وجوه فنية راسخة في القلوب والذاكرة

يضرب المغاربة منذ سنوات طويلة، موعدا خاصا واستثنائيا خلال شهر رمضان الأبرك، مع وجوه فنية مميزة ومتألقة تضفي طابعا خاصا على مائدة الإفطار العائلي، وتزيد من قوة الطابع الاستثنائي لهذا الشهر الفضيل، سواء عبر الشاشة من خلال الوصلات الفنية المتنوعة طيلة اليوم، أو عبر المواعيد المباشرة مع جمهور الركح أو السينما أو الحفلات…
وتتميز الساحة الفنية المغربية بصعود أسماء جديدة بشكل متواصل، إلا أن هناك وجوها فنية خاصة ألفها المغاربة وأصبح غيابها عن الساحة بشكل عام وخلال الشهر الفضيل بشكل خاص، يشعرهم بفجوة في أجواء رمضان.
ورغم أن الأسماء الجديدة منها ما تميز وأبدع ووصل إلى قلوب المغاربة، إلا أنه من الصعب جدا تعويض الوجوه التي كبر وترعرع معها جيل من المغاربة وشكلت جزءا كبيرا من ذكرياتهم، حيث إنه في الأخير يبقى للجيل الجديد دوره ومكانته في إغناء الساحة، لكن ما من أحدهم قد يعوض آخر أو يحتل مكانته، خاصة في الذاكرة والقلوب.
وحيث إننا نضرب موعدا خلال هذا الشهر الكريم مع إبداعات فنية متنوعة سواء عبر الشاشة أو المسرح والسينما وغيرهما، يساهم فيها خليط من أجيال متعددة، سنستغل هذه المناسبة بجريدة بيان اليوم، لنستحضر عددا من الوجوه الفنية المغربية التي غادرتنا إلى دار البقاء في مجالات التمثيل والغناء التمثيل والإخراج، التي بصمت الساحة الفنية الوطنية بعطاءات ظلت شاهدة على تفرد موهبتها، التي رسختها في سجل تاريخ الفن بالمغرب والعالم بمداد من ذهب.

الحلقة 1

عزيز سعد الله.. رحيق الحياة الجميل

نستحضر في فقرة اليوم، المؤلف والممثل والمخرج المغربي المسرحى والسينمائى عزيز سعد الله، الذي وافته المنية في 13 أكتوبر 2020.
سعد الله من مواليد الدار البيضاء سنة 1951، قدم الكثير من الأعمال الناجحة سواء فى المسرح (سعدك يامسعود -النخوة على لخوا – خلي بالك من مدام – برق ماتقشع – كوسطة ياوطن) أو فى السينما (ساعي البريد – عرس الآخرين – بيضاوة – نامبر وان) وفي التلفزيون حيث قدم وكتب العديد من الأفلام ونذكر من بين أعماله السلسلة الكوميدية تلفزيون (ثلاثة – كاريكاتير – صور ضاحكة – مـواقـف – لالة فاطمة لثلاث مواسم). نال جائزة أفضل ممثل في مهرجان مونتريال ومهرجان باستيا بفرنسا، كما أخرج للسينما فيلم زمن الإرهاب، قدم مسرحياته فى العالم العربي وأوروبا وأمريكا وكندا، أسـس فرقـة مـسرح الثمانين صحبة زوجته الممثلة خديجة أسد التي تشاركه أغلب أعماله.
ويعد عزيز سعد الله من أبرز الممثلين والكوميديين المغاربة الذين قدموا للجمهور المغربي على مدى أكثر من 50 سنة جملة من الأعمال الرائعة، سواء على مستوى التلفزيون، أو على مستوى أعمال مسرحية وسينمائية وطنية وأجنبية.
تفتقت موهبة الفنان الراحل منذ نعومة أظافره، فقد كان بارعا في أداء الأدوار التي أسندت إليه، كما كان مهتما بتقليد الفنانين الكبار، ولعل من أبرزهم الكوميدي العالمي “تشارلي تشابلن”، مما جعله محط اهتمام من قبل الكثير من المخرجين، خاصة خلال ستينيات القرن الماضي.

محمد مفتاح وعزيز سعد الله في الفيلم التلفزيوني _إثنان ناقص واحد_ (1979) لمصطفى الدرقاوي

من المدرسة إلى الثانوية وقع الراحل على مشاركات شكلت الإرهاصات لبروز فنان موهوب قادم له خصوصيته وبصمته، خاصة أنه أبدى منذ طفولته ولعه بالفن المسرحي، وقدرته على تطوير ملكاته الفنية، ومحاولة تقليد فناني جيله للوصول إلى النجومية.
وبهدف تطوير موهبته شجّعته أسرته على السير قدما في المجال الفني، وهو ما حدا به إلى ولوج المعهد البلدي للفنون بمدينة الدار البيضاء، وبعدها سافر إلى فرنسا من أجل دراسة الفن بطريقة أكاديمية، وقد تأتى له ذلك خلال انضمامه إلى جامعة “فاناسين” في السبعينيات.
إن التحاق الراحل بمعهد الفنون الدرامية بمدينة الدار البيضاء فتح له المجال للتعرف عن قرب على عدد من نجوم المسرح آنذاك، وأبرزهم أحمد الزعري والطيب الصديقي وميلود الحبشي والحسين بنياز والحاج يونس ومحمد الخلفي وغيرهم من الفنانين والممثلين المسرحيين الكبار الذين تشبع بتجاربهم الفنية الثرية والمتنوعة.
على المستوى الدولي شارك الراحل في عدد من الأفلام الأجنبية، وهي مشاركات فتحت له آفاقا واسعة، خاصة أنه كان دائم التردد على بعض البلدان في أوروبا وأمريكا الشمالية والشرق الأوسط، ومن أبرزها ” الطعم” للمخرج الكندي “اياف صايمونوا”، و”رجلنا” للمخرج الألماني “فايرنار باير” و” لقاء الإنجيل” للألماني أيضا “سميت هانز فايرانار”.
وشكل السفر للراحل نوعا من تجديد خلايا الإبداع، إذ سافر إلى عدة بلدان أثناء تقديم عروضه المسرحية والفنية، كما هاجر إلى كندا عام 2004 رفقة عائلته، حيث أسس هناك شركة للإنتاج الفني، وقدم مجموعة من الأعمال التي شكلت مثالا حيا للفن العربي المندمج في المجتمع الكندي ترسيخا لروح التعاون والعمل المشترك القائم على الاختلاف والخصوصية وتكريس روح التعايش والتسامح بين الثقافات والفنون.
وبرحيل الفنان عزيز سعد الله تكون الساحة الفنية المغربية والعربية قد فقدت طائرا مهاجرا أضحك وأمتع، وخسرت فارسا مغوارا صال وجال في بيدر المسرح والتلفزيون والسينما بشكل لافت، مقدما بذلك أبهى الصور الجميلة والممتعة التي تزرع الأمل والفرحة، وتنثر رحيق الحياة الجميل في قالب فكاهي عائلي له سعة الصفاء والانشراح.

< عبد الصمد ادنيدن

Related posts

Top