ملتقى الأمازيغية

الملتقى الوطني الثالث حول الأمازيغية الذي نظمه حزب التقدم والاشتراكية بشراكة وتنسيق مع الحركة الثقافية الأمازيغية الجمعة الماضي بالرباط، لم يكن خرجة للاستهلاك الإعلامي، ولم يكن منبرا لترديد الكلام الشعبوي، أو خطب المزايدات، إنما كان فعلا لحظة مهمة للتفكير العلمي والسياسي الرصين، وقد نجح الحزب، من خلال ذلك، في إبراز وفائه لوعوده والتزاماته، كما نجح في البروز كقوة اقتراحية منتجة وفاعلة في الميدان.
لقاء الجمعة في الرباط هو الثالث من نوعه ضمن هذا التقليد السنوي الذي يحرص الحزب على جعله باستمرار فضاء للحوار مع فعاليات متنوعة من المجتمع المدني، ومع أكاديميين وباحثين متخصصين ومهتمين بقضايا الأمازيغية، وهؤلاء كلهم يعرفون المواقف التاريخية لحزب التقدم والاشتراكية حول الأمازيغية، وحول الحقوق اللغوية والثقافية لشعبنا، وذلك منذ عقود، ومن ثم، فهم يتفاعلون مع مبادراته، ويشتركون مع أطره ومسؤوليه في التفكير، وفي بلورة المقترحات والمطالب، وأشكال الترافع والنضال من أجل تحقيقها.
لقاء الجمعة تميز بمناقشات عميقة جدا، وتركزت حول مضمون القانون التنظيمي حول الأمازيغية المرتقب أن يجسد التنزيل الديمقراطي للمقتضى الدستوري الخاص باعتبار الأمازيغية لغة رسمية في المملكة إلى جانب اللغة العربية، كما تطرقت إلى المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وإلى مختلف التفاصيل المرتبطة بالتنوع الثقافي واللغوي في بلادنا، وإلى أهمية جعل التنصيص الدستوري على رسمية الأمازيغية ينعكس في الأرض، أي في قطاعات التعليم والإعلام والصحة والثقافة والإدارة والقضاء والتنمية المحلية وغيرها.
لم يكن الهاجس الحزبي هو البارز في كل هذه المناقشات، كما لم تجد الشعبوية مكانا لها، وبدل كل هذا كان بارزا بشكل واضح، اتفاق مختلف المشاركين في الملتقى على توحيد جهودهم كلهم، والنضال الجماعي من أجل التنزيل الديمقراطي التقدمي لأحكام الدستور الجديد ذات الصلة بالأمازيغية، وبالتالي مواجهة كل تراجع أو اختيار محافظ بهذا الخصوص.
وسواء عبر تدخلات الأمين العام للحزب في هذا الملتقى، أو من خلال كلمة عضو المكتب السياسي وزير الثقافة، فإن الحزب لم يختر معجم الازدواجية في الخطاب، إنما ذكر الحاضرين بالتزامات الحكومة التي يشارك فيها، وقدم الإجابات والتطمينات الضرورية بشأن كل الأسئلة التي تطرحها اليوم الحركة الثقافية الأمازيغية حول مرحلة ما بعد المصادقة على دستور فاتح يوليوز 2011، ووعد أن ينقل انشغالاتهم ومطالبهم إلى الحكومة، ويعمل، بمعية حلفائه، على تحقيقها، كما طالب، في نفس الوقت، نشطاء الحركة الجمعوية والباحثين بالانتقال من المطالب والشعارات إلى إعداد المقترحات العملية والأفكار والبرامج والترافع حولها بشكل دقيق، وبتعاون مع الحزب، ومع باقي القوى الوطنية والديمقراطية المؤمنة بالمساواة والتعددية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ووجه نداء للكل، بأن  المغرب راكم الكثير من المكتسبات في مجال النهوض بالأمازيغية، ولا يجوز اليوم المس بها أو التراجع عنها، بل من الضروري الانطلاق منها لتحقيق خطوات أخرى أكثر تقدما وتنسجم مع الدينامية السياسية التي تشهدها المملكة.

Top