية؟
> في نظري ينبغي رد الاعتبار للرياضة المدرسية والجامعية لكونها تشكل مشتلا ورافدا أساسيا لتطوير الرياضة الوطنية، والعمل على تعزيز مكانة الرياضة في المناهج الدراسية وتوفير تأطير تقني وإداري للرياضة في الأحياء، مع ضمان انخراط قوي للمجتمع المدني واعتماد برامج لإدماج الشباب من خلال الرياضة وتعميم الممارسة الرياضية بشكل مهيكل ومؤطر على صعيد كل جهات المملكةٍ، على اعتبار أن الممارسة الرياضية أضحت من الحقوق الأساسية وحجر الزاوية في تحقيق التنمية البشرية. وعلى مستوى رياضة النخبة يتعين اعتماد ترسانة قانونية لضمان حكامة جيدة وشفافية كاملة في تدبير الموارد المالية للأندية والجامعات على حد سواء وتعيين الشخص المناسب في المنصب المناسب. كما ينبغي توظيف البحث العلمي من أجل تطوير وهيكلة الرياضة الوطنية.
< ألا تعتقدين أن الرياضة في المغرب قادرة على التحول إلى قطاع منتج ومهيكل ومدر للأرباح بدل اتكال الجامعات والجمعيات على الدعم العمومي؟
> حقا لقد تحولت الرياضة في عهد جلالة الملك محمد السادس من مجرد ممارسة ومشاركة في المسابقات والتظاهرات الجهوية والقارية والدولية، إلى أوراش ومشاريع تنموية ضخمة، كما أضحت من الحقائق الملموسة للحياة الاجتماعية ومحورا أساسيا في السياسة الاقتصادية. وظل الشأن الرياضي محورا أساسيا في اختيارات حكومة جلالة الملك وبرامجها ومخططاتها وهو ما يعكس بجلاء الإيمان الراسخ لجلالته بأهمية الرياضة في حياة الأمة ودورها الفعال في خدمة الوطن والتعريف به في مختلف المحافل الدولية، وتحويلها إلى قطاع استراتيجي يساهم في المسيرة التنموية للمملكة. فالرياضة أصبحت قطاعا منتجا ورافدا اقتصاديا ومجالا خصبا للاستثمار وخلق مناصب الشغل ومصدر رزق آلاف الأسر دون إغفال الدور الإشعاعي الذي تضطلع به من خلال الإنجازات الرائعة التي يحققها الأبطال المغاربة في بعض الأنواع الرياضية في مختلف المحافل الدولي. كما ينبغي بذل مزيد من الجهد لتطوير الاقتصاد الرياضي الذي يشكل أيضا قطاعا مهما للاقتصاد الاجتماعي والتضامني وإعطاء دفعة قوية للنهوض بالأنشطة ذات المنفعة الاجتماعية والمحدثة لفرص الشغل. فمثلا الاقتصاد الرياضي يساهم بشكل مباشر وغير مباشر بنسبة 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام و2,2 في المائة من حجم مناصب الشغل في بلدان الاتحاد الأوروبي، ومن هنا تتضح أهمية هذا القطاع الذي يتطلب بذل المزيد من الجهود لتطويره بالمغرب رغم تحقيقه لبعض النجاحات وتوفره على بنية تحتية مهمة.
