احتضنت قاعة اجتماعات بلدية مراكش زوال السبت 15 يونيو 2019 ندوة تحت عنوان “إصلاح التعليم، ضرورة لكل تنمية حقيقة” من تنظيم الكتابة الإقليمية لحزب التقدم والاشتراكية بمراكش ساهمت فيه الأستاذة نبيلة منيب الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، والأستاذة حسناء أبو زيد النائبة البرلمانية سابقا عن حزب الاتحاد الاشتراكي والأستاذ عبد الواحد سهيل عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية.
وفي مستهل هذا اللقاء الذي ترأسه الكاتب الإقليمي لحزب التقدم والاشتراكية بمراكش وعضو اللجنة المركزية البروفيسور أحمد المنصوري، تناول الكلمة المصطفى عديشان عضو المكتب السياسي للحزب المكلف بتتبع جهة مراكش أسفي، الذي أحاط الحضور علما بأن هذه الندوة مؤطرة من الناحية السياسية في شعار اختاره حزب التقدم والاشتراكية للمرحلة بعد أن قام في مؤتمره الأخير بتحليل للحالة السياسية وأنجز وثيقة مرجعية هي أطروحته التي سعت إلى التحليل الملموس لواقعنا المعاش، ولم تكتف بتحليل الأوضاع وتفسيرها، وإنما سعت أيضا إلى تجاوز ذلك نحو الاضطلاع بالوظيفة الاستشرافية والبيداغوجية والتأطيرية، انطلاقا من الدور الرامي إلى التنبيه إلى مكامن الخلل في منظومتنا العامة، باستباقية واتزان وتواز وصرامة، وبمسؤولية وجدية ووطنية وباحترام تام للمؤسسات وللدستور، هاجسه الأول والأخير الإسهام في تحقيق المصلحة العليا للوطن والشعب بالوقوف دائما في صف الدفع بهذا المسار وتطويره، وإنجاح مشروع الإصلاح، ببث نفس ديمقراطي جديد، عبر إحداث الرجة المجتمعية الضرورية، والحرص على الملء الإيجابي لمساحات الفراغ التي تتخلل تفعيل دستور سنة 2011 بما يتضمنه من نفس تحديثي وحقوقي وديموقراطي قوي، دعما لإرادة بناء دولة المؤسسات والإصلاحات.
وأضاف عديشان بأن هذه الندوة تأتي في إطار تنزيل فكرة الحوار الوطني الذي دعت إليه الدورة الرابعة للجنة المركزية التي التأمت بالرباط يوم 4 ماي 2019.
الأستاذة نبيلة منيب أشارت في مدخل مشاركتها إلى أن الاختيارات النيولبرالية هي السبب الرئيسي في ما وصل إليه التعليم ببلادنا والتي تضرب مفهوم مدرسة الشعب التي تروم تحقيق الحرية والتحرر والمساواة، وأكدت بأن قضية التعليم هي قضية سياسية، مشيرة إلى النقاش الذي هم اللغة كأداة للتعلم بحيث أنه لا يمكن لأي دولة أن تتقدم وتتطور إلا بالاعتماد على اللغة الأم مؤكدة أن مشكل النظام التعليمي في المغرب ليس مشكل اللغة فقط وإنما يتعداه إلا غياب مشروع متكامل يرفع من جودة التعليم العمومي، ويجب التفكير فيها في إطار الإصلاح الشامل والشمولي مؤكدة أن دور اللغة الأم ضروري في تقدم الشعوب بحيث لا يمكن أن يكون هناك تقدم إلا بالاعتماد على اللغة العربية واللغة الأمازيغية باعتبارهما اللغتين الرسميتين في المغرب حسب الدستور، داعية في نفس الصدد إلى تجويد اللغة العربية في النظام التعليمي، كما افتخرت بكون المدرسة العمومية أفرزت جيلا من الأطر التي تتواجد اليوم بالعديد من المجالات نشأت في المدرسة العمومية التي استفادت من مجانية التعليم، وأن خوصصة هدا القطاع يضرب في العمق المجانية التي لا يمكن التخلي عنها باعتبارها شرط أساسي يجب المحافظة عليه لأن المغرب دولة فقيرة.
كما أكدت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد على ضرورة إعادة الثقة في الجامعة المغربية والمدرسة العمومية مع ضرورة الاهتمام بالتعليم الأساسي وتنشئة جيل له حس نقدي، مشددة على دور الدولة في قطاعين حيويين هما التعليم والصحة. كما دعت إلى ضرورة تجاوز وضعية بلقنة الأحزاب مؤكدة على أن الوضعية اليوم تتطلب أكثر من أي وقت مضى الاتفاق على مشروع حد أدنى لوحدة اليسار، منتقدة تعاطي الدولة مع الأحزاب السياسية المتسم بالتحكم الكبير في الخارطة السياسية مما يزيد المشهد السياسي عزلة. واعتبرت منيب أن المبتغى هو أن نصل إلى مغرب ديمقراطي، يضمن التوزيع العادل للثروة، مشيرة إلى أن التعليم يدخل في خانة الثروة التي يجب توزيعها بعدالة، لأنه من خلال التأسيس لمدرسة عمومية عصرية ومتطورة، نضمن تحرر الإنسان المغربي، على اعتبار أن الإصلاح الشامل والشمولي هو عنوان دمقرطة الدولة واستقلال القضاء وربط المسؤولية بالمحاسبة، والتي تتيح المرور لدمقرطة المجتمع وبالتالي دمقرطة التعليم.
