المنازعات الانتخابية على ضوء الاجتهاد القضائي المغربي

تعد المنازعات الانتخابية من المواضيع البارزة في النظام القانوني المغربي، حيث تكتسي أهمية خاصة في ضمان نزاهة العملية الانتخابية وحماية الإرادة الشعبية.

يرتبط موضوع المنازعات الانتخابية بآليات الطعن في نتائج الانتخابات وما يترتب عن ذلك من تأثير على شرعية الممثلين المنتخبين. ويُعتبر الاجتهاد القضائي المغربي أحد الركائز الأساسية في معالجة هذه المنازعات، إذ يلعب دورًا حاسمًا في تحقيق التوازن بين النصوص القانونية وتطبيقها العملي.

يرتكز الإطار القانوني للمنازعات الانتخابية في المغرب على مجموعة من النصوص التي تشكل الأرضية القانونية لتنظيم هذه العملية. يتصدر الدستور المغربي هذه النصوص باعتباره أعلى وثيقة قانونية تنص على ضمان نزاهة الانتخابات وشفافيتها كركيزة للديمقراطية. إلى جانب ذلك، نجد القوانين التنظيمية التي تضبط العمليات الانتخابية، مثل القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب والقانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء الجماعات الترابية. كما أن قانون المسطرة المدنية يحدد الإجراءات الواجب إتباعها عند عرض المنازعات الانتخابية أمام القضاء، مما يضمن وضوحًا في المساطر واحترامًا لحقوق الأطراف.

أول إشكالية بارزة تتعلق باستخدام المال في العمليات الانتخابية، حيث أصبح شراء الأصوات والتأثير على إرادة الناخبين من الظواهر المثيرة للجدل في المشهد السياسي. على الرغم من أن النصوص القانونية تجرم مثل هذه الممارسات، فإن القضاء يجد صعوبة في إثباتها بشكل مباشر بسبب تعقيد أساليب التأثير المالي وعدم توفر الأدلة القاطعة. هذه الظاهرة لا تؤثر فقط على نزاهة العملية الانتخابية، بل تؤدي أيضًا إلى إضعاف ثقة المواطنين في المؤسسات السياسية، حيث تُرسخ فكرة أن الانتخابات لا تعبر عن إرادتهم الحرة بقدر ما تعكس القدرة المالية لبعض الأطراف.

إشكالية أخرى ترتبط بعدم المساواة في الوصول إلى وسائل الإعلام أثناء الحملات الانتخابية. رغم وجود قوانين تنص على مبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين، فإن بعض الأحزاب الكبيرة أو الشخصيات السياسية ذات النفوذ تتمكن من الحصول على تغطية إعلامية أوسع، مما يمنحها ميزة غير عادلة مقارنة بالمنافسين الأقل نفوذًا. هذا الوضع يؤدي إلى تركيز السلطة في أيدي نخب محددة، مما يضعف التعددية السياسية ويُفقد الناخبين الثقة في أن الانتخابات تُمثل ساحة مفتوحة للمنافسة العادلة.

من الإشكاليات الأخرى التي تؤثر على المشهد السياسي، مسألة ضعف التمثيلية الحقيقية للمواطنين. فرغم الجهود المبذولة لتعزيز تمثيلية النساء والشباب في المؤسسات المنتخبة من خلال اعتماد لوائح خاصة بهم، إلا أن هذه المبادرات غالبًا ما تُستخدم بشكل شكلي دون أن تنعكس فعليًا على تعزيز دور هذه الفئات في صنع القرار. كما أن طريقة اعتماد اللوائح الانتخابية تثير تساؤلات حول قدرة النظام الحالي على إفراز نخب سياسية قوية قادرة على تحمل المسؤولية وتمثيل الشعب بشكل حقيقي.

ويعد القضاء المغربي الجهة المختصة للفصل في المنازعات الانتخابية، حيث يتولى المجلس الدستوري سابقًا، والمحكمة الدستورية حاليًا، النظر في الطعون المتعلقة بانتخابات البرلمان. أما بخصوص الانتخابات المحلية، فتختص المحاكم الإدارية بالفصل فيها. يتجلى دور هذه المحاكم في التحقق من سلامة العملية الانتخابية، وضمان احترام القانون فيما يتعلق بالإجراءات الانتخابية والترشيحات وعمليات الاقتراع وإعلان النتائج. كما تُعطى أهمية كبرى للتوازن بين ضمان احترام إرادة الناخبين وحماية حقوق المرشحين.

وأظهرت الاجتهادات القضائية المغربية تطورًا كبيرًا في معالجة المنازعات الانتخابية، إذ سعت إلى تحقيق التوازن بين النصوص القانونية ومتطلبات النزاهة والشفافية. ومن أبرز القضايا التي تعامل معها القضاء المغربي، تلك المتعلقة بالطعن في النتائج الانتخابية بسبب تجاوزات أو خروقات تؤثر على سلامة العملية الانتخابية. على سبيل المثال، ركزت بعض الأحكام على إلغاء نتائج الانتخابات في حالات استخدام المال للتأثير على الناخبين، أو خرق قواعد الحملات الانتخابية، أو عدم احترام شروط الترشح. في هذا السياق، يظهر اجتهاد القضاء المغربي كوسيلة لتعزيز الديمقراطية وضمان تطبيق القانون بشكل عادل.

وعلى المستوى القضائي، ورغم الجهود المبذولة لتحسين أداء القضاء في الفصل في المنازعات الانتخابية، يواجه هذا الأخير تحديات كبرى مرتبطة بالبطء في معالجة الطعون الانتخابية. فغالبًا ما يتم البت في النزاعات بعد مرور فترة طويلة على إجراء الانتخابات، مما يؤدي إلى استمرار الوضعية المتنازع عليها لفترة قد تُضعف شرعية المؤسسات المنتخبة. هذا التأخير قد يكون ناتجًا عن تعقيد المساطر القانونية أو عن نقص الموارد البشرية والتقنية المخصصة لهذا الغرض.

ويمكن القول إن القضاء المغربي، من خلال اجتهاده في المنازعات الانتخابية، أصبح لاعبًا رئيسيًا في حماية الشرعية الديمقراطية وتعزيز الثقة في العملية الانتخابية. ويؤكد هذا الدور أهمية تطوير القوانين الانتخابية لمواكبة تطورات المجتمع وتحديات العملية الانتخابية. إن تحقيق العدالة في هذا المجال يتطلب انسجامًا بين النصوص القانونية والاجتهاد القضائي لضمان انتخابات حرة ونزيهة تعكس إرادة الشعب المغربي.

بقلم: مراد علوي

باحث في الدراسات السياسية والمؤسساتية ـ برحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال- جامعة محمد الخامس بالرباط.

Top