< الدستور المغربي لسنة 2011، شهد لأول مرة إقرار الرياضة كحق دستوري للمغاربة حسب الفصل 31، كرياضية وفاعلة جمعوية كيف تلقيتم هذا المستجد؟
> فعلا لقد أضحى المغرب من البلدان القلائل في العالم، التي يكرس دستورها الرياضة كحق من حقوق المواطن واعتبارها رافعة للتنمية البشرية، بما يتماشى والتحولات العميقة التي تشهدها البلاد في مختلف المجالات. ولئن كانت الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية الثانية حول الرياضة بالصخيرات، قد اعتبرت الممارسة الرياضية حقا أساسيا من حقوق المواطن وأكدت على ضرورة تعميم ممارستها على جميع شرائح المجتمع وعلى دور الجماعات المحلية في التأسيس لمجتمع رياضي، فإن الدستور الجديد، استجاب، في هذا الصدد، لانتظارات الرياضيين المغاربة بشكل كبير بحيث أنه ولأول مرة في تاريخ المغرب الحديث، يتم التنصيص دستوريا وبشكل صريح على الحق في الممارسة الرياضية كحق من حقوق الإنسان وتحديد دور ومسؤولية الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية في تأطير الممارسة الرياضية ومد الرياضة بالإمكانيات اللازمة على مستوى اللامركزية واللاتمركز. فالدستور الجديد، وبشهادة العديد من الخبراء والمختصين، تجاوز كل توقعات الحركة الرياضية، عندما أفرد ثلاثة فصول (26 و31 و33) للقطاع مما شكل نقلة نوعية تسمو بالرياضة من قطاع يركز اهتمامه على المرخصين داخل الجامعات الخمسة والأربعين فقط إلى ضمان ممارسة الرياضة لجميع المواطنين. كما أنه من الإيجابيات التي جاء بها الدستور الجديد، التنصيص على تخليق وإرساء أسس الممارسة الديمقراطية في تسيير الشأن الرياضي واعتماد مقاربة جديدة للممارسة الرياضية.
< حظيت بشرف أن تكوني أول رئيسة للجامعة الملكية المغربية للرياضة للجميع، ما هي الإضافة التي قدمتها هذه المؤسسة للرياضة المغربية؟
> لقد استلهمنا مرجعيتنا من الأفكار النيرة والتوجيهات السديدة لجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، والتي تضمنتها الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين في المناظرة الوطنية للرياضة المنعقدة بالصخيرات يومي 24 و25 أكتوبر 2008، والتي أكد فيها جلالته على الخصوص على أن الممارسة الرياضية أصبحت حقا من الحقوق الأساسية للإنسان، وهو ما يتطلب توسيع نطاق ممارستها، لتشمل كافة شرائح المجتمع، ذكورا وإناثا بمن فيهم الأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصة، وتمتد لتشمل المناطق المحرومة، وبذلك “تشكل الرياضة رافعة قوية للتنمية البشرية وللاندماج والتلاحم الاجتماعي ومحاربة الإقصاء والحرمان والتهميش”. كما اعتبر جلالة الملك في هذه الرسالة السامية أن “الرياضة الجماهيرية تعد شرطا أساسيا لبناء مجتمع سليم، ومشتلا خصبا تنهل منه رياضة التباري مكوناتها وعناصرها”.
< كنتم تحرصون منذ توليكم رئاسة هذه الجامعة على تنظيم قافلة وطنية سنوية للتشجيع على ممارسة الرياضة، كيف جاءتك هذه الفكرة؟
> فكرة تنظيم القافلة الوطنية للرياضة للجميع هي الأخرى مستلهمة من التوجيهات السديدة التي تضمنتها الرسالة الملكية، والتي كانت انطلاقتها الرسمية في 20 نونبر 2016 من مدينة العيون، وجابت مختلف جهات المملكة ولقيت نجاحا كبيرا على مختلف المستويات سواء من حيث التنظيم أو كثافة المشاركة وكان لها بالغ الأثر في نفوس ساكنة المدن والقرى التي شملتها برامجها والتي استفاد منها عشرات الآلاف من المواطنين من مختلف الشرائح الاجتماعية والفئات العمرية لاسيما النساء والشباب. عملنا عبر هذه القافلة على تسخير كل الجهد من أجل إشاعة ثقافة الممارسة الرياضية والنشاط البدني والألعاب التقليدية لدى كافة أطياف المجتمع المغربي والوصول بمفهوم الرياضة للجميع وإلى كل بيت مغربي. وهي الرسالة التي أواصل القيام بها بكل سخاء ونكران ذات بمختلف ربوع المملكة ضمن البرنامج السنوي لجمعية “المرأة إنجازات وقيم” التي أتشرف برئاستها منذ سنة 2005.
< حاورها: صلاح الدين برباش