من جانب آخر، اعتبرت رئيسة الفريق البرلماني في الولاية التشريعية السابقة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الدكتورة حسناء أبو زيد، أن المغرب عرف حركات احتجاجية وانتفاضات كثيرة خلال مساره، كان موضوعها هو التعليم، وذكرت بأحداث 1965 حيث خرج الشباب إلى الشارع للتنديد بنظام التعليم الذي كان سائدا آنذاك، وخنق الحريات وغياب الديمقراطية، ولكن الأمور لم تتطور إلى ما هو أكثر من احتجاجات تم قمعها بقساوة بالغة بلغت 5000 قتيل، وأكدت أن الدولة استثمرت كثيرا في ميدان التعليم غير أن الإنتاج لم يكن في المستوى بحجة أن الشهادة المغربية فقدت وزنها، واعتبرت المتدخلة أن مغرب الأمس ليس هو مغرب اليوم، إذ منذ بداية التسعينات سعى الفرقاء السياسيون إلى التوافق حول إصلاح سياسي سلس وعميق، أسهم في بناء الدولة على أسس انفتاح نحو الديمقراطية.
وبحكم أن الصراع السياسي فيه مد وجزر، فإن الإصلاحات التي قامت بها حكومة عبد الرحمان اليوسفي على الرغم من أهميتها لم تتم بشكل كامل وعميق، ولكن كانت هناك مكتسبات لا يمكن الاستهانة بها، مدخل ذلك هو تأمين الشارع المغربي وفتح آفاق عمل من أجل دمقرطة الدولة والمجتمع، والتطور على كافة المستويات السياسية، والاقتصادية، والحقوقية.
وفي نفس السياق تساءلت أبو زيد عن دور اليسار المغربي في كل ما يجري ببلادنا، داعيا إلى ضرورة أن يعود اليسار للعب دوره من أجل بناء المجتمع المواطن، وذلك بإيجاد الحل الملائم للإشكاليات المطروحة علينا اليوم، مؤكدة أن فرصة اليسار مفتوحة والآمال معلقة عليه، وعبرت عن أملها في إعادة توجيه نقاش حقيقي حول التعليم، مؤكدة أن الخدمة العمومية لا يمكن أن تتطور إلا بالشراكات.
من جهته، أوضح عبد الواحد سهيل عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية أن الحديث عن التعليم ببلادنا بدأ منذ عهد الحماية، واعتبر الكثير من المغاربة أن تدريس أبنائهم في المدارس الفرنسية سيفسد لهم الأخلاق وهناك من اعتبره كفرا، مشيرا إلى أن التعليم الذي تلقنه جيله في المسيد كان مهما وساهم في معرفة عدد كبير من الأشياء، وأضاف سهيل بأن التعليم ببلادنا لم يكن معمما ومازال مطلب التعميم من النقط التي نناضل من أجلها، معتبرا أن موضوع التعليم لا يهم اليسار المغربي لوحده، إنما هو مشكل يهم المجتمع برمته، لأننا نناضل من أجل مدرسة تكافؤ الفرص وتحسين الواقع الاجتماعي، مما يتطلب، يفيد المتدخل، إجبارية التعليم بدءا من 3 سنوات إلى سن الخامسة عشر، دون أن ننسى أن أهداف التعليم متعددة منها التربية على القيم والفن والرياضة والقراءة والكتابة والحساب، لأن ما يهم في التعليم هو كيف ننتج مواطنا مغربيا مفيدا لوطنه، لأن التنمية البشرية هي التي تعطي التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
واعتبر سهيل أن دستور 2011 يضمن مجموعة من الحقوق الأساسية المتقدمة ويلزم أن نواصل النضال من أجل تنزيل كل المقتضيات المتقدمة فيه، كما تطرق المتدخل إلى أن هناك آليات للتفكير الجماعي يتوجب تفعيلها وتطورها، معتبرا أن ما جاء به المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الذي وضع منظورا إصلاحيا شاملا في غاية الأهمية والذي لا يمكن إلا أن نتفق معه، كما اعتبر أن هذه الأرضية يمكن أن تكون مدخلا لإصلاح التعليم في إنجاح كل تنمية حقيقية. واختتم العضو القيادي بحزب التقدم والاشتراكية مداخلته بالتأكيد على أن حزبه مدرسة آمنت وما تزال تؤمن بإمكانية التغيير من داخل المؤسسات، وأن الإصلاح لا يستقيم إلا مع الاستقرار، مذكرا بمواقف الحزب من مجموعة من الأحداث التي وقعت في المغرب والتي كانت ستؤدي بالبلاد إلى المجهول.
بيان اليوم