يوميات نادل.. -الحلقة 5-

صديقي الثوري

بقواميس الماركسية اللينينية،  ظل المهدي يحدثني بخطاب متقطع أشبه بشذرات لا تعرف للتناسق سبيلا، ولم يحتبس في الكلام المتنافر الذي شتته على مسامعي المضجرة سلفا بصوت طاحونة البن.

فمن الإمبريالية المتوحشة، مرورا بالبروليتاريا وديكتاتوريتها، ووصولا إلى الثورة وحمل السلاح، بعد تعريج على فائض القيمة وجدلية الذات والموضوع،  وبطوباوية صارخة كان المهدي يخطب في غياب خيط ناظم لكل المتون التي لفظتها مفكرته، والتي يبدو أن الصدأ استوطن في رحابها.

إن هكذا استظهار فوضوي لرزمانة من الأفكار الملخبطة رغم نفحة الواقعية التي تغازلها من وقت لآخر، ليس بغريب على زائري، الذي أضطرب عقله وتغيرت معرفته، وأستبد به الهذيان، حتى فقد إدراك الزمان والمكان، ليغدو كتلة من الجنون تسري على الأرض، التي مشى فيها ساعيا ينشد استعادة الرشد، ليعود كالملك المغلوب.

قد يبدو جنونه عاقلا، وهو على الأقل الذي استحضر الماركسية كنظرية مركبة يحتاج الخوض في نقاشها إلى التزود بصنوف من المعرفة بشقيها العلمي والأدبي، وسعى إلى بسط ثوابتها، ووضع أرضية لمباشرة استقرائها.

فليس غريبا عليه، وهو الذي كان ينشط بإحدى تنظيمات اليسار، أيام كان يحصل بتفوق، لتظل ذاكرته تحتفظ بما كان يعتمل بحلقات النقاش بمسرح الحي الجامعي وأروقة الكليات.

مشدوها إليه، ساعيا إلى ترتيب ما ينطق به، منتشيا بالنفحات المادية التي تزركش أقاويله، يكبلني الاستغراب لأسائل نفسي.

كيف لكل سنوات السجن التي قضاها لم تنسه هذا الارتباط بخطابات الثورة والتغيير التي كان اليسار يتبناها في طيفه الراديكالي؟.

تخال الثورة منفجرة في الغد، أو بعده كأقصى تقدير، وأنت تستمع إلى المهدي متحدثا عن وضع لبنات الحزب الثوري، وتأطير الجماهير ومواجهة ما يمكن مواجهته.

هكذا صال المهدي وجال في رحاب الشيوعية، وكله حماس ليحيطني بما شاء له ماركس ولينين أن يعلمه، وكأني كنت على موعد معه ليلقنني كل هذه الأفكار المشتتة، ويفجر على مسامعي جبلا من الأسئلة، كنت في غنى عن التفتيش عن إجابات لها، خصوصا وأن المقام لا يليق للأخد والرد بما جاء به المهدي من أقصى المدينة ساعيا، لنشر ما يعتقده رسالة وجب إيصالها إلى كل عمال العالم.

بقلم: هشام زهدالي

 

Related posts

Top