في تأبين الراحل محمد الفائز

فقد البحث العلمي في التراث بوفاة  محمد الفايز واحدا من منتجي المعرفة في شقها النظري والميداني.
وقد  ظل الراحل، الذي شيع جثمانه، يوم الاثنين، بمقبرة دوار العسكر القديم بمراكش، لفترة طويلة، مكبا على أبحاث عميقة تراوحت بين دراسة التراث المرتبط بالمياه والخطارات والزراعة والحدائق في المغرب وفي الحضارة العربية الإسلامية، فضلا عن اهتماماته بالتراث غير المادي والتراث المهدد، وبالقضايا العالمية الراهنة من خلال فكر يستهدف فهم الراهن من خلال تمحيص الماضي”.
وبهذه المناسبة الأليمة ألقى عبد السلام الصديقي عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ، كلمة تأبينية في حق الراحل نقدمها في ما يلي:  

أخي، وصديقي ورفيقي سي محمد،
ها نحن نقف أمام مثواك الأخير لنلقي عليك نظرة الوداع، نظرة الحسرة، نظرة الحزن.
لقد اختطفتك منا يد المنون، وأنت في أوج العطاء على المستوى الفكري. لقد غادرتنا دون رجعة إلى دار البقاء، ونحن في أشد الحاجة إليك، وأسرتك الصغيرة في أمس الحاجة إلى عطفك وعنايتك، والجامعة المغربية ستفتقد إسهاماتك، وطلبتك يتحسرون على توجيهاتك ونصائحك، ووطنك أحوج اليوم إلى كفاءتك وذكائك…
فكل الذين عرفوك، وتقاسموا معك بعض اللحظات وأنت على قيد الحياة، أدركوا أنهم أمام مفكر عظيم تلقى المبادئ الأساسية للتربية المغربية الأصيلة، وتلقى تعليمه في المدرسة العمومية، وترعرع في أحضان الوطن في تفاعل مع مكوناته الثقافية وتناقضاته الاجتماعية.
ويمكن أن أجزم، أخي سي محمد، أنني من أصدقائك الأقربين الذين كنت تعزهم وتقدرهم، ويبادلونك الاعتراف بالجميل والحب والتقدير. لقد لمست فيك الصديق اللدود والأخ الحميم منذ أول لقاء لنا سنة 1975 بمدينة غرونوبل الفرنسية، حيث كنا نتابع دراستنا في السلك الثالث، السنة التي تزامنت مع تنظيم المسيرة الخضراء المظفرة التي كان لها وقع في مسارنا الوطني والنضالي. ومنذ تلك الفترة، لم تنقطع علاقتنا أبدا بل ازدادت توطيدا وقوة.
عرفتك كباحث متميز يهتم دائما بعمق الأشياء ويميل إلى الاشتغال بتأني ورزانة معتمدا على المصادر الموثوق بها، وأحيانا على الأرشيف لإخراجه من النسيان وإعطائه المدلول الصحيح وربطه بتحديات التنمية. وهي نفس المقاربة التي عالجت بها كل ما يتعلق بالتراث المغربي الأصيل.
عرفتك كأستاذ ذي قدرة بيداغوجية خارقة، تعلم في هدوء كبير، وبثقة عالية، وفي احترام تام للنزاهة العلمية، مع تواضع رجالات العلم الذين تعتبرعن جدارة واستحقاق من بين أبرزهم.
وعرفتك كرب أسرة، حيث حرصت على الاعتناء بزوجتك Jacqueline وابنك عادل وابنتك عايدة عناية فائقة، رغم انشغالاتك المتعددة.
فكنت نعم الأب، وكنت تحيط عائلتك الصغيرة بما يلزم من عطف وعناية، بدءا بوالديك رحمهما الله، وإخوانك وأخواتك أطال الله عمرهم. فإليهم جميعا، أقدم أخلص عبارات المواساة والعزاء وأدعو الله أن يلهمهم الصبر والسلوان.
وعرفتك كمواطن وإنسان بكل ما تحمله هذه الكلمة من إنسانية ومواطنة من معان ودلالات.
كنت قريبا من المواطن الضعيف، وكنت مناصرا للمستضعفين وكنت غيورا على وطنك وبلدك، وهو ما يبرز بكل جلاء من خلال كتاباتك وإصداراتك وسلوكك اليومي.
فالمجال لا يتسع لذكر كل الخصال والمناقب التي كنت تتميز بها كمفكر عظيم وأستاذ باحث مقتدر. مما سيجعل الأجيال الحاضرة والقادمة تهتم بك على الدوام.
نعم، أخي سي محمد،
لقد غبت عنا جسديا، ولكنك ستبقى حاضرا بيننا بروحك وأفكارك وإنتاجاتك. لقد تركت لنا كنزا عظيما يتجسد في اسهاماتك الفكرية المتعددة. لوحدك شكلت مدرسة فكرية، المدرسة الوطنية الصادقة، مدرسة الوفاء، مدرسة الجدية، مدرسة التواضع، مدرسة الإخلاص لقضايا الشعب والوطن.
لقد قدمت لوطنك الكثير، وعلينا دين تجاهك. وأقل ما يمكن أن نقوم به في هذه اللحظة العصيبة، هو أن نعترف لك كامل الاعتراف بكل ما أسديته من خدمات جليلة دون أدنى مقابل.
أخي سي محمد،
كن مرتاح البال، ونم قرير العين، لأنك قمت بالواجب وأنجزت مهامك، وأديت الرسالة على أحسن وجه، فرحمة الله عليك.

“إنا لله وإنا إليه راجعون”

Related posts

